نشر الموقع الالكتروني العلمي " إفلسيونس" بتاريخ 28 غشت 2015 مقالة حول احتمال حدوث تسونامي كبير بحوض الأبيض المتوسط، ونظرا لما تكتسيها من أهمية خصوصا بالنسبة للساكنة التي تعيش على ساحل الحوض المتوسطي والمعرضة أكثر من غيرها للظاهرة الطبيعية " تسونامي "، هذه ترجمة المقالة بتصرف: 2000 حالة وفاة هي حصيلة موجة تسونامي التي عرفتها أوروبا منذ حوالي قرن من الزمن، هذه الموجة التي بلغ ارتفاعها 13 مترا ناجمة عن زلزال ضرب سواحل أكبر جزيرة في البحر الأبيض المتوسط ألا وهي " صقلية ". وفي بعض الأحيان تكون الخسائر الناجمة عن موجة المد - تسونامي - في البحر الأبيض المتوسط أكثر دمارا مثل موجة المد التي سببها انفجار بركان بجزيرة ثيرا ( تسمى أيضا سنتوريني ) قبل حوالي 3500 سنة والتي أدت إلى دمار حضارة " المينوسية "، كما يعتقد أيضا أنها أدت إلى اختفاء الجزيرة – القارة – الأسطورية " أطلنطس ". في العقود الأخيرة عرف العالم ظاهرة " التسحل " أي الهجرة نحو المناطق الساحلية لأسباب اجتماعية واقتصادية رغم كونها محفوفة بالمخاطر إذ أغلب النشاطات التكتونية تحدث قريبة من السواحل، فنتج عن ذلك تكدس الملايين من السكان على الخط الساحلي للدول، نفس الأمر ينطبق على ساحل البحر الأبيض المتوسط. إن حدوث تسونامي متوسطي أمر وارد جدا، هذا ما تؤكده دراسة جديدة نشرت بمجلة " علوم البحار "، حيث أكدت الدراسة احتمال حدوث موجة مد ناجمة عن زلزال بشرق البحر الأبيض المتوسط والذي سيؤثر على ساكنة السواحل والمقدر عددهم ب 130 مليون نسمة. دق ناقوس الخطر بعد الكوارث التسونامية المدمرة التي شهدتها كل من أندونيسيا وما جاورها ( سنة 2004) و اليابان ( سنة 2011)، كما تم تسجيل 177 تسوناميا منذ مطلع القرن العشرين، أربعة منها وقعت في بحر الأبيض المتوسط لكنها لم تسفر عن أي ضحايا. لكن التاريخ و علم الزلازل يشيران إلى أن الحوض المتوسطي شهد موجات مد مدمرة، فهل نحن مستعدون لواحدة أخرى؟ حركة الصفائح بحوض البحر الأبيض المتوسط تعتبر منطقة البحر الأبيض المتوسط منطقة نشيطة تكتونيا ( زلازل وبراكين ) نتيجة تقارب - اصطدام - الصفيحتين الأفريقية والأوراسية (المنطقة الشرقية) ، ومن نتائج هذا التقارب الذي عرفته القارتان منذ 65 مليون سنة تشكل سلسلة جبال الألب تحت تأثير قوى الانضغاط بين الصفيحتين و كذلك إغلاق بحر " التتيس " الذي كان يفصل بين القارتين. تمخض بحر " التتيس " فولد البحر الأبيض المتوسط، هذا الأخير يتعرض للتقلص نتيجة الضغط الذي يحدثه تقدم الصفيحة الأفريقية نحو الشمال أي نحو الصفيحة الأوراسية بمقدار 2.5 سنتيمتر في السنة. ورغم كون الحدود بين الصفيحيتن غير واضحة إلا أن منطقة البحر الأبيض المتوسط تتقاطع مع خطوط الصدع النشيطة، إضافة إلى تواجدها في منطقة تقارب الصفيحيتن مما يجعلها عرضة للنشاطات التكتونية منها خصوصا الزلازل. إن الطبيعة التكتونية التي تعرفها منطقة البحر الأبيض المتوسط مختلفة عن مثيلتها في أندونيسياواليابان، إذ إن التكتونية التي يشهدها المحيط الهندي والأطلسي هي نتيجة لظاهرة الطمر، حيث تنغرز صفيحة تحت أخرى محدثة تكتونية حادة متمثلة في زلازل قوية على طول منطقة الطمر، والنتيجة حدوث موجات تسونامي قوية. ورغم وجود مناطق طمر صغيرة بالحوض المتوسطي لن تؤدي سوى إلى حدوث تسونامي محلي صغير إلا أن العلماء يعتقدون أن التسونامي القوي الذي شهدته صقلية سنة 1908 لا علاقة له بمناطق الطمر وإنما كانت نتيجة لنشوء زلزال في قاع البحر بسبب انهيار أرضي. الملايين من سكان سواحل البحر الأبيض المتوسط في خطر في كثير من الأحيان لا تؤدي موجات تسونامي القوية إلى أي دمار يذكر، فقوة الموجة وحدها غير كافية لإحداث الأضرار، بل درجة الدمار مرتبطة أيضا بالمناطق الآهلة بالسكان أم لا، وكمثال على ذلك تسونامي الذي ضرب ليتويا بألسكا سنة 1958 حيث وصل ارتفاع الموجة إلى 30 مترا كانت لتؤدي إلى ما لا يحمد عقباه لو لم تكن المنطقة التي ضرب فيها نائية و غير آهلة بالسكان، إذ حصد 5 أرواح فقط. في حين إن تسونامي الذي ضرب أندونيسيا سنة 2004 حصد العديد من الأرواح لأن منطقة الضرب ذات كثافة سكانية عالية. وإذا أخذنا بمعيار الكثافة السكانية فإن البحر الأبيض المتوسط معرض لكارثة إنسانية إذا ما تعرضت سواحله لموجة مد قوية، إذ يعيش حوالي 130 مليون نسمة على سواحل الحوض خصوصا في مدن كبرى مثل الجزائر، برشلونة، نابولي و طرابلس...كما أن مورفلوجية البحر وصغره وانغلاقه يزيد من خطورة تسونامي، بحيث إن أي عامل يسبب في نشوء موجة مد بوسط البحر الأبيض المتوسط سيؤدي إلى انتشارها في البحر بأكمله. وعلى هذا الأساس أصبح من الضروري تحذير الناس وتربيتهم على الطوارئ للوقاية من الظاهرة الطبيعية تسونامي بهدف - على الأقل - التقليل من الأضرار الاقتصادية والبشرية المتمركزة على سواحل البحر. ما العمل؟ إن العلم لم يستطع إلى حد الآن التنبؤ بالعوامل الأكثر تسببا لتسونامي - الزلازل والبراكين - ، لكن هذا لا يمنع القيام ببعض الإجراءات والاحتياطات للحد من الأخطار الناجمة عن موجات المد. بعد كارثة تسونامي أندونيسيا ( سنة 2004) أنشأ " اليونسكو " تنسيقا دوليا حكوميا لنظام الإنذار المبكر لتسونامي و كذلك نظام التخفيف من الأضرار في كل من الشمال الشرقي للمحيط الأطلسي و البحر الأبيض المتوسط و المعروفة اختصارا ب (ICG/NEAMTWS)، و يعتبر هذا التنسيق هو المسؤول عن مراقبة النشاط الزلزالي ومستويات البحار وغيرها من البيانات المتعلقة بتسونامي، كما يقوم بنشر تحذيرات عند الضرورة مثل التحذير الذي أنقذ العديد من الأرواح في اليابان سنة 2011. إن تطوير نظام إنذار مبكر لتسونامي قيد الإنشاء، لكن توفير وإتاحة هذا النوع من الإنذار على نطاق واسع أمر بعيد المنال مؤقتا، لذلك يبقى تعليم و تربية المجتمعات النامية هو الحل لتعريفها بعلامات الإنذار المبكر و كيفية التصرف حيال ذلك. وللأسف إن التحذير من تسونامي مدمر بالبحر الأبيض المتوسط والاستعداد له يتطلب وقتا، لذلك أملنا الوحيد يبقى رهين بفاعلية الموجة المدمرة والتي نأملها أن تكون أقل دمارا. *باحث في علوم البحار