قد أضحى ولوج المدارس العليا من القضايا التي تشغل الرأي العام الوطني خاصة خلال الفترة الممتدة من الإعلان عن نتائج البكالوريا إلى الدخول الجامعي الموالي و في بحر هذه السنة قد أسيل مداد كثير بخصوص إمكانية إلغاء المباريات التي تخول للتلاميذ الحاصلين على البكالوريا دخول هذه المدارس و المعاهد ، و في مقابل ذلك الاكتفاء بالانتقاء مما سيؤدي ضرورة إلى ارتفاع عتبات الانتقاء ، إلا أن قابلية اعتماد هذا القرار قد قوبلت باحتجاج و شجب واسعين و قد عزى بعض المحتجين تفاعلهم السلبي إزاءه كونه يمس بالشفافية و النزاهة و تكافئ الفرص في ولوج المدارس العليا حيث يرى بعض هؤلاء أن إلغاء المباريات سيؤدي إلى الاكتفاء بانتقاء قد يشوبه ما يشوبه من التدليس و التزوير ، و تجدر الإشارة إلى أن من بين المحتجين علاوة عن تلاميذ البكالوريا و آباءهم و بعض الفاعلين التربويين فئة طلبة المدارس المعنية بالقرار المحتمل اتخاذه من لدن الوزارة الوصية ، الذين اعتبروا أن اتخاذ مثل هذه القرارات يمس بالجودة المرجوة في مختلف التكاوين المتوفرة و كذا بالسمعة الطيبة لمثل هاته المدارس في سوق الشغل . و لكي تتضح الصورة للقارئ أكثر سنحاول شرح الوضع الراهن : إن ولوج غالبية المدارس العليا يتطلب الحصول أولا على شهادة البكالوريا و التوفر بعدها على عتبة الانتقاء التي تخول اجتياز المباراة ، هذه الصيرورة المذكورة و المعتمدة على ثلاثة عناصر أساسية ، النقاش يدور حول حذف العنصر الثالث المتمثل في المباراة و الاكتفاء بالانتقاء فقط . و لكي نكون عمليين أكثر فنبرز مدى تأثير حذف المباراة و بحكم دراستي في المدرسة الوطنية للتجارة و التسيير سنأخذ كمثال هذه المدرسة العتيدة ، فبالانتقاء سيكون بإمكان تلميذ حاصل على 17 في معدل البكالوريا ولوج هذه المدرسة بغض النظر عن تمكنه من عدمه من الكفايات و المهارات المطلوبة لمتابعة الدراسة في مسالك التجارة و التسيير و التي كان من المفترض اختباره فيها أثناء اجتيازه للمباراة ، لكل هذا و بالإضافة إلى إمكانية الحصول على تلك النقطة الممتازة خصوصا في الشعب العلمية بالحصول فقط على نقط عالية في المواد ذات الطابع العلمي و التقني نظرا لمعاملاتها جد المهمة في مثل هذه الشعب فإن المعدل العام للبكالوريا لا يحسم في ما إذا كان هذا التلميذ أو ذاك مؤهل للدراسة في هاته المدرسة أو تلك ، و لنا في رسوب أصحاب المعدلات العليا في الكثير من المباريات خير حجة و دليل على صحة ما نقول . لذا فإن التفكير قد وجب لوضع الطالب المناسب في المدرسة المناسبة ، من خلال إلغاء المباراة ... نعم بإلغاء المباراة فكل التأملات و التفكرات تقودنا إلى هاته النتيجة و ذلك لأسباب عديدة قد نجملها في ثلاث منها رئيسية : -أولا امتحان البكالوريا يتميز بشفافية و مصداقية و تنظيم محكم مما يؤهل النقط المحصل عليها خلاله للتميز بمصداقية محترمة بالمقارنة مع باقي المباريات التي تجرى في مختلف ربوع المملكة . -ثانيا إرجاع الهيبة لامتحان البكالوريا فمن غير المعقول إخضاع تلميذ متعدد الكفاءات حصل على نقط ممتازة في كل المواد و بالتالي على نقطة قد تصل إلى 19 إلى مباراة قد تحرمه لأسباب أو لأخرى من ولوج المدرسة التي طالما حلم بها ، مما يحط من قيمة البكالوريا المغربية و لو بمعدلاتها العالية . -ثالثا التكلفة الباهظة لهذه المباريات بالنسبة للدولة ، فالمباريات تكلف الدولة مبالغ مهمة لتنظيمها و لوجستيكها و الحرص على حسن سيرها و هي أيضا تكلفها من الناحية البشرية فعوض أن تحرص أطر عليا و أساتذة باحثين على البحث و التأطير يساقون إلى إعداد هذه المباريات و تصحيحها و الحراسة أثناءها بالإضافة إلى التكلفة الباهظة التي تتقل بدورها كاهل الأسر المغربية سواء تعلق الأمر بالإعداد لها في مدارس خاصة أو التنقل إلى مدن أخرى لاجتيازها . مع هذه المستجدات قد وجب إلغاء المباريات و الخضوع فقط لمعيار الإنتقاء لكن ليس اعتمادا على المعدل العام للبكالوريا فكما تمت الإشارة و نود التأكيد مرة أخرى : هذا المعدل قد لا يحسم في ما إذا كان هذا التلميذ أو ذاك مؤهل لاستكمال مشواره التعليمي في مدرسة معينة ، و نرغب في هاته المناسبة أن نلفت نظركم إلى تجربة نموذجية لم يتم التطرق إليها و تسويقها كما ينبغي و هي تجربة رائدة في الإنتقاء ، ألا و هي تجربة الأقسام التحضيرية التي تعتمد فقط على مسطرة الإنتقاء فقط و تحصل على نخبة النخب بلا مباراة و لا اختبار ، و ذلك عن طريق خلق معدل خاص بها تأخذ نقاطه من الإمتحانين الجهوي و الوطني للبكالوريا و تعطى فيه للمواد التي توافق المهارات المتطلبة في كل شعبة أعلى المعاملات ، و هذا ما ينبغي تطبيقه حرفيا في باقي المؤسسات و المعاهد العليا نظرا لمعقوليته و نجاعته التي أعطت أكلها في الأقسام التحضيرية فمثلا المدرسة الوطنية للتجارة و التسيير بإمكانها أن تعطي الأهمية في معدلها الخاص للغات و الإجتماعيات إلى جانب الفلسفة و بالإضافة إلى المعدل العام للبكالوريا الذي قد لا يتجاوز 25 في المائة . بالرغم من كل ما قيل فإن الوزارة الوصية قد أجلت إلغاء المباريات إلى السنة المقبلة بالموازاة مع إعطاء الإنطلاقة لورش إصلاح التربية الوطنية و التعليم العالي الذي ستشهده بلادنا ، إن مثل هذه القرارات من شأنها أن ترفع تنافسية ولوج المدارس و المعاهد العليا و كذا أن تعزز مبدأ المساواة و تكافئ الفرص بين كل المواطنات و المواطنين و الذي يعد مبدأ دستوريا انطلاقا من دستور 2011 . و لوزارتكم الوصية سديد الرأي و واسع