جاء التقرير الأخير الصادر عن صندوق النقد الدولي حول الأوضاع الاقتصادية في دول الخليج المصدرة للنفط بمثابة تأكيد على أن الأوضاع المالية لدول مجلس التعاون الخليجي لن تكون على ما يرام خلال السنوات القادمة، نظرا لاعتمادها الكبير على عائدات تصدير النفط، وهي الوضعية التي دفعت بالسعودية، المصدر الأول للنفط في العالم، إلى الإعلان عن تفكيرها في رفع الدعم عن أسعار المحروقات بالنسبة لمواطنيها، أما الكويت فقد أعلن أميرها عن تراجع عائدات بلده بأكثر من 60 بالمائة. وإن كانت ميزانيات دول الخليج لن تتأثر على المدى القريب نظرا لتوفرها على احتياطي مالي كبير يتمثل في صناديقها السيادية الأكبر في العالم، فمثلا يتوفر جهاز أبو ظبي للاستثمار على احتياطي مالي قدره 773 مليار دولار، كما تتوفر الهيئة العامة للاستثمار في الكويت على خزان مالي يقدر بأكثر من 592 مليار دولار، بينما يقدر الغلاف المالي لجهاز قطر للاستثمار على 252 مليار دولار، وهو ما يفيد بالقوة المالية لدول الخليج. إلا أن هذه الاحتياطات المالية لدول مجلس التعاون الخليجي لن تكون بمنأى عن التراجع في أسعار النفط، حيث كشف صندوق النقد الدولي أنه في الفترة التي سبقت انخفاض أسعار النفط كان من المتوقع أن تسجل دول مجلس التعاون الخليجي وحدها فائضا مجمعا في حسابات المالية العامة يبلغ نحو 100 مليار دولار في 2015 وحوالي 200 مليار دولار بين عامي 2015 و2020، لكن من المرجح حاليا أن تسجل عجزا مجمعا قدره 145 مليار دولار في 2015 وأكثر من 750 مليار دولار بين عامي 2015 و2020. وأكد مدير صندوق النقد الدولي للشرق الأوسط وآسيا الوسطى، مسعود أحمد، أن ميزانيات دول مجلس التعاون الخليجي ستعرف خلال العام المقبل عجزا قدره 13 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، وخلال السنوات الخمس المقبلة، فإن الدول الخليج ستراكم عجزا قدره ألف مليار دولار نظرا لاستمرار تراجع أسعار النفط. ويقترح صندوق النقد الدولي على الدول الخليجية أن توازن بين نفقاتها وبين حقيقة أسعار النفط، وهو ما بدأت دول الخليج في تنفيذه بالفعل، حيث قامت بتجميد عدد من المشاريع والاستثمارات العمومية، إلا أن القرار "السحري" الذي اهتدت إليه دول مجلس التعاون الخليجي هو رفع الدعم العمومي عن المحروقات، وهو القرار الذي أثار الكثير من الجدل عندما أقدمت عليه الحكومة بالمغرب. واعتبر صندوق النقد الدولي أن نموذج الإمارات العربية المتحدة، التي قررت رفع الدعم عن المحروقات، يجب أن يحتذى به، وهو القرار نفسه الذي من المتوقع أن تعلن عنه السعودية، حيث أكد وزير البترول السعودي علي النعيمي أن بلاده تردس جديا رفع أسعار الطاقة المحلية، كما أن الكويت قامت بتقليص الدعم المقدم للبنزين والكيروسين، ويتوقع خبراء صندوق النقد الدولي أن تقوم الدول الخليجية الأخرى بإعادة النظر في دعمها للمحروقات. ويعتبر رفع الدعم عن المحروقات من التوصيات الثابتة التي تعوّد صندوق النقد الدولي على توجيهها إلى دول الخليج، التي لم تكن ترى مبررا للأخذ بها، إلا أن انخفاض أسعار النفط بأكثر من 60 بالمائة في ظرف سنة دفع هذه الدول إلى التسريع بتقليص إنفاقها على المحروقات. وشدد صندوق النقد الدولي على أن الوضعية المالية لدول الخليج مازالت "قوية"، نظرا لكون هذه الدول قامت بمراكمة احتياطي مالي مهم عندما ارتفعت أسعار النفط، وهو ما يمكنها من امتصاص "صدمة" تراجع سعر الذهب الأسود، متوقعا أن تقوم دول مجلس التعاون الخليجي باستثمار خزائنها "للتأقلم مع الوضع الجديد وفي الوقت نفسه تغيير طريقة إنفاقها العمومي".