ما إن يصل المرء إلى سيدي بنور عبر الطريق الوطنية رقم 7، قادما إليها من زاوية سيدي اسماعيل، وبمجرد أن ينعطف الزائر يمينا للخروج من الشارع الرئيسي للمدينة، حتى يتفاجأ بوجود حيّ سكني صفيحي تقطنه مئات الأسر، حيث يُطلق أبناء المنطقة على ذات التجمع السكاني اسم "القرية" على الرغم من وقوعه في المجال الحضري لسيدي بنور. مساكن صفيحية تتخلّلها وتحيط بها من كل جانبٍ أكوام النفايات بمختلف أنواعها، كما اتخذ السكّان من جنبات "القرية" مرابطا بدوابهم وماشيتهم، فيما تلجأ دواجنهم إلى محتويات مطارح الأزبال لسد رمقها، وإلى ينابيع المياه العادمة لريّ عطشها، وذلك إلى جانب الأطفال الذين اتخذوا من هذه الأمكنة فضاءات للعب والترويح عن النفس. عبد العالي بن حمادي أحد سكّان "القرية" بسيدي بنور، أكّد في تصريحه لهسبريس على أن 560 بقعة أرضية خُصّصت لقاطني الدور الصفيحية، غير أن عدد المستفيدين الفعليين يبلغ حوالي 65 فقط، في الوقت الذي يضمّ الحي قرابة 2600 أسرة داخل براريك تفتقر لأدنى شروط العيش الكريم، واصفا التجمع السكاني ب "القرية المنسية والمهمشة". وأوضح عبد العالي أن السكان يعيشون أوضاعا غير مقبولة، حيث تزداد معاناتهم مع الأوحال وتسرب مياه الأمطار عبر الأسقف في فصل الشتاء، كما يكابدون مشاقّا أخرى في فصل الصيف حين ترتفع درجة حرارة الدور الصفيحية، ما يدفع قاطنيها إلى قضاء معظم أوقاتهم خارج بيوتهم، مشيرا إلى أنهم ربطوا مساكنهم بشبكة الماء الصالح للشرب بالقوة بعدما طال الانتظار. وعن الشبكة الكهربائية، فقد أكّد ذات المتحدث على أن المصالح المعنية نصبت الأعمدة منذ مدة دون أن تحقق الهدف من ورائها، مقترحا أن يتم تخفيض مستوى الأسلاك حتى تستفيد منها النساء بنشر الغسيل عليها، مشيرا إلى أن "سبب عدم ربط المنازل بالكهرباء، حسب الجهات المسؤولة، يرجع إلى الخوف من اندلاع الحرائق"، مستدركا أن مُدنًا أخرى مكّنت قاطني مثل هذه الأحياء من حقهم في الاستفادة من الكهرباء. وبخصوص باقي المرافق الاجتماعية الضرورية، تضمّ القرية ملعبين على شكل ساحتين، أحدهما عبارة عن قطعة أرضية ترابية محاطة بسور قصير مهدّم، والآخر على شكل بقعة من الإسفلت، حيث القاسم المشترك بين الملعبين يتمثل في عدم صلاحيتهما للاستعمال، فيما زحفت الأزبال إلى جانب إحدى المؤسسات التابعة للتعاون الوطني، مشكّلة بذلك مخاطر بيئية على صحة الأطفال الذين يستفيدون من خدمات الروض بذات المؤسسة. وخاض المتضرّرون عددا من الوقفات والمسيرات الاحتجاجية للمطالبة برفع الضرر عنهم، خاصة حينما يتمّ قطع الماء الصالح للشرب عنهم بحجّة إقدامهم على سرقته وربط مساكنهم خارج إطار القانون ودون تسديد واجبات الاستهلاك، حيث تضطر المصالح المعنية إلى إعادة تلك المادة الحيوية إلى المحتجين لإطفاء غضبهم وتهدئة الأوضاع. وتعالت في الآونة الأخيرة أصوات الاحتجاج لدق ناقوس الخطر بحي "القرية"، وذلك بسبب ظهور بقع غريبة على نبات وثمار الصبار، قبل أن تصدر المصالح المعنية بلاغا بكونها "أجرت الأبحاث الضرورية، وتأكدت أن الأمر يتعلق بحشرة قشرية صغيرة تصيب هذه النبتة، ولا تشكل خطرا لا على صحة الإنسان ولا على الحيوان"، فيما تفادى السكّان استهلاك "الكرموس" حفاظا على سلامتهم. وطالب سكّان "القرية" بضرورة التعجيل في إيجاد حلول جذرية لمشاكلهم الاجتماعية والصحية غير المحدودة، وذلك بتحسين ظروف العيش وتوفير بنية تحتية تحفظ كرامتهم سواء في السكن والتعليم والماء والكهرباء، فيما يعرف الجانب الصحي وضعية استثنائية بسبب عدم توفّر طبيب وتعويضه بممرضة واحدة تعمل بالمركز الصحي المجاور للقرية، ما يجعل صحة قاصديه في مهب الريح.