رغم أنه حلّ رابعا من حيثُ عدد المقاعد في نتائج الانتخابات الجماعية ليوم 4 شتنبر 2015 بحصوله على 4408 مقعدا، إلّا أن حزب التجمع الوطني للأحرار استطاع أن يتموقع ثالثًا في رئاسته للجماعات، بعدما حصل على رئاسة 219 مجلسا جماعيا؛ بنسبة 15.26 في المائة، حسب نتائج شبه نهائية أعلنت عنها وزارة الداخلية ليلة الخميس. الحزب التجمعي جاء وراء حزب الاستقلال الذي تقدم عليه بمجلس جماعي واحد بعدما حصل على رئاسة 220 مجلسا جماعيا، ممّا جعله يفي برتبته الثانية من حيث عدد المقاعد الجماعية ب5106. أما الخاسر الأكبر فيما يخصّ الرقم الإجمالي لرؤساء الجماعات، فقد كان حزب العدالة والتنمية بعدما حلّ رابعا بترؤسه 168 مجلسا جماعيا، رغم أنه حصل على المركز الثالث في نتائج المقاعد الجماعية. إلّا أن تقدّم الحزب التجمعي في سلم ترتيب رؤساء الجماعات لم يظهر فيما يخصّ الجماعات التي يفوق عدد سكانها مائة ألف نسمة، فبين 35 جماعة من أصل 36 التي انتخبت أجهزتها إلى حد الآن، لم يحصل حزب الحمامة سوى على رئاسة مجلس جماعي وحيد، بينما استطاع حزب العدالة والتنمية أن يحصل على الصدارة ب19 مجلسا جماعيا، متبوعا بالحركة الشعبية ب6 مجالس، بينما تراجع "الجرار" إلى المركز الثالث بأربعة مجالس فقط. ويشبه الكثير من المتتبعين حزب التجمع الوطني للأحرار ب"الأصالة والمعاصرة" في قرب مؤسسيهما من القصر الملكي. فأحمد عصمان، مؤسس حزب الحمامة، درس مع الملك الراحل الحسن الثاني، ثم صاهره بعد ذلك، كما تولى حقيبة الوزارة الأولى في فترة المسيرة الخضراء. بينما تأسس حزب الأصالة والمعاصرة على يد فؤاد عالي الهمة، مستشار الملك محمد السادس حاليا، ووزير الداخلية الأسبق الذي درس في المدرسة المولوية. وقد تأسس حزب الحمامة بعدما حصل المرّشحون الأحرار؛ أي غير المنتمين حزبيا، على نسب عالية من المقاعد في انتخابات 1976 و1977، وهي الانتخابات التي شهدت اتهامات واسعة من أحزاب الحركة الوطنية بتدخل السلطات لصالح الأحرار. ثم فكّر "الأحرار" بعد ذلك في تأسيس حزب يجمعهم، فكان "التجمع الوطني للأحرار" عام 1978 برئاسة أحمد عصمان الذي طلب إعفاءه من الوزارة الأولى لتدبر أحوال الحزب. "لا يمكن لأي باحث أو متتبع أن يجادل في ظروف تأسيس حزب التجمع الوطني للأحرار وحزب الأصالة والمعاصرة واستفادتهما من ذلك في الاستحقاقات الانتخابية التي تلت التأسيس، إلا أنه مع ذلك يمكن القول بأنهما استطاع تجاوز أسباب وظروف التأسيس، حيث حاولا أن يثبتا من خلال الممارسة على أنهما حزبين كباقي الأحزاب السياسية، وعلى أن لهما برنامجهما السياسي والمجتمعي"، يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، أحمد مفيد، في تصريحات ل"هسبريس". الجدل الكبير الذي راج بعد انتخابات 2009 وعدد من العمليات الانتخابية التي منحت الحزبين الصدارة، جعل الكثير من المتتبعين يشكّكون في النتائج، غير أن الأمر اختلف في هذه الانتخابات الأخيرة، بحسب مفيد، فقد مرت تحت الإشراف السياسي للحكومة التي وضعت الكثير من الضمانات لنزاهتها، كما خضعت للملاحظة من قبل مراقبين وطنيين وأجانب، وبالتالي فقد تجاوز الاثنان سمات التأسيس، وصارا اليوم يبحثان عن مشروعيتهما من خلال صناديق الاقتراع. ويظهر أن الجدل الكبير الذي خلقه حزب "الحمامة" في هذه الانتخابات هو تصويت مرّشحيه على أحزاب أخرى من خارج الائتلاف الحكومي في مناطق حاسمة، كما فعل منصف بلخياط عندما أدار ظهره للعدالة والتنمية وصوّت على مرّشح الأصالة والمعاصرة، أو خروجهم من مضامين الاتفاقات بينهم وبين حزب المصباح، مثلما فعل رشيد الطالبي العلمي عندما قرّر الترّشح في تطوان، رغم أن الاتفاق السابق كان تزكية ترشيح العدالة والتنمية. يرى أحمد مفيد أن السبب الرئيسي في احتلال "الأحرار" لهذه المرتبة المتقدمة من حيث عدد رؤساء المجالس الجماعية، يعود أوّلًا إلى طبيعة التحالفات السياسية التي تميزت بعدم الاستناد على أسس منطقية أو سياسية، إذ دخل في تحالفات مع الأغلبية والمعارضة في آن واحد. وثانيا إلى طبيعته التي تجعل منه حزبا قابلًا للتعايش مع باقي الأحزاب، وذلك يعود إلى ضمه للكثير من الأعيان الراغبين في البقاء ضمن مراكز القرار، فضلًا عن ضمه للعديد من الأطر. بيدَ أن اكتساح العدالة والتنمية للمدن الكبرى، مقابل تمدد "الأحرار" في العالم القروي، يعود إلى نمط الاقتراع الفردي في هذا الأخير، زيادة على" السلوك الانتخابي في القرى الذي يعتمد بشكل كبير على الانتماء القبلي والعلاقات العائلية والقرابة، ويمكِّن من التأثير على إرادة الناخبين بالنظر لقلة عددهم وأيضا بالنظر لضعف المستوى المادي والفكري لدى الكثير منهم. بينما لعب لصالح العدالة والتنمية حجم الدائرة الانتخابية الكبير ونمط الاقتراع اللائحي"، يوضح مفيد.