هكذا تحدث "إدغار مواران" لم يفوّت الفيلسوف وعالم الإجتماع الفرنسي "إدغار موران" الفرصة، دون أن يدلي بدلوه بخصوص الهجمات الإرهابية التي عرفتها باريس يوم 13 من هذا الشهر، منتقدا اقتصار السلطات الفرنسية على المقاربة الأمنية وكأن الجانب الأمني وحده هو الحل الكافي لمعضلة مثل الإرهاب، وجاء هذا النقد غداة مناسبة ثقافية جمعته بثلة من المثقفين ومحبي الكتاب في فضاء المكتبة الوطنية بالرباط الأسبوع المنصرم، حيث كانت أبرز رسالة مررها خلال هذه التظاهرة الثقافية هي قصور المقاربة الأمنية منفردة في الإحاطة بالظاهرة الإرهابية مهما كانت درجة احترافية الأجهزة الأمنية. فالمقاربة الأمنية في نظره، لا تعدو أن تكون مجرد مقاربة من بين مقاربات أخرى تروم مجتمعة معالجة الظاهرة من جوانب متعددة، و من ثم يصير من الواجب اعتماد مقاربات موازية ترمي إلى السلم وتنتصر للقيم الإنسانية والتعايش، وعلى هذه المقاربات أن تكون شمولية واستباقية وليس بعد وقوع الجريمة، فالإرهاب مثل مرض يستوجب الوقاية منه قبل الإصابة به، حتى إذا حدثت الإصابة آنذاك يكون الآوان قد فات نسبيا ولا تملك الدولة عندها سوى المقاربة الأمنية، وبالتالي وجب اعتماد مقاربات أخرى مثل التربية وزرع القيم العالمية والبحث عن الأرضية المشتركة ونشر ثقافة السلم بين الدول، فالحضارة الإنسانية تكسب بالسلم وتدبير الاختلاف ما لا تكسبه بالعنف وإقصاء الآخر المستند إلى فكر اختزالي. و قد انتقد "موران " في وقت سابق سياسة الولاياتالمتحدةالأمريكية في حربها ضد الإرهاب، معتبرا أن أصل الداء هو تلك التدخلات العسكرية التي شنتها على دول مثل العراق وأفغانستان، وهي تدخلات ساعدت بشكل كبير على تفكك ما يعتبره دول مركبة إثنيا ودينيا كالعراق وسوريا حسب منظوره. جدلية الحرية والنظام العام كما لم تفته المناسبة دون أن يلح على ضرورة الوقوف في هذه الفترة العصيبة موقف وسطي بين الحرية والنظام العام، حيث كما لا يجوز المساس بحقوق الإنسان ومنها مبادئ الجمهورية الفرنسية « الحرية، المساواة، والأخوة » باسم محاربة الإرهاب، لا يجوز كذلك اتخاذ الحرية ذريعة للمساس بالنظام العام والأمن الوطني والدولي ومن تم استغلال مبدأ الحرية للتخريب وسلب حرية الغير. رغم أن هذه التوصية تبدو بديهية وسهلة المنال نوعا ما، إلا أنها بالنسبة للدولة ليست كذلك بالمرة، فهذه الأخيرة تجد نفسها بين هاجسين أحيانا يكونان متناقضين حد الحيرة حسب تعبيره: أولا: الهاجس الأمني الذي يستوجب اليقظة وحماية المواطن من كل سوء ووقايته من أي خطر كان، فتحاول السلطات ما أمكن تحقيق هذا الهدف وتجنب أي نقد يمكن توجيهه في هذا الصدد خصوصا أنه إن تبت وجود تقصير أو تهاون ما، يصير من الضروري في البلدان الديمقراطية استقالة وزير الداخلية وأحيانا الحكومة. ثانيا: الهاجس الحقوقي الذي يفرض على السلطات احترام الحقوق والحريات العامة والفردية للمواطن، الشيء الذي يحد من تحقيق الهدف الأول من جهة لكن من جهة ثانية تعمل الدولة جاهدة على تجنب أية انتهاكات أو تجاوزات من شأنها أن تجر صناع القرار فيما بعد للمحاسبة القضائية.