حيواناتٌ تُنافسُ الإنسانَ على الذّكاء.. وحتى على الضّمير.. يحدثُ هذا في مُختبراتِ الأحلامِ التكنولوجية.. أحلامٍ مهووسة بالفَرْق بين الإنسان والحيوان.. وطبعًا يبقى الإنسانُ إنسانًا.. والحيوانُ حيوانًا.. ولكنّ جُنونَ التكنولوجيا، والصّراعاتِ الإيديولوجية، أبعدتْ الإنسانَ عن نفسِه، وجعلَتْ أنواعًا من الحيواناتِ أقربَ إلى الإنسانيةِ من بعضِ البشر.. والمختبراتُ ليست لها حدود.. هي تسعى لتطوير زراعةِ العقلِ والمعرفةِ وحتى المشاعر الصناعية في الحيوانِ والإنسانِ معًا.. فهل الإنسانُ قد تطوّرَ سلُوكيًّا من مجاله الإنساني أم تَقَهْقَر؟ وماذا يعني هذا التطوّرُ التكنولوجي الدّقيق؟ ماذا تعني إمكانيةُ حقْنِ مُختلفِ الكائناتِ، العاقلة واللاّعاقلة، برقائقِ الذكاء، وهي شرائحُ في مُنتهى الصّغر (Les Puces)؟ وهذه التقنياتُ قد بدأت بالفعل في مناطقَ من العالم.. فأصبحَ بإمكان الإنسان أن يتنقَّل بين الإداراتِ والأبناكِ وغيرِها، بدونِ أن يحتاج لبطاقةِ تعريف، ما دام كلُّ جسم بشري قد زُرعت، تحت جلده، شريحةٌ صغيرةٌ جدا تتضمّنُ كلَّ المعلوماتِ الخاصة به: معلومات التّعريف، والحساب البنكي، والعلاقات الشخصية، وكلّ ما يستعملُه هذا الفردُ في حياته الخاصةِ والعامة.. وهذه الشريحةُ الدقيقةُ جدا هي في حجمٍ يقلُّ عن رُبعِ حَبّةِ أرز.. ولا نهايةَ للتطوُّر.. والتكنولوجيا ستجعلُ الدولَ تستغني حتى عن بطاقة تعريف الفرد، وجوازِ سفره، ووثائقِ حالتِه الصحّية، وتنقُّلاتِه، وكلِّ الملفّاتِ التي يستخدمُها في حياته اليومية.. وأكثر من هذا، يستطيعُ المرءُ أن يتواصلَ بالكتابةِ والصّوتِ والصورة مع أي شخص في العالم، بواسطةِ تلك الشريحةِ الدقيقة المزروعةِ تحتَ جلده، والمتّصلةِ مباشرةً بالأقمار الصناعية.. وبهذه التقنية التي تشملُ حتى الآن بضعةَ آلافٍ من الأشخاص في العالم، ستتطورُ عملياتُ التواصُل لتشملَ كلَّ سكان المعمور، فيكونَ بمستطاعِ أي شخص أن يُراقبَ أطفالَه، ويعرفَ مكانَ وجُود أفرادِ عائلته، وكلّ من يعرفُهم، وحتى من لا يعرفُهم.. وستتّسعُ مجالاتُ الأنترنيت، لتُغطّي كلَّ أنحاءِ العالم، وأقصى البوادي والحواضر.. ولا يُستبعدُ أن تُفرزَ هذه التطوراتُ تجاوزاتٍ من أفرادٍ وأجهزةٍ ودُول، وأن تكون الحياةُ الشخصيةُ لأيّ إنسان في مُتناولِ أيّ كان، وأن تكون القرصنةُ أقدرَ على تهديدِ الناس بأسرارِهم وحياتِهم الخاصة والعامة.. هذا الآتي ليس عنّا بعيدًا.. هو بالفعلِ قد بدأ.. وها هي مؤسساتٌ كثيرة تحقنُ مُوظفيها وزُبناءَها بشرائحَ في منتهى الصّغَر، لكي تنفتحَ لهم أبوابُ الدخول والخروج بدون أية مُراقبةٍ بشرية.. وبعضُ المحلاتِ التجارية الكبيرة، في أوربا وأمريكا وغيرهما، لا يؤدي زُبناؤُها مُشترياتِهم بالشيك أو النّقد، ولا حتى ببطاقةٍ مغناطيسية.. فهذه المحلات تلتقطُ كل المعلومات المطلوبة مباشرةً من الشرائحِ الإليكترونية المنتهية الصّغَر لهؤلاء الزبناء، ومن ثمةَ يتمُّ أداءُ الفاتورة بشكل آلي، من بنكٍ إلى بنك.. هذه التقنيات موجودةٌ حاليا.. وهي تنتشرُ أكثرَ فأكثر.. والشرائحُ الإليكترونيةُ الدقيقة (Les Puces) يتمُّ تطويرُها لتكُون طريقةَ التعامُلاتِ العالمية المعمول بها في غدٍ قريب.. وستلعبُ الشرائحُ الإليكترونية دورا أمنيًّا ومعرفيًّا على الصعيد العالمي، بموجب اتّفاقيات دولية.. فكلُّ شريحة إليكترونية تسمحُ لصاحبِها بالتنقُّلِ من بلدٍ إلى آخر، بدون بطاقة تعريف أو جوازِ سفرٍ أو تأشيرة.. كلُّ المعلوماتِ الخاصّة يتمُّ التقاطُها من الشريحة الإليكترونية المزروعةِ تحت جلدِ جسمِ الإنسان.. وبهذا يُعرَفُ الشخصُ من بعيد: من هو؟ ما سوابقُه؟ وكيف يُفكّر؟ وهل يُشكّلُ خطرًا على نفسه؟ وعلى غيره؟ كلُّ سؤالٍ له جوابٌ في شريحةٍ إليكترونية بحجمٍ يقلُّ عن رُبعِ حَبّةِ أرز.. وفي الدول الكبرى، يدورُ نقاشٌ واسعُ النّطاق بأجهزة الإعلام، وفي الدوائرِ المعنية، وخاصة منها المجتمعُ المدني، عن المستقبل الذي تصنعهُ لنا تلك الشرائحُ الإليكترونية الدقيقة.. فمن يضمنُ لنا حقُوقَنا وحُرّيتَنا وأسرارَنا؟ ومن يضمنُ لنا حمايةَ أسرارِنا وذاتيتِنا؟ ومن يحمينا من تجاوُزاتِ تكنولوجية؟ وفي هذه الأثناء، يُرادُ للعالم أن تكون له حكومةٌ واحدةٌ مُشترَكة.. وماذا تعني هذه الحكومةُ العالميةُ الواحدة؟ هل ستكونُ نُسخةً من مُنظمة الأمم المتحدة؟ ومن محكمة العدل الدولية؟ ما زال النقاشُ قائمًا بين فعالياتٍ في العالَم، وفي غيابِ الأغلبية الساحقة من سُكّانِ كوكب الأرض الذين لا علمَ لهم بما يجري.. وفي هذه الأثناء، ترتفعُ أصواتٌ للمُطالبةِ بحقوقِ الحيوانات ليس فقط على صعيد الحقّ في الحياة، بل على مستوى التّساوي في حقّ الذكاء.. والعلومُ لا تتوقف، ولا يستطيعُ أحدٌ أن يضعَ لها حدودًا.. العلُومُ لا تَستثني الحيواناتِ في تَجاربِها واختباراتِها.. فقبلَ أن تَصِلَ الشرائحُ الإليكترونية إلى الإنسان، بدأتْ وانتشرتْ بين الطيور والأسماك وأنواعٍ أخرى من الحيواناتِ الصغيرةِ والكبيرة، في إطارٍ مُراقبةِ تحرُّكاتِها، وضبطِ تغيُّرِ حالاتِها الصّحية والذّكائيةِ والعاطفية وحتى الضّميرية وغيرها... واليوم، وَصَلْنا إلى كونِ الدّماغِ الإليكتروني قد تفوّقَ على الدماغ البشري، من حيثُ الحسابات، وما تعنيه الحساباتُ في منطقِ التطوُّراتِ التكنولوجية والفيزيائيةِ وغيرِها.. وخلال السنوات القليلة القادمة، تستطيعُ حواسبُ العالم أن تحُلَّ في دقائقَ مُشكلةً حسابيةً لا يستطيعُ كلُّ سُكّانِ كوكبِ الأرض حلَّها إلا في قُرون.. ها هو الوقتُ يسيرُ بسُرعةٍ خارقة.. والحضارة التي يمكنُ بناؤها في قرون، تستطيعُ التكنولوجيا المتطورة أن تبنيها في مُدّة وجيزة.. وهذا يعني أن الشرائح الإليكترونية الدقيقة قد تجاوزتْ عقلَ الإنسان في تقرير حياتِه الخاصةِ والعامة، وفي اتخاذ قراراتٍ مُستقبليةٍ ضرورية لحياته وعلاقاتِه ومُجتمعه.. إنّ الآلةَ قد تَجاوزتْنا.. وسوف تتجاوزُنا أكثرَ فأكثر.. فكيف سنتعاملُ مع كلّ هذا التطوُّر الأليكتروني الرهيب؟ وكيف سنتحكّمُ نحنُ البشرُ في آلاتٍ دقيقةٍ لا نراها، وهي ترانا وتُوجّهُ حياتنا اليومية؟ وكيف سنتعاملُ معها وهي تجعلُ منّا أنصافَ آلات، وأنصافَ بني آدم؟ أَجَلْ! هذه الآلاتُ الدقيقةُ قد بدأتْ زراعتُها حتى في بعض الأدمغةِ البشرية.. والمبرِّرُ هي أن نكون نحنُ البشرُ في جُزءٍ منّا من لحم ودم، وفي جُزئِنا الآخر مُجرّدَ شرائحَ وأعضاءَ إليكترونية.. يُرادُ لنا أن نكونَ أنصافَ بشر.. وأنصافَ آلات.. والشرائحُ الإليكترونية تجعلُ الفردَ منّا أكثرَ ذكاءًا ومعرفةً وفي أجودِ حالةٍ صحّية، ولكن هل تُحافظُ للفردِ على إنسانيتِه؟ هل تجعلُه أكثرَ إنسانية؟ أم سيكُونُ كلُّ شخصٍ منّا في شكله إنسانًا وفي عُمقِه مُجردَ روبوت؟ وماذا عن الكائنات الأخرى التي نتقاسمُ معها حياتَنا في كوكب الأرض؟ ما العمل مع حيواناتٍ آلية؟ وآلاتٍ حيوانية؟ وماذا نحن البشرُ فاعلون مع حيوانات تريدُ لها التكنولوجيا المتطورة أن تُحاصرَنا من كلّ جهة؟ وتُريدُ لها أن تُنافِسَنا على كلّ شيء.. حتى الضّمير.. [email protected]