بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها بأداء إيجابي    الأردن... الإعلان عن حظر كافة أنشطة "جماعة الإخوان المسلمين" وإغلاق مقارها    بنعلي تطلق طلب اهتمام لإنشاء أول محطة لاستقبال الغاز الطبيعي المسال بالناظور    حموشي يستقبل رئيس استعلامات الحرس المدني الإسباني بالرباط لتعزيز التعاون الأمني الثنائي    وزراء الخارجية العرب يرحبون بانتخاب المغرب لرئاسة التحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان    بعد حوادث في طنجة ومدن أخرى.. العنف المدرسي يصل إلى البرلمان    الوقاية المدنية تواصل البحث عن تلميذ جرفته المياه في شاطئ العرائش    تعزيز التعاون المغربي الفرنسي، في صلب مباحثات بوريطة ورئيسة جهة «إيل دو فرانس»    وزراء الخارجية العرب يشيدون بالجهود المتواصلة لجلالة الملك في الدفاع عن القدس    التازي ينظم المناظرة الجهوية للتشجيع الرياضي    اتفاقية شراكة بين "الكاف" وشركة للنقل واللوجستيك كراعية لكأس إفريقيا المغرب 2025    الابتكار في قطاع المياه في صلب نقاشات الملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب    السعودية توافق على اتفاقيات تسليم المطلوبين ونقل المحكومين مع المغرب    بالتعاون مع وزارة الصحة والحماية الاجتماعية.. نقل سيدة إيفوارية من الداخلة إلى مراكش عبر طائرة طبية بعد تدهور حالتها الصحية    في حضرة الوطن... حين يُشوه المعنى باسم القيم    المغرب يجذب مزيدا من الفاعلين الاقتصاديين والمستثمرين الدوليين (صحيفة فرنسية)    وزراء الخارجية العرب يؤكدون على مركزية اتفاق الصخيرات كإطار عام للحل السياسي في ليبيا    الإتحاد الأوروبي يخاطر بإثارة غضب ترامب    بطلة مسلسل "سامحيني" تشكر الجمهور المغربي    الكتاب في يومه العالمي، بين عطر الورق وسرعة البكسل    إلغاء ضربة جزاء أعلنها الحكم تفجر غضب جمهور فتح الناظور    "التقدم والاشتراكية" ينتقد خوف الأغلبية من لجنة للتقصي حول "دعم الماشية" ويستنكر وصف أخنوش المعارضة ب"الكذب"    "مناظرة وُلدت ميتة"… انتقادات موجهة لولاية جهة الشمال من غياب التواصل حول مناظرة التشجيع الرياضي بطنجة    الحوار الاجتماعي.."الكونفدرالية" تحتج على قانون الإضراب وتطالب بزيادة جديدة في الأجور والمعاشات    نادي "الكاك" يعتذر لجمهور القنيطرة    نادي مولودية وجدة يحفز اللاعبين    أوراش: الأزمة المالية الخانقة توقف بطولة كرة السلة بكيفية قسرية    وفاة الإعلامي الفني صبحي عطري    وزير الداخلية يحسم الجدل بخصوص موعد الانتخابات الجماعية والتقسيم الانتخابي    تراجع أسعار الذهب مع انحسار التوترات التجارية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    زلزال بقوة 6.2 درجة يضرب إسطنبول    وزارة التعليم العالي تدرس إمكانية صرف منحة الطلبة شهريا    "بي دي إس" تطالب بالتحقيق في شحنة بميناء طنجة المتوسط متجهة إلى إسرائيل    عباس يطالب "حماس" بتسليم السلاح    البابا فرنسيس يسجى في رداء أحمر    "طنجة المتوسط" يؤكد دعم الصادرات في المعرض الدولي للفلاحة بمكناس    القضاء يستمع إلى متزوجين في برنامج تلفزيوني أسترالي    إصابة الحوامل بفقر الدم قد ترفع خطر إصابة الأجنة بأمراض القلب    الحل في الفاكهة الصفراء.. دراسة توصي بالموز لمواجهة ارتفاع الضغط    أمريكا تتجه لحظر شامل للملونات الغذائية الاصطناعية بحلول 2026    هذه أغذية مفيدة لحركة الأمعاء في التخلص من الإمساك    المغرب يعزز منظومته الصحية للحفاظ على معدلات تغطية تلقيحية عالية    في الحاجة إلى مغربة دراسات الهجرة..    وكالة التنمية الفلاحية تستعرض فرص الاستثمار الفلاحي خلال ندوة دولية بمعرض مكناس    كيوسك الأربعاء | توقع إنتاج 44 مليون قنطار من الحبوب    في جولة أبريل من الحوار الاجتماعي.. الاتحاد العام لمقاولات المغرب يؤكد على تجديد مدونة الشغل والتكوين    توقيع شراكة استراتيجية ومذكرة تفاهم لبحث الفرصة الواعدة في إفريقيا بين فيزا ومجموعة اتصالات المغرب    المنتخب المغربي للتايكواندو يشارك في كأس رئيس الاتحاد الدولي للتايكوندو بأديس أبابا    "الإيقاع المتسارع للتاريخ" يشغل أكاديمية المملكة المغربية في الدورة الخمسين    الغربة بين الواقع والوهم: تأملات فلسفية في رحلة الهجرة    ندوة علمية حول موضوع العرائش والدفاع عن السيادة المغربية عبر التاريخ: نماذج ومحطات    صحيفة ماركا : فينيسيوس قد يتعرض لعقوبة قاسية (إيقاف لمدة عامين    مغرب الحضارة: حتى لا نكون من المفلسين    لماذا يصوم الفقير وهو جائع طوال العام؟    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قائد ليبيا أو كاليجولا الجديد
نشر في هسبريس يوم 23 - 02 - 2011

على قدر ما تكون هناك سلطة من دون رقيب يتعقبها ولا معارضة تواجهها بأخطائها يكون هناك من الفساد يعم البلاد والعباد، حتى قالوا قديما إن السلطة المطلقة تعني الفساد المطلق ولا ريب، وهذا الفساد يتعاظم ويتعاظم حتى يأتي بالهلكة على صاحبه ومن حوله.
ولقد تذكرت وأنا أسمع خطاب الزعيم القذافي وخطاب نجله سيف قصة كاليجولا التي قرأنا عنها في مسرحية ألبير كامو "كاليجولا" وحدثنا عنها يول ديورانت في قصة الحضارة، وهي قصة معبرة تعكس كيف يصبح الحاكم إلها ومعبودا، وتسقط المسافات بينه وبين "المطلق" بسبب غياب من يقول له كلمة"لا".
لقد تجلى القذافي في خطابه الأخير إلها من آلهة اليونان القديمة، إما تعبدونني ف"أنا المجد" و"أنا الثورة" و"أنا ربكم الأعلى"، وإلا يحل بكم العذاب، وإلا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير،..، إما تبقون علي وإلا فلا بقاء لأحد منكم..
إن قصة القذافي شبيهة بقصة الإمبراطور الروماني كاليجولا الذي حكم قبل حوالي ألفي عام، حكم بكل قسوة وبكل عنف وبكل "ألوهية". كان لا يتكلم إلا ب"أنا" ومثله القذافي في خطابه العصابي.
تولى القذافي مثل كاليجولا الحكم في سن الشباب، فغلبت النزقية والخفة والطيش عليه، حتى ملأ الحياة بالقتلى والدماء والخوف وعدم الاستقرار..
بدأ كاليجولا أيامه الأولى في الحكم بأسلوب مختلف، فقد توسع في ممارسة الديمقراطية، وأعطى صلاحيات واسعة لمجلس الشيوخ الروماني، وأفرج عن المسجونين وأعاد المنفيين،
وكان يحب التمثيل فأغدق الهدايا والمكافآت على الفنانين، وظن الناس أنهم سيعيشون مع هذا الإمبراطور حياة وردية لا نهاية للسعادة فيها، غير أن هذه الأوضاع لم تستمر لأكثر من ثلاثة أشهر، ليرى الشعب حاكما وحشا معتوها مجنونا بالحكم متعطشا للدماء مليئا بالقسوة..وكذلك القذافي أوهم الناس أنهم سيكونون في رخاء بعد ملكية إدريس السنوسي، وأنهم سيحكمون أنفسهم بأنفسهم، وأنه لا سلطان عليهم بعد اليوم، حتى إذا تمكن منهم أحال حياتهم إلى جحيم..
لقد اكتشف كاليجولا، مثلما اكتشف القذافي، أن كلمته لا ترد، وأن أوامره كلها مطاعة ومسموعة، وأنه لا راد لأمره ونهيه، فنشأ في نفسه أنه إله،"فاستخف قومه فأطاعوه"...فتوالت تصرفاته المجنونة التي أثارت الفزع في قلوب المواطنين،..وتلك حكمة القصة التي نستخلصها من فم التاريخ، فالطاغوت لا يولد طاغوتا، بل هو طاغوت بمن حوله ممن يتملقونه ولا يردون له رأيا.
لقد أرغم كاليجولا أعضاء مجلس الشيوخ أن يُقبلوا رجليه، بعد أن كان قد أوهمهم أنه سيمنحهم صلاحيات واسعة لمناقشة أمور الدولة واتخاذ القرارات المناسبة، وكذاك فعل القذافي بعد أن أذل شعبه وأوهمهم أن اللجان الشعبية والمؤتمرات الشعبية هي من يباشر الحكم وأنه سيبقى رمزا فقط لا يتدخل في الحكم، فإذا بالناس يصدقون ويهتفون بحياة القائد، حتى إذا استتب له الأمر ظهر أن لا حاكم إلا هو، وأن رؤساء اللجان الشعبية يصبحون ويمسون على تقبيل رجليه..
لقد كنا متوهمين حين صفقنا للقذافي وهو يمزق ميثاق الأمم المتحدة، كنا نرى فيه انتصارا لحقوق الشعوب المهضومة، وكلمة حق في وجه الإمبريالية والمركزية الغربية، لكن تمزيقه لأجساد شعبه وإعلانه الحرب على معارضيه في خطابه الأخير بهذه الهمجية وهذه الضراوة، واستعداده على تصفية "كل الشعب" لقاء أن يبقى "هو" "رمزا" فتح عيون الجميع على أن "عنتريته" جزء من "الأنا المجنونة" والعته الذي بلغ مداه.
ومثلما يُحكى عن القذافي شذوذه في عالم النساء حتى لم يكن من حرسه المفضلين إلا الحارسات الشخصيات اللاتي لا يأمن لسواهن، فقد كان كاليجولا كذلك يأخذ كل من وقعت عليها عينه لنفسه من زوجات قواده فيحكى أنه حضر ذات مرة عرسا في روما لإحدى النساء الشهيرات، وفي ليلة العرس أعجبته العروس فأخذها لقصره أمام مرأى ومسمع الجميع ولم ينبس أحد بكلمة..إنه المجتمع حين يحوله الاستبداد إلى عالم من القبور..أموات غير أحياء، وما يشعرون أين يبعثون..
كان كاليجولا دمويا إلى درجة الهوس فلم يتح فرصة يوما لأحد لمعارضته والاختلاف معه، معارضته كانت تعني أن ينتهي بحلق رأس المسكين وإلقائه للوحوش التي كان يستمتع كاليجولا بمشاهدتها تفترس المساجين من معارضيه في أول سيرك دموي في التاريخ ،في مشهد لا أخلاقي ولا عقلاني في نفس الآن..كان كاليجولا يقول: إن بإمكاني أن أفعل أي شيء بأي إنسان،..ولقد أبان القذافي في خطابه البئيس إلى شعبه كيف ينظر إلى معارضيه من شعبه على أنهم"جرذان" و"وسخ" و"قطط" و.. و.. و، ينبغي سحقهم، وهي صورة مصغرة لما يراه الزعماء "الآلهة" حين يخلو لهم العالم فلا يسمعون إلا أصواتهم..ولا يرون في المرآة إلا صورهم، وهم على ما هم عليه من الغفلة حتى تعصف به عواصف التغيير فتقتلعهم، أو تأتيهم رسل الموت يتوفونهم وهم لا يفرطون، وردوا إلى الله مولاهم الحق، ألا له الحكم ، وهو أسرع الحاسبين..
* أكاديمي ومفكر مغربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.