شكلت الانتخابات الجماعية والجهوية للرابع من شتنبر، محطة "انتخابية فارقة"، حيث، لأول مرة، تشهد شوارع بعض المدن المغربية خروج عدد من المواطنين الذين صوتوا لصالح مرشحين معينين، للتظاهر احتجاجا على ما أسموه "انقلابا" على الديمقراطية، وتغييبا لإرادة الناخبين المعبر عنها عبر صناديق الاقتراع. في مدن وجدة، كلميم والعرائش، صدحت حناجر المحتجين ضد التحالفات التي عقدتها بعض الأحزاب، التي تمكنت من نيل ثقة هؤلاء الناخبين المحتجين في أول استحقاق جماعي بعد دستور 2011، حيث اعتبر عدد من المراقبين، بأنها "ظاهرة سياسية جديدة" في الحقل السياسي المغربي، تستحق الكثير من الدراسة والاهتمام. وجوابا على سؤال: الاحتجاج ضد التحالفات الحزبية، هل هو وعي سياسي أم ظاهرة انتخابية عابرة؟ يقول أستاذ علم الاجتماع، علي الشعباني، إن هذه الاحتجاجات تعتبر بمثابة بوادر جديدة لوعي سياسي لدى المغاربة، وعي يرفض ما وقع من "خلط لأوراق التحالفات بين الأحزاب المختلفة". وأضاف الشعباني، في معرض جوابه على تساؤل "هسبريس"، أن فئة كبيرة من المواطنين المغاربة، خاصة من أولئك المسجلين في الانتخابات، أضحت ترفض التلاعب بأصواتها، عبر تحالفات لا تتفق عليها، ولم تصوت لصالح الأحزاب المشكلة لها. وحول إمكانية مقاطعة المحتجين للاستحقاقات الانتخابية المقبلة، بسبب هذه التحالفات، استبعد المتحدث ذاته، حصول ذلك، ورجح فرضية حصول "تصويت عقابي" على الأحزاب التي "خذلت" الأصوات التي منحتها ثقتها، ولم تحترم مواقفها، متوقعا أن عددا من المدن التي وقعت فيها هذه الاحتجاجات، ستعرف مشاركة مكثفة وتصويت الأغلبية على حزب واحد من أجل تجنب دخوله في تحالفات مع أحزاب أخرى. أستاذة علم الاجتماع في كلية الآداب بالمحمدية، خلود السباعي، اتفقت مع الشعباني في مسألة تطور الوعي السياسي لدى المغاربة، خلال السنوات الأخيرة، حيث ترى أنه لم يعد هنالك أي خوف من الخوض في العملية الانتخابية، وأن جزء كبيرا من المواطنين أصبحوا يطالبون "بتخليق الحياة السياسية واحترام أصوات الناخبين". وقالت السباعي، في تصريح ل"هسبريس"، إن وسائل الاعلام لعبت دورا مهما في مسألة تتبع الانتخابات وما يليها من تطورات، مفسرة ذلك، بكون المواطنين أضحت لهم قدرة أكبر على متابعة التحالفات الناتجة عن صناديق الاقتراع، والحكم عليها، "وهذا تطور إيجابي في اهتمام المغاربة بالشأن العام". نقلة نوعية المحلل السياسي، ميلود بلقاضي، بدوره، اعتبر بأن الناخبين في المغرب أصبحوا أكثر تقدما من الأحزاب السياسية التي صوتوا لها خلال الانتخابات الجماعية والجهوية، وذلك بعد أن عقدت هذه الأحزاب تحالفات "هشة" لا تقوم على برامج محدد، وإنما على مصالح شخصية. وأضاف بلقاضي، أن هذا "النضج السياسي" الذي عبر عنه المواطن، يجب أن يكون له انعكاس على هذه الأحزاب، من خلال إعادة النظر في ذاتها واحترام إرادة المواطنين الذين صوتوا لصالحها، مشددا على أنه يجب على هذه الهيئات السياسية ان تلتقط الإشارة. وحمل بلقاضي جزءا كبيرا من المسؤولية للمجلس الدستوري، الذي رفض الفقرة الخاصة بمنع المرشح من التصويت لغير حزبه في المجالس الجماعية والجهوية، وترك الناخبين الكبار يفعلون ما يشاؤون، كما أن منع الترحال السياسي لم يمنع التصويت لصالح الأحزاب الأخرى، واصفا ذلك ب"التناقض". وتابع المتحدث ذاته بأن التحالفات في المجالس الجماعية والجهوية، عكست براغماتية الأحزاب وبعض الناخبين، بغض النظر عن الالتزام الأخلاقي الذي قطعوه للمواطن، و"هذا سيكون له تأثير سلبي على الانتخابات التشريعية القادمة خلال 2016"، يقول بلقاضي. وخلص ميلود بلقاضي في تصريحه لجريدة "هسبريس"، إلى أن الخاسر الأكبر من هذه التحالفات هي الديمقراطية والأحزاب التي "كانت أقل من المواطن واشتغلت وفق منطق حسابات ضيقة".