في الوقت الذي تتصاعد احتجاجات طلاب كُليّات الطبّ ضدَّ مسوّدة مشروع قانون "الخدمة الإجبارية" في المناطق النائية، وهُوَ المشروعُ الذي سيُلزمُ الأطبّاء الخرّيجين، في حال تطبيقه، بمزاولة مهْنة الطبّ في المراكز الصحية بالمناطق النائية لمُدّة سنتيْن، بالشروط العادية للأطباء، دونَ أن يعني ذلك توظيفهم بعدَ ذلك، أبْدى وزيرُ الصحة تمسّكه بمسوّدة المشروع التي أعدّتْها وزارُته، وإنْ تَرَك باب الحوار مفتوحا مع ممثلي الطلبة المحتجّين والمقاطعين للدراسة. وقالَ وزيرُ الصحّة، الحسين الوردي، في حديث لهسبريس: إنَّ بابَ الحوارِ معَ ممثلي طلاب كليّات الطبِّ مفتوحٌ، "لكنَّ المُشكلَ هو أنّهم لا يُريدون الحوار". وفي الوقت الذي يتّهمُ الطلبة الذين لم يلتحقوا بفصول الدراسة منذ بداية الموسم الدراسي الجامعي الجديد، وزيرَ الصحّة بنهج "سياسة الآذان الصمّاء" إزاءَ مطالبهم، ورفض الجلوس إلى طاولة الحوار، قالَ الوردي إنَّ ما يدّعيه الطلبة "مجرّدُ مغالطات"، مضيفا: "هذا الكذب هو الذي يصيبني في مقتل". ونزَلتْ أفواجٌ كبيرة من طلاب كلّيات الطبِّ، صباح أمس الخميس، إلى شوارع الرباط واحتجّوا أمام مبنى وزارة الصحّة وأمام مبنى البرلمان على مشروع قانون "الخدمة الإجبارية"، مطالبينَ بسحْب المشروع الحكومي، غيْر أنّ الوزيرَ الوصيَّ على القطاع قالَ إنَّه لنْ يسحبَ مشروع القانون "إلّا إذا أقنعوني أنّ هُناك بديلا"، وفيما تستمرّ احتجاجات الطلاب، قال الوردي: "بإمكاني أنْ أتفادى هذا المشكل برضوخي للضغوطات، لكنّي مسؤول عن صحّة 33 مليون مغربي". وبيْنما يستمرُّ شدّ الحبْل بيْن الطرفيْن، أبْدى الوردي ترحيبَهُ بالتحاوُر مع ممثلي الطلاب، دُون أن يعنيَ ذلك الرضوخ لمطالبهم، وقال موضحا: "أنَا مسؤول عن قطاع الصحّة، وعليَّ أنْ أبحث عن حلول للمشاكل التي يُعاني منها القطاع. إذا كانتْ هناك فكرة أخرى أو اقتراحٌ أو تعديل أو قانون بديل، فأنا مستعدّ أنْ أمزّقَ مسوّدة مشروع القانون الحالي ابتداء من الغد، أمّا إذا ارتأوا (طلاب كليات الطب المقاطعون للدراسة) نهج سياسة (شدّ ليا نقطع ليك)، فبيْننا البرلمان". وفيمَا يقولُ طلاب كليّات الطبّ الرافضون لمشروع قانون "الخدمة الإجبارية" إنَّ تطبيق هذا القانون سيُفاقم البطالة في صفوفهم، نظرا لكون وزارة الصحّة سيتوفّر لديها ما يكفي من الأطبّاء المتخرّجين للعمل في المناطق النائية، وتسريحهم بعد عاميْن من الخدمة، نفى الوردي ذلك، وقالَ إنَّ الخدمة الإجبارية ما هيَ إلّا جُزء من إستراتيجية وزارة الصحّة لمُواجهة الخصاص الذي تعاني منْه المستشفيات والمراكزُ الصحيّة العمومية على مستوى الأطبّاء والممرضين، الذي يتراوح ما بيْن 16 و17 ألفا. وأوضح المتحدّث أنَّ "الخدمة الإجبارية" هيَ ثالث المحاور التي ترتكز عليْها إستراتيجية الوزارة لإصلاح قطاع الصحّة، والرامية إلى تحسين ظروف علاج المواطنين في المستشفيات والمراكز الصحية العمومية، وتمَّ التفكيرُ في تطبيقها من مُنطلق السعي إلى إقرار تكافُؤ الفرص بيْن الأطبّاء العاملين في القطاع العامّ داخل المناطق النائية. "حاليا، الطبيب يذهبُ إلى العمل في منطقة نائية، ويلَا ما مْشاش لبلاصتو شي واحد آخر غادي يبقا تمّ" يقول الوردي. وفي الوقت الذي ينظرُ طلاب كلّيات الطبّ المُحتجّون إلى مشروع قانون "الخدمة الإجبارية" نظرة "سوداوية"، أوْضح وزير الصحة أنّ "الخدمة الإجباريّة" ستُكْسبُ الأطباء الخرّيجين تجربةً، قائلا: "هذه الخدمة ستوفّر فُرص الشغل للأطباء الخرّيجين، وبدُونها على الطالب أن ينتظرَ إجراءَ المباراة، أمّا الآن فالجميع لديه فرص الشغل، ثمّ إنَّ الخدمة الإجبارية ستُمكّن من فتْح جميع المراكز الصحيّة المغلقة في المناطق النائية لمعالجة الفقراء، وبالتالي إنجاحُ عمليّة المساعدة الطبيّة". وردّا على مخاوف طلاب كلّيات الطبّ من أن تُفضي الخدمة الإجبارية إلى استغناء وزارة الصحّة عن توظيف مزيد من الأطباء في القطاع العامّ، قالَ الوردي إنَّ العكْسَ هُو الحاصل، "فقدْ طلبْتُ من رئيس الحكومة ومن وزير المالية بذْل جهود من أجل توفير مناصب مالية جديدة، والآن لم تعُد المناصب المالية تنزلُ عن 3000 منصب سنويا، بيْنما كانت تتراوح فيما مضى ما بين 800 و1000 منصب، وقدْ وصلنا في السنة الماضية إلى 3900 منصب مالي"، غيْرَ أنّه اعترفَ أنّ ذلك غير كافٍ، في ظلّ وجود خصاص كبير على مستوى الموارد البشرية. وبخصوص التعويضات الماليّة التي سيتقاضاها الأطبّاء الخرّيجون في حالِ طبّق قانون "الخدمة الإجبارية" قالَ الوردي إنَّ "المغالطات" التي يتمّ الترويج لها منْ أنّ الأطبّاء الخرّيجين سيتلقّون 2000 درهم شهريا لا أساس لها من الصحّة، وأوضح أنَّهم ستقاضون نفس الأجور التي يتقاضاها الأطبّاء كاملة، حسبَ الاختصاص، وسيستفيدون من التغطية الصحّية، معَ احتساب سنتي "الخدمة الإجباريّة" في الأقدميّة والترقيّة والتقاعد. وفيمَا لمْ تُعرف بعد الخطوات التي سيُقْدم عليها طلاب كليات الطبّ الرافضون ل"الخدمة الإجبارية"، عابَ الوردي عليهم "تضخيم الملف"، وقال: "كانوا في البداية يحتجون ضدّ الخدمة الإجبارية، ثمّ أضافوا الدكتوراه الوطنية، والزيادة في الأجور رغم أنهم لم يتخرجوا بعد، وأمورا أخرى (...) وكلّما وجدنا حلّا لنقطة خلافٍ أو اثنتيْن يُضيفون نقطا أخرى، وهذا معناه أنهم لا يُريدون الحوار"، وزاد بلهجة انتقاد: "أتحدّاهم أنْ يبرْهنوا أنّهم بعثوا إلينا رسالة من أجل الحوار ورفضناها. كلما اقترحنا موعدا يقولون لا بُدّ من حضور الوزير". الوردي، وإنْ بَدَا مُستميتا في الدفاع عن مشروع قانون "الخدمة الإجبارية"، إلّا أنَّه يقُولُ إنَّ الأمْرَ ما زالَ مُسوّدة مشروع، ستعودُ كلمة الفصل فيها إلى ممثلي الأمّة داخلَ البرلمان، وقالَ موجّها خطابه للطلاب، الذين يبْدو أنّهم ضيّعوا السنة الدراسيّة، على اعتبار أنَّ عدم حضور التدريب (Stage) لثلاثة أيّامٍ يعني سنة بيضاء، وزاد: "أنا عميدُ كلّية الطبّ بالبيضاء، وْراكُم وْليداتي، إيلا بغيتو نتحاورو مرحبا، ويلا بْغيتو تمشيو فهاد الطريق اللي خْتاريتو الله يعاونكم".