لم يكن يخطر في بال المتنبي أن يأتيه زمان وتتحول فيه مقولته الشهيرة من " خير جليس في الزمان كتاب" إلى خير جليس في هذا الوقت هو الهاتف الذكي، نعم.. فهذا ما أصبحت عليه مجتمعاتنا البشرية في القرن العشرين لما تطورت فيه الهواتف من خدمة اتصالية قصيرة، إلى خدمات متعددة ومتنوعة حيث يكفي أن تشتري هاتفا يتمتع بأنظمة تشغيل حديثة مثل: لينوكس ومشتقاته كالأندرويد، ونظام تشغيل نوكيا، إلى جانب أنظمة تشغيل البلاك بيري والويندوز فون... حتى يصبح العالم بين يديك في لحظة بكل تجلياته ومشاكله وأشخاصه، إنه لشيء جميل أن تتعرف على أشخاص من مختلف أرجاء العالم وأن تندمج مع شبكات التواصل الإجتماعي التي بدورها أصبحت منتشرة بكثرة، مع انتشار ألعاب رقمية عديدة، وكتب إلكترونية –وإن كانت في الأغلب مجانية ولاتقرأ-... والآلاف من البرامج الأخرى المتنوعة منها المعروف ومنها المتداول لمدة قصيرة، ومنها المنسي ومنها الذي يشق طريقه حتى الآن. هذه البرامج المجانية هي التي يذهب إليها الإنسان العصري، والذي اعتبرها العديد من المثقفون والكتاب الكبار بالتجمعات الإنسانية المملة، بل وفي بعض الأحيان غير مملة على حسب ما يراه ويعتقده الآخر، إنه الشيء الذي يجبر ممتلكه على تفقده كل لحظة في اليوم، قبل النوم، وعند الاستقاظ وأيضا في فترات متقطعة خلال النهار. وهذا سبب واضح وجلي به أن يكون من إحدى المعضلات التي تواجهها مجتمعاتنا البشرية، إذ أصبح استعمال الأجهزة الذكية تكاد أن تصل إلى حد الإدمان، وباتت تشكل تهديدا مخيفا على مستوى عمليات التواصل المباشر بين أفراد المجتمع وخاصة داخل الوسط الأسري، إذ نجد في كل مجلس جل أنظار الحاضرين متمركزة صوب شاشة المحمول، متناسين بعضهم بعضا وأيضا متناسين سبب لقائهم، مما يجعلهم تائهين في الوسط الإلكتروني الذي أصبح فيه مجتمع خاص يعيش فيه بكل حرية وبدون قيود، ولهذا فإن الأشخاص الذين يستخدمون عادة هذه الهواتف الذكية يصلون بها إلى حد الإدمان، فقد توصلت دراسة تم إجراؤها في عام 2002 أن هناك حوالي 60% من الأشخاص يخافون ترك هواتفهم أو الإبتعاد عنها حتى ولو لمدة قصيرة. في هذه الحالة يمكن أن نقول أن التطور العلمي والتكنوجي أصبح بمثابة نقمة بعدما كانت نعمة يحمد عليها، لكن المشكلة ليست في استخدام أجهزة التواصل الإجتماعي ، بل الإشكالية هنا في كيفية استخدامها لكي لا نتعرض للإدمان و لمشاكل التواصل المباشر إذ أن الإدمان على الهواتف الذكية يؤدي بعض الأحيان إلى بلوغ درجة عالية من الإكتئاب والعزلة... ولا ننسى أيضا الأعراض الجسدية فكثرة النظر للشاشة ترهق العين، يقول البروفيسور مارك روزنفيلد من كلية ( سني) لعلم البصريات ان الأشخاص الذين يحملون الأجهزه الذكية على مسافة قريبة من العين بشكل متواصل يعانون من أعراض الصداع وضعف الرؤية، كما أن قراءة الرسائل والتصفح من خلال الجوال الذكي يمكن أن تؤدي لجفاف العين وعدم الراحة وضبابية في الرؤية نتيجة تقريب الشاشه للعينين لفترات طويلة. فهذه الشعبية المتواصلة للهواتف الذكية والتي تزداد يوما عن يوم أصبحت تهدد حياة البشرية بشكل كلي، فهي بطبعة الحال أصبح تستحوذ على حصة الاسد من الأوقات ... ولما لا قد تكون أيضا تغسل العقول بضغطة زر .