كاثرين ماري صغر وذكاء لعل أهم مشكلة تعاني منها صناعة الروبوهات، هي التسيير الذاتي، بمعنى قدرتها على إدراة نفسها بنفسها، من دون الحاجة إلى برامج معلوماتية »ترشدها« إلى أداء هذا العمل أو ذاك. وقد استفادت هذه الروبوهات الجديدة من مختلف أشكال التقدم الحاصل في البحث التعاوني المشترك. وهو تطوير مبْدع للروبو الذكيّ «شياو يو»، الذي تمّ تصميمه خلال هذه السنة، والذي طوّرته إحدى شركات تكنولوجيا الروبوهات ببكين، ألمع النجوم في المنتدى الدولي لاتحاد المنتجات الذكية وصناعة الروبوهات لسنة 2013. هذا الروبو المنزلي الذي يتمتع بذكاء حادّ والمزود ب « دماغ خارق» وبصر حاد وحاسة سادسة وسيقان سريعة وغيرها من الأجزاء الأخرى، ويعتبر أول روبوت ذكي إنجليزي صيني يمكنه تنمية الذكاء الاصطناعي من خلال التفكير الذاتي، ويتمتع ببعض المهارات البشرية، حيث يمكنه التحاور مع المسنين الذين يعيشون في «العش الفارغ»، ورعاية الأطفال، كما يمكنه إدارة المنزل ورعاية الحيوانات الأليفة، كما يمكنه التواصل مع الناس بشكل جزئي. ثمّة نماذج في المختبرات لآلات تملك بعض القدرة على التحكّم بذاتها. وهناك قرابة 20 نموذجاً اختبارياً تستعمل لأغراض البحث. ويعكف علماء الروبو منذ مدّة على صنع آلات شبيهة بالبشر تملك القدرة على مرافقتهم ومساعدتهم في حياتهم اليومية. وتستطيع هذه الآلات إنجاز عمليات توصف بأنها ذكيّة. ويبقى السؤال الأهم: هل يمكن صُنع آلات ذكيّة بما يكفي لأن تتحكم بنفسها ذاتيّاً، بل هل من المستطاع إعطاء تلك الآلات وعياً. ثمة نماذج عن آلات متطوّرة في هذا الاتجاه، يرد وصف بعضها في موقع »العلوم« التابع للحكومة الفرنسية »سيانس.غوف.إف?إر« Sciences.gov.fr، خصوصاً الروبوت »آيكوب« iCub، الذي يملك موقعاً مخصّصاً له هو »آي كوب. أورغ« icub.org. ويندرج »آي كوب« ضمن الروبوهات الشبيهة بالإنسان Humanoid Robots. وكان قد تمّ إرساء حجر الأساس لأول خط إنتاجي للروبو «شياو يو» في مدينة جياو تسوه بمقاطعة خنان في يوم 9 غشت الجاري، وأصبحت بذلك أكبر قاعدة صناعية للروبوتات المنزلية الذكية في الصين. ومن المتوقّع أن يبدأ الإنتاج في نهاية سنة 2014 ، وستتجاوز القدرة الإنتاجية سنويا 50 جهازا في غضون عام 2015، وحتى ذلك الوقت، سيتم تخفيض سعره إلى حوالي 4000 يوان. وقدْ أقيم المنتدى الدولي لإتحاد المنتجات الذكية وصناعة الروبوهات لسنة 2013 في يوم 10 غشت بمدينة جياو تسوه بمقاطعة خنان، حيث جذب المئات من شركات تطوير وصناعة الروبوتات والخبراء والعلماء ورجال الأعمال المشهورين من داخل وخارج الصين لحضوره. إنها إذنْ مجالات رحبة تسمح بإدماج البرامج المنحدرة من مختلف المختبرات والمباحث المخصصة لتطوير الإنسان الآلي في أفق تنافسي مع الإنسان. وعن هذا الاختراع الجديد، يقول غويغوار بوانطو، الباحث في مجموعة البحث في الدكتوراة، التي يشرف عليها بيترْ دوميني، بالمعهد خلية سوشْ والدماغ لبمدينة ليون الفرنسية (أنسيرم): «قبل تنقيل المكعّب الأزرق، يتعيّن حذف المكعّب الأحمر». وبعد أنْ كرّر الروبو هذه العبارة، تقدّم بيده نحو المكعبّ، وأمسك به لينتقل إلى المكعب الأحمر ويضعه مكان الأزرق. ويقول بيتر دوميني مفسّرا :»لقد تعلّم الأيكوب فك رموز معنى جملة ما، وذلك بحسب نظام الكلمات الذي تنطوي عليه الجملة، وقدراتها اللغوية التي تسمح له بالتفاعل مع الكائن الإنساني». وتشير لفظة آكيوب، المشتقة من اللفظة الإنجليزية cub، صغار الحيوانات، إلى الروبو الصغير. وهو ينتمي إلى الجيل الأخير من الروبوهات الشبيهة بالإنسان. إنّ انتماءها وحركتها ملتبسة، وحين نلتقي بها تقول لنا بكل تلقائية :»صباح الخير». وتنوي شركة ألديباران في فرنسا الاستفادة من هذه الخصائص والمميزات من أجل إدخال ناوْ، والتي تسوّقه في حياتنا اليومية. ويعتبر الآيكوب من روبوهات المختبر، بحيث يبلغ وزنه وطوله وزن وطول طفل يبلغ ثلاث سنوات ونصف، وتمّ تصميمه لكي يقلد عمليات التعلم البشرية. تتوفر يداه على خمسة أصابع في كل يد مصممة بطريقة دقيقة بحيث يتمكّن من القبض على الأشياء بدقة متنتاهية، أو يتلقّفها بدقة حيت تُرمى له. كما أن جفونه تُفتح وتغلق بحسب تفاعله مع الناس، وسرعان ما نتمكن من تفسير حركاته حين تعبّر عن الشّكّ أو التردّد. يقول الدكتور جيورجيو ميطا، من المعهد الإيطالي للتكنولوجي، الذي انطلق منه المشروع: «لقد صمّمنا هذا الروبو من أجل دراسة كيفية اشتغال الدماغ خلال مرحلة التعلّم المعرفيّ، سواء تعلّق الأمر باللغة أو بالعمليات المعرفية المعقدة كما هو الشأن بتتبّع مسار الكرة التي يتعيّن تلقّفها». ويضيف جيورجيو ميطا قائلا:» ومن أجل هذا صممنا روبو قادرا على التعلم من خلال التفاعل مع البشر. إن واحدة من نقاط قوة الآيكوب هو أن له أرجل وأياد ورأس، الأمر الذي يسمح له بالتوفر على أدوات التفاعل البشري، أي التفاعل إنسان-آلة. إنّ هذا المعهد صمّم واستعمل هذا الرّوبو بهدف دراسة الفضول الاصطناعيّ. إنّ هذا الإنسان الآلي، الذي موّله الاتحاد الأوربّي بغلاف مالي يبلغُ 8،5 مليون يورو ممتدّ على خمس سنوات من طرف الاتحاد الأوربّي، ما بيْن 2004 و2010، لهو ثمرة تعاون ما بين أحد عشر مختبرا أوربيّا مختصّا في صناعة مثل هذه الروبوات الصغيرة، والذي تمثّله مباحث علمية متنوّعة مثل التحليل النفسي التنموي والمعلوميات والفيزيولوجيا العصبية. ومن ثمّ، فبعد إجراء أبحاث متعددة وشاقّة، ظهر الرّوبو الصغير بيديْن وأصابع ودماغ معلومياتيّ يسمح له بمعالجة المعلومات، والتصرّف آخذا بعين الاعتبار تجاربه السابقة، بمعنى أنه يتمكّن، بفضل العديد من التقنيات والإضافات، من الربْط ما بيْن الماضي والحاضر، بين السابق واللاحق، بيْن غيْر المتحكّم فيه والمتحكّم فيه. ثم إنّ هذا النوع من الروبوهات يمكنه بيديْه القبْض على شيء ما أو موضوع ما. بلْ أكثر من ذلك يسْتطيعُ التعرف على صوت أو سلوك. وبعد ذلك تمّ وضعه رهْن إشارة تعاون أحد عشر مختبرا أوروبيّا في إطار تصميم وصنع هذا النوْع من الروبوهات. وبعد ذلك تمّ وضع التصميم رهْن إشارة ستّة مختبرات أوروبية اختيروا على أساس طلب عروض، وذلك من أجل متابعة هذا التصميم في مختلف مراحله. بهذه الطريقة نجح مختبر بيتر دوميني، سنة 2009، الذي قدّم ترشيحا قويّا من أجل تعلّم استعمال اللّغة باعتبارها أداة من أدوات التعاون. ومن ثمّ فقد صرّح بيتْر بأنّ هذا الرّوبو الصغير، منذ وصوله، كان قادرا على الجمْع بين عناصر مائدة واحدة على رغْم تنوّعها، وذلك تبعا لتنفيذ التعليمات التي قُدّمتْ له. وخلال المرّات الموالية قام الرّوبو بتوقّع المهامّ التي يتعيّن عليه أن ينجزها من أجل تحقيق وإنجاز الخطوات التي تمّت برمجته على أساسها، والتي قام باستدخالها. وهكذا قام بفهْم دلالة ومعنى الكلمات النحوية، وكذلك فهم وتحليل نظام الكلمات كما يرد داخل الجملة. ومن جهة أخرى، فقدْ أنجز هذا الروبو الصغير مهمة في غاية الأهمّية وهي القدرة على تحديد العناصر داخل الفضاء من خلال تحديد ما ينتمي إلى اليمين وما ينتمي إلى اليسار، بحيث تمكّن خلال فترة وجيزة من تمييز العناصر التي تنتمي إلى يسار الطاولة، والعناصر التي تنتمي إلى يمينها. وفي النهاية، فقد ساهمتْ 25 فرقة أوربية للبحث العلمي في تطوير هذا الروبو، والذي يمكنُ اقتناؤه بحواليْ 250000 يورو من الشركة الرسمية التي تقوم بجمعه. غير أنّ الأهمّ في ذلك هو أنّ المشْروعات تدمج عمليّة تعلّم اللغة، فضْلا عن الفضول الاصطناعيّ، أو التفاعل عن طريق اللمْس. ومن أجل أن يحقّق هذا الروبو الأهداف التي من أجلها تمّ تصميمه، تمّتْ تغطيته بجلْد اصطناعيّ مزوّد بلاقطات تخوّل له بالتفاعل إنسانيّا بحساسية فائقة في اللّمْس. إنّ هذا الرّوبو يتعلّم ألاّ يترُك أيّ شيء يفلت من بين يديه. وعلاوة على ذلك، فإنّ عددا كبيرا من المشاريع همّت بالخصوص الجانب اللغويّ. ذلك أنّ هذا الروبو الصغير تمكّن من تعلّم معنى ودلالة بعض الكلمات في إطار المشروع الأوربيّ Italk، وذلك في سياقات متعددة ومتنوّعة. يقول أنجلو كانغيلوسي، من جامعة «بليموتْ» ومنسّق المشروع مفسّرا:»إنّ الهدف من هذا المشروع هو تمكين الروبو من تعلّم دلالة الكلمات التي تعني الحركة والثبات. غير أنّ الروبو لا بدّ له من فهْم سؤال من قبيل: «هلْ يمكنك تحريك القهوة بواسطة سكّين». وإذا كان كلّ فريق عمل على حدة يعمل بطريقة منفصلة، فإنّ مشروع iCub يتوقّع الباحثون إدراج أعمالهم في سياق تطوير الروبو. وبقدر ما يجري تطوير برنام جديد، بقدر ما يتمّ عكسه على الرّوبو الجديد من أجل تطويره، وذلك بحسب مبدأ «المصدر المفتوح». ومن ثمّ، يمكننا توجيه سؤال للروبو يتعلق بالتفكير في الحركات التي قام بها، وبالمقابل يتولّى هو بكيفية مستقلة الرّد على مختلف هذه الأسئلة. من ثمّ يقرّ العلماء بأنّ الخطوات الجديدة من شأنها الإسهام في تطوير العلاقة ما بين الإنسان الآلي والبشر. ولربما مع هذا الاختراع سنبتعد تدريجيا عن طرح سؤال: هلْ من الممكن تطوير الآلة كي تحاكي الفكر البشري، وإفساح المجال أمام الروبوت ليساعد في حلّ مجموعة من المسائل التي تشغل الفكر الإنساني؟ إنه التحدّي الرئيسي في صناعة الروبو اليوم. الآيكوب والإنجاز اللغوي منذ سنوات، يعمل على مشروع »آي كوب« فريق بقيادة بيتر فورد دوميني، وهو مدير للبحوث في »المركز الوطني للبحوث العلمية« في فرنسا، بالتعاون مع جامعة »ليون 1« و»معهد الدماغ وخلايا المنشأ« في ليون. وأصبح هذا الروبوت الآن قادراً على فهم ما يقال له، وعلى توقّع نهاية الجملة. جرى التوصّل إلى هذا الإنجاز التكنولوجي من طريق وضع »دماغ اصطناعي مُبسّط« قادر على أن يستنسخ أنواعاً معيّنة من الترابطات اللغوية »المتكررة« التي تلاحظ في كلام البشر. يسمح هذا النظام للروبو بتعلم جمل جديدة وفهمها، وتفهّم البنية النحوية للجملة. وكذلك يستطيع »آيكوب« ربط الجُمَل بعلاقات لغويّة معينة، كأن يستطيع توقّع نهاية الجملة قبل أن تقال له. ونُشرِت تفاصيل عن الروبوت »آيكوب« في موقع »بلوس وان« Plos One المختصّ في البحوث العلميّة.وقدْ نجح الباحثون المشرفون على هذا الروبو في صنع »شبكة عصبية اصطناعية«، بنيت على المبادئ الأساسية لعقل البشر وقدراته في مجال تعلّم لغة جديدة. وطُوّر هذا النموذج عبر دراسة بنية الدماغ من جهة، وفهم عمليات التعلّم من الجهة الثانية. أحد الجوانب الأكثر أهمية في معالجة اللغة هي السرعة. إذ يعالج الدماغ مثالاً الكلمات الأولى من جملة ما أثناء قولها له، ويتوقع في الوقت نفسه ما يأتي بعدها. ويساعد هذا الأمر في تحسين سرعة تعامل الدماغ مع المعلومات التي تحملها الكلمات. إذ يُنقّح الدماغ التوقّعات اللغوية (مع ما يرافقها من معلومات) بصورة مستمرة، مستعيناً على ذلك بعملية التفاعل بين سيل المعلومات والسياق الذي تأتي فيه. وتُعالج الكلمات ومعلوماتها وسياقاتها في مناطق دماغية تشمل القشرة الخارجيّة cortex، ومنطقة ال »سترايتوم« striatum وهما يلعبان دوراً حاسماً في هذه العملية. دماغ الآلة ودماغ البشر واعتماداً على هذه البحوث وما يشبهها، وضع بيتر فورد دوميني وفريقه »دماغاً اصطناعياً«، باستخدام أسلوب »بناء خلايا عصبية« بمعنى صنع بنى ذكيّة تماثل ما يتحرّك في دماغ البشر. وتتصف بنية هذا الدماغ الاصطناعي بهندسية ذات طابع تكراري، بمعنى أنها تتضمّن روابط تتشكّل من حلقات محليّة متكررة. وبفضل هذه الهندسة، يتمكّن الدماغ الاصطناعي من فهم جُمَل جديدة مع بنيتها النحوية الجديدة أيضاً، إضافة إلى قدرته على ربط جملتين بعلاقة معيّنة، وكذلك التنبؤ بنهاية الجملة التي تلقى عليه. ويعمل »آيكوب« بفضل دماغ اصطناعي من هذا النوع. فهل يتمكّن من التطوّر كما تفعل أدمغة البشر؟ لننتظر قليلاً. وبالنسبة إلى الباحثين، يعتبر مشروع »آيكوب« وبحوثه مهماً أيضاً على طريق التقدّم في فهم بعض أمراض الدماغ واضطرابات عمليات الإدراك والفهم. ومن الممكن استعمال »آيكوب« أيضاً للتوصل إلى فهم أفضل لطريقة معالجة اللغة في دماغ البشر. »نحن نعلم أنه عندما تأتي كلمة غير متوقعة في جملة ما، يتفاعل الدماغ معها بطريقة معينة. وتقليدياً، جرى رصد هذه التفاعلات وردود الأفعال عبر أجهزة استشعار توضع على فروة الرأس. ويعطي »آيكوب« فرصة لدرسها بأساليب المعلوماتية الذكيّة«، حسب تعبير دوميني. وقد ضع دوميني والدكتور كزافيي إينوه نظاماً بإمكانه تحديد مصدر هذه التفاعلات في الدماغ، الأمر الذي يفتح الباب أمام فهم ظواهر مثل ضعف الإدراك اللغوي عند مُصابين بمرض »باركنسون«. ويشدّد دومينيه على صنع أنظمة تُمكّن الروبوت من اكتساب المعارف من العالم الخارجي، على غرار ما يفعل الأطفال.