لمْ يعُدْ بمقدور السيَّاح الأجانب أنْ يتمشّوا في كورنيش مدينة أكادير بحرّية، وعلى سجيّتهم، ولمْ يعُودوا قادرين على الاستجمام في شاطئ البحرِ الذي تطلُّ عليْه أغلبُ الوحدات الفندقيّة المصنّفة بالمدينة، دونَ أنْ يعكّرَ صفْوَ استمتاعهم بالشمس والبحر بائعٌ متجوّلٌ يُحاولُ بيْعَ منتوجاتٍ تقليدية ولوْ بالإكراه. مع طلوع شمسِ كلّ يومٍ يفدُ على الكورنيش عدد من الباعة المتجوّلين، يملؤون رصيفَ المُشاةِ جيئة وذهابا، ويُرابطون، بالأساس، أمامَ أبواب الفنادق المصنّفة، وكلّما لاحَ لهم سائح يهبّونَ نحوهُ بسرعة، ويعْرضونَ عليه ما يحملون من سلع بسيطة، عبارة عن تذكاراتٍ وإكسسوارات وملابس تقليدية. الباعةُ المتجوّلون بكورنيش أكادير لا يكتفونَ فقطْ بعرْض "سلعهم" على السياح الأجانب، بلْ يستوْقفونهم ويُلحّونَ عليهم بالشراء، وعاينتْ هسبريس عددا من هذه المشاهد، ومنْها مشهدُ سائحة أجنبيّة قصَدها بائع متجوّل وهيَ بالكاد تخرج من مياه الشاطئ قاصدةً الدُّرْج المفضي إلى باب الفندق حيث تُقيم. اقتربَ البائع المتجوّل من السائحة الأجنبيّة ومدّ فمه حتى كاد أنْ يلتصق بأذنها، وقالَ لها بفرنسيّة ركيكة: "لدّي سلعة جيّدة بثمن مناسب"، لكنَّ السائحة الأجنبية لمْ تُبالِ بكلام البائع المتجول وأسرعت الخطْوَ لتتخلّص منه، لكنّه أصرَّ على أن يتبعها إلى أنْ ولجتْ باب الفندق فعادَ خائبا. يقول عبد الرزاق الخليفي، أمينُ مال جمعية تجار منتوجات الصناعة التقليدية بأكادير، وهي جمعية تمثّل تجار المنطقة السياحية، إنَّ قطاعَ السياحة بأكادير يتعرّضُ لضرباتٍ من طرف جهاتٍ مختلفة، ومن هذه الجهات الباعة المتجوّلون، الذين يدفعون السياح إلى عدمِ مغادرة الفنادق بسبب إزعاجهم. ويُشير الخليفي إلى أنَّ السيّاحَ الأجانبَ الذين يقصدون مدينة أكادير يأتونَ على وجه الخصوص للاستمتاع بالبحر والشمس، وهُمَا الرأسمالُ السياحي الأبرز لمدينة أكادير، "لكنّنا لا نعرفُ كيفَ نستثمر هذا الرأسمال"، يقول الخليفي، مضيفا أنَّ الباعة المتجوّلين يدفعون السيّاحَ الأجانب إلى عدم العودة مرّة أخرى إلى أكادير. وعاينتْ هسبريس، خلالَ جوْلتها بكورنيش مدينة أكادير، عددا من المشاهد المعبّرة عن المضايقات التي يتعرّضُ لها السياح الأجانب. في مكانٍ وسَط رصيف المُشاة، كانَ سياح أجانب من بلجيكا جالسين يتبادلون أطرافَ الحديث، فجاءَ بائع جائلٌ يبيع "أحجارا"، وحاوَل الترويج لسلعته، وبعد لحظاتٍ التحقَ به بائع ثانٍ يبيعُ أثوابا، ثمَّ بائعٌ ثالث يبيع إكسسوارات. البائعُ الثالث كانَ حظّه عاثرا، إذْ بمجرّد شروعه في "الترويج" لسلعته لدى السياح البلجيكيين باغته شُرطيّان بالزيّ المدني كانا يمتطيان درّاجةً ناريّة؛ فنادَاه أحدهُما، وأمسكه الآخر من ذراعه وأجلسهُ أرْضا ووبّخه، ليْسَ لأنهُ يُضايقُ السيّاحَ الأجانبَ، بلْ لأنه تحدّث مع الشرطيّ ب"قلّة أدَب". حينَ ارتفعَ صوتُ الشرطّي والبائع المتجوّل، اضطرّ السياح البلجيكيون الذين كانوا يُتابعون المشهد في صمْت إلى الانسحابِ من المكان، وكانوا يلتفتون لمتابعة أطوار المشهد. "ما تْعوّْجْ عليّا فمّك"، يقول الشرطيّ الغاضبُ للبائع المتجوّل، فردَّ هذا الأخير: "انتوما كاتعرفوني مزيان"؛ وبعْدَ شدّ وجذبٍ أطلقَ الشرطيّان سراحَ البائع المتجوّل، بعْد تدخّل زميلٍ له في الحرفة. هذا المشهدُ ليْسَ سوى جُزءٍ بسيطٍ من الفوْضى التي يشهدها كورنيش مدينة أكادير على مدار اليوم، حسبَ عدد من الفاعلين السياحيين، ويؤكّد ذلك ما عاينتْه هسبريس؛ فلم تمض سوى دقائق قليلة حتّى عادَ البائع المتجوّل الذي أوقفه الشرطيّان ليُثير انتباهَ قاصدي الكورنيش، حينَ دخلَ في مشادّةٍ كلاميّة مع بائع متجوّلٍ آخر، فتعالى السبابُ والكلامُ النابي، ونزعَ أحدهما قميصه استعدادا للعراك، إلى أنْ تدخّل بائعون آخرونَ وفضّوا النزاع. "أنتَ لمْ ترَ شيئا، إنّهم يتعاركون بيْنهم دائما"، يقولُ حارسُ أحد الفنادق المصنّفة لهسبريس، مُضيفا أنَّ تصرّفاتِ الباعة المتجوّلين تُثير استياءَ السياح الأجانب، وتدفعهم إلى تفادي النزول إلى الكورنيش أو الشاطئ، خصوصا مع تزايد أعداد البائعين المتجوّلين. المثيرُ للانتباهِ هُوَ أنَّ الشجارَ بيْن الباعة جرَى بمحاذاة مخفر الشرطة الخاصّ بالمنتزه، دونَ أن يتدخّل أحد. داخلَ المخفرِ المُزيّن بابُه بلوحة مكتوب عليها "الشرطة في خدمة المواطن"، كانَ شُرطيّ واحدٌ يجلسُ داخلَ مكتبٍ صغير، وغيرَ بعيدٍ كانَ شُرطيّ وعنصر من القواتٍ المساعدةٍ يجوبان المكان، وكان عناصرُ شرطة آخرين يمخرون الشاطئ بدراجاتهم النارية، ومع ذلك يستمرُّ الباعة المتجوّلون في إزعاج السيّاح، دونَ أنْ يردعهم أحد، خاصّة أنّهم لا يتوفرون على رُخصة لمزاولة أيْ نشاط تجاري في الكورنيش. يقول فاعل سياحي لهسبريس: "في مدينة مراكش سنّت السلطات قانونا يقْضي بمنْعِ التحدّث مع السياح الأجانب أوْ إزعاجهم في الفضاءات العامّة، ونحنُ نستغربُ كيفَ أنَّ عناصرَ الشرطة في مدينة أكاديرَ، وهي ثاني مدينة سياحية في المغرب بعد مراكش، ترى مثل هذه المشاهد المُضرّة بالسياحة في المدينة دونَ أن تتدخّل لوضع حدّ لها". ويبْدو الباعة المتجوّلونَ القادمون من دول جنوب الصحراء أكثر "تحضّرا" مقارنة مع نظرائهم المغاربة، فهُمْ لا يُلاحقون السيّاحَ الأجانبَ، بلْ يكتفون فقط بعرْض منتوجاتهم على الرصيف، أمّا البائعون المتجولون المغاربة فلا يكتفون فقطْ بملاحقة السيّاح، بلْ إنهم يُجبرونهم في أحيانٍ على اقتناء ما يبيعون رُغما عنهم، حسب إفادة حارسِ أحد الفنادق. وأضاف المتحدث: "إنهم لا يتوفّرون على أيّ رخصة، ولا يحملون أيّ شارة (Badge)، لذلك يبيعون سلعهم بأسعار يُحدّدونها هُم، ويَنْصبون على السياح كيفما شاؤوا".