بعد طول تخمين وتضارب في الآراء، كشف مؤسس صفحة حركة 20 فبراير ل'هسبريس' عن نفسه وفتح سيرة حياته أمام الجميع، بعدما ظل نشطاء الانترنت الموالون للسلطات ولفترة طويلة يحذرون من تلك الصفحة بدعوى أن من يقف خلفها مسيحي ( ظنا منهم أنه الناشط أسامة الخليفي) أو ملحد نصاب ( اعتقادا أنه رشيد عنتيد). وأكد سعيد بن جبلي المدون المغربي المشهور ورئيس جمعية المدونين المغاربة ل'هسبريس' أنه بالفعل من يقف خلف إنشاء أكبر صفحة فيسبوك مخصصة لدعم حركة 20 فبراير من أجل التغيير في المغرب، مضيفا أنه كان يفضل إبقاء هويته مجهولة حتى ينصب اهتمام النقاش على المطالب والأهداف وليس على الأشخاص، إلا أنه اتخذ قرار كشف هويته تعزيزا لمصداقية الحركة واستجابة لأعضاء الصفحة، خصوصا بعد الحملات المغرضة التي استهدفت الحركة من قبل أعداء التغيير – حسب قوله- عبر النبش في الحياة الخاصة لبعض نشطائها والتركيز على هفواتهم وحتى معتقداتهم لتشويه حركة 20 فبراير ككل وتبخيس مطالب الشعب في التغيير. وقال بن جبلي ل'هسبريس' إنه ليس لديه ما يخفيه أو يخجل منه مضيفا أنه لن يكلف "أعداء التغيير" مشقة البحث عن تفاصيل حياته وتخمينها، لأنها معروفة للجميع ومنشورة على صفحات مدونته منذ سنوات، وأنه يفتح كتاب سيرته أمام الرأي العام منضبطا بذلك لمبدأ الشفافية الذي تنادي به حركة 20 فبراير. عنوان صفحة 20 فبراير: http://www.facebook.com/Movement20 من هو سعيد بن جبلي؟ سعيد بن جبلي من مواليد 1980 بأولاد افرح، درس الابتدائي بمدرسة القرية وحصل على أعلى نقطة على مستوى الإقليم في فوجه، حصل على المنحة فانتقل إلى القسم الداخلي بالإعدادية الجديدة بسيدي بنور، حيث قضى ثلاث سنوات قبل أن ينتقل إلى ثانوية الرازي التقنية بالجديدة حيث حصل على شهادة البكالوريا في الهندسة الكيميائية سنة 1998. في الموسم الموالي التحق بن جبلي بكلية الآداب والعلوم والإنسانية بجامعة شعيب الدكالي بالجديدة وسجل نفسه في شعبة الدراسات الإسلامية، منساقا خلف حبه للعلم الشرعي عوض استكمال دراسته في مجال تخصصه الذي لم يعد يرقه. ورغم أنه كان دائما يدافع عن مطالب التلاميذ منذ فترة التعليم الإعدادي، إلا أن فضاء الجامعة منحه فرصا إضافية، فانخرط في صفوف الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وصار ينتخب في مكتب التعاضدية في لائحة فصيل طلبة العدل والإحسان عضوا ثم كاتبا عاما فيما بعد، فهجر القسم والمدرج في سبيل نضاله من أجل حقوق الطلبة والشعب في حلقيات مطلبية وفكرية وحتى دينية لم تكن تنتهي إلا لتبتدئ من جديد، كما كان يشرف على تقديم خدمات دراسية واجتماعية للطلاب، إضافة إلى تأطيره لجملة من الورشات التكوينية لفائدة الطلاب في مجال الإعلام خصوصا مثل: "التصوير الفوتوغرافي" و "الخط العربي". ومع الشروع في تنزيل بنود الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي لم يكن يحظى برضا الطلاب، اقتحم جهاز الحرس الجامعي " الأواكس" الحرم الجامعي، وشددت أجهزة الأمن قبضتها على طلاب الجامعة بتنسيق مع إدارتها، وهكذا تعرض بن جبلي وعدد من زملائه للاعتقال والقمع العنيف من قبل أجهزة الأمن مرات عديدة، توجت بتوقيفه من الجامعة بشكل مؤقت من قبل المجلس التأديبي للكلية بفضل الاعتراض القوي لبعض الأساتذة من أعضاء المجلس على إصدار قرار الطرد النهائي بحقه. وقبل ذلك، ولأنه انتبه إلى أزمة البطالة في صفوف خريجي كلية الآداب فقد كان قد يتابع وبالتوازي مع دراسته الجامعية تكوينا مستمرا مسائيا بالمعهد العالي للتكنولوجيا التطبيقية، من أجل الحصول على شهادة التقني المتخصص في الأنظمة المعلوماتية، إلا أن مسيرته الدراسية هناك توقفت أيضا بعد شك مدير المؤسسة في كونه يقف خلف بعض الاحتجاجات التي قام بها بعض المتدربين بالمعهد. بعد حصوله على شهادة بكالوريا حرة جديدة في العلوم الشرعية، ترك الطالب الموقوف من الجامعة والمتدرب المطرود من المعهد مدينة الجديدة خلفه قاصدا مدينة فاس عاصمة العلم، وكله عزم على التفرغ للدراسة والتحصيل العلمي، لكنه لم يستمتع كثيرا بالجلوس في صفوف المدرجات، حيث كانت الكلية تغلي بالاحتجاجات ضد الميثاق الوطني للتربية والتعليم، وتحت إلحاح الطلاب الذي يعروفون سيرته غدا المتزعم الرئيسي لتلك الاحتجاجات، فتعطلت الدراسة تماما وفشلت الإدارة في إجراء الامتحانات لمرتين متتاليتين بسبب المقاطعة الطوعية الشاملة لجميع الطلبة، حتى نهاية شهر مارس 2004 حيث كانت جميع الجامعات أنهت امتحانات الفصل الأول متغلبة على جميع أشكال الممانعة الطلابية إلا كلية الشريعة تلك، فنفذ صبر الإدارة التي حظيت بدعم من وزارة التعليم العالي قررت على إثره الاستعانة بجحافل من قوات الأمن لإجبار الطلبة على اجتياز الامتحانات، لكن الطلبة كانوا قد أضمروا طريقة مبتكرة وبسطية لمقاطعة الامتحانات : مزق ورقة الامتحانات الفريدة الخاصة بك، فلا يعود هناك امتحان، وهي الخطة التي بدأت بنجاح، لولا أن العساكر اعتقلت العقل المدبر وأجبرت الطلبة على اجتياز ما تبقى من الامتحانات بأساليب رهيبة، بينما أصدرت إدارة الكلية في نفس الوقت قرارا بطرده من كلية الشريعة إلى الأبد. يحكي بن جبلي عن اعتقاله قائلا: "في مقر ولاية الأمن بالرباط تناوبت أجهزة المخابرات على استنطاقي، وحاول بعضهم تجنيدي عبر الوعود والوعيد، ونتيجة امتناعي عن التعاون معهم، لفقوا لي تهما لها علاقة بالإرهاب وأرسلوني إلى سجن عين قادوس السيئ، وهناك تعرضت للتعذيب وأمضيت ثمانية عشر يوما في الكاشو (زنزانة العقاب الانفرادية) بسبب رفضي الخضوع لابتزاز الحراس المرتشين". حين عرض بن جبلي على المحكمة استقبله مئات الطلبة والحقوقيين بالتصفيق، وحين رأوه يعرج وسمعوا قصة تعذيبه أجهش بعضهم بالبكاء، وشكل ذلك دعما قويا له مثلما شكل حضور عبد الحميد قابوش صهر عبد السلام ياسين دلالة قوية على تبني الجماعة للملف، وحينها أمر الوكيل العام بإعادة التحقيقات وتم الاقتصار على تهم خفيفة، تهم مثل إهانة موظفين عموميين أي عناصر "الأواكس" وتخريب ممتكات الدولة أي "ورقة الامتحان التي مزقت"، وهي التهم التي رأت المحكمة أنها تستوجب خمسة أشهر سجنا نافذا. الزعيم كما يلقب بالجديدة، أو تشي غيفارا كما لقب بفاس، لا يجد حرجا في دخوله السجن، فقد حصل فيه على شهادة بكالوريا جديدة، وتعرف على أحوال السجون الرهيبة التي كان يسمع عنها فقط، واختتم حفظ القرآن الذي افتتحه في الثانوية التقنية، وحتى أنه يعتقد أن الأيام التي قضاها في الكاشو كانت أسعد أيامه وأحلاها، حيث كان يحفظ يوميا حزبا كاملا من القرآن ثم يمضي ما بقي من يومه في التأمل، ما مهد له الوصول إلى قناعات فكرية جديدة، كان من آثارها انسحابه النهائي من جماعة العدل والإحسان التي احتضنته ورعته وناضل من داخلها عشر سنوات. بعد خروجه من السجن، حصل بن جبلي على الإجازة في الدراسات الإسلامية من جامعته الأولى، كما أنهى تكوينه في مجال الإعلاميات في إطار برنامج "مهندس أنظمة معتمد من قبل مايكروسوفت" رغم أنه لم يكلف نفسه بعد ذلك الحصول على الشهادة الأمريكية غير المعترف بها في المغرب، كما حصل على دبلوم تقني متخصص في التطوير المعلوماتي، وفي صيف 2005 افتتح نادي الانترنت خاصته متحديا بذلك أزمة بطالة حملة الشواهد في المغرب، كما تزوج ورزق ب" آية". أما عن حياته في مجال الإعلام الجديد وصحافة المواطن فيقول سعيد بن جبلي، في حوار سابق لموقع هيسبريس: "انخراطي الجاد في التدوين بدأ في 2006 مع ظهور مدونات مكتوب، بعد تجارب متعثرة على منصات تدوينية أخرى،... وبعد مداومتي على التدوين الجاد لفترة قصيرة، احتلت مدونتي المرتبة الأولى بين مدونات مكتوب المغربية كما عرفت بعض تدويناتي طريقها إلى منابر إعلامية مهنية. غير أن نقطة التحول في مسيرتي التدوينية كانت حين وجهت نداء مفتوحا للمدونين العرب للم شملهم وتوحيد جهودهم، وهو النداء الذي كان حافزا لإنشاء اتحاد المدونين العرب الأول من نوعه في العالم والذي كنت من مؤسسيه ومسؤولة الإعلامي، ثم سعينا فيما بعد إلى تأسيس فرع للاتحاد بالمغرب، فقمت بفتح النقاش وتوجيه الدعوة للمئات من أشهر المدونين المغاربة حينها، وتوجت هذه المناقشات الافتراضية بأول لقاء تشاوري على أرض الواقع استضافه المدون سعد البورقادي في بيته بالرباط يوم 10 مارس 2007 وحضره عشرة مدونين فقط، ولاعتبارات عديدة قررنا إنشاء اتحاد مستقل للمدونين المغاربة عوض فرع لاتحاد المدونين العرب واستمرت المشاورات وتم تشكيل لجنة تحضيرية لتأسيس اتحاد المدونين المغاربة الذي سمي فيما بعد جمعية المدونين المغاربة التي انتخبت رئيسا لها". في تقرير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان وصف سعيد بن جبلي بالمدون المخضرم، وذلك لأنه بالإضافة إلى ممارسته التدوين الحر، فإن يشتغل أيضا في مجال الصحافة الالكترونية المهنية، كما أنه من أبرز المناضلين الرقميين في المغرب، وقد تلقى التدريب اللازم على فعل ذلك، خصوصا من قبل منظمة "ديجي أكتيف" الأمريكية ، وهو بدوره يقوم بالتأطير والتدريب، ومن أشهر الحملات الرقمية الافتراضية التي أدارها حملة "مدونون ضد الفساد الانتخابي" و" حملة الحداد على حرية التعبير" و" حملة إطلاق سراح المدون البشير حزام" وحملة " الاحتجاج الرقمي من أجل إطلاق المعتقلين السياسيين في المغرب"، أما عن "حملة المطالبة برحيل خالد الناصري" على خلفية فضيحة الوزير مع ابنه، والتي توجت بأول نزول لنشطاء فيسبوك للاحتجاج أمام البرلمان، فقد كانت سببا كافيا لكي تأتي عناصر من الشرطة محملة بأوامر عليا تطلب من شركة شهيرة للإنتاج الإعلامي طرد أحد الموظفين لديها، ولم يكن هذا الموظف إلا سعيد بن جبلي الذي كان يدير موقعا إخباريا مهنيا تابعا لتلك المؤسسة. لما خصصت مجلة "ليكسربيس" الفرنسية ملفا عن الشخصيات المؤثرة في المغرب، ظهرت صورة سعيد بن جبلي بين الشخصيات المائة التي تحرك المغرب، وبدورها صنفت جمعية المدونين المغاربة التي يرأسها بأنها "أفضل التجارب لتجمعات المدونين و نشطاء الانترنت في العالم العربي" حسب ما ورد في تقرير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان بعنوان: "شبكة اجتماعية واحدة ذات رسالة متمردة"، كما حصلت على لقب أفضل تجمّع مدونين في البلاد العربية، حسب الاستفتاء الذي أجراه الإتحاد العربي للصحفيين الشباب لسنة 2010.