سنتان مرتا على فض اعتصام رابعة. الإخوان يتهمون نظام السيسي باللجوء إلى السلاح لتفريق اعتصام وصفوه بالسلمي، ونظام السيسي يتهم الإخوان ب"البلطجة" ضد الدولة، وأنا بينهما أتساءل ماذا لو كانت امرأة من حكمت مصر ما بعد مبارك؟ في مايو 2012، كانت مصر ومعها العالم تنتظر ما ستسفر عنه الجولة الرئاسية الثانية، والتي انتهت في نسختها الأولى عند منافسة شرسة بين مرشح مدني محسوب على تنظيم ديني هو محمد مرسي، ومرشح مدني محسوب على العسكر هو محمد شفيق. المنافسة حسمها الشعب المصري لصالح مرسي بفارق أصوات قليلة منعت العسكر من أن يستعيد الحكم في شخص اللواء شفيق. هكذا فكر المصريون، وهكذا قال أصحاب البرادعي على لسان الإعلامي حمدي قنديل "دعونا نصوت لمرسي وبعد عام ننقلب عليه ونرشح رئيسا مدنيا". لكن العسكر كان أسرع من الثوار ومن الإخوان، فاستفرد بالحكم في شهور قليلة، وبقي تساؤلي عالقا"ماذا لو كانت امرأة من حكمت مصر ما بعد مبارك؟". في أكتوبر 2011، سأزور مصر لأول مرة، كان ميدان التحرير قد أصبح ملتحيا، تراجع شباب مصر الثائر وهم يرددون"الثورة سرقت"، وانطلقت الترشيحات لرئاسة أم الدنيا، كانت كلها ترشيحات ذكورية، إلا أن الإعلامية المثيرة للجدل "بثينة كامل" خلقت الجدل بإعلانها نيتها الترشح لرئاسة مصر ما بعد مبارك. في مقهى زهرة البستان الشهير والواقع بأحد أحياء القاهرة جلست وصديقي أحمد الصاوي ومحمد اسماعيل، الصحفيان انذاك في جريدة"المصري اليوم"، نتناقش أحوال مصر، وأناقشهما في أسماء الشخصيات الذين سأقوم بمحاورتهم باسم راديو ميدي1 الدولي الذي كنت أعمل لصالحه وقتها، وقع الاختيار على بثينة كامل، كأول امرأة في مصر تعلن احتمال ترشحها للرئاسة، اتصل صديقي اسماعيل بفريق عمل بثينة من أجل موعد، وجلسنا ننتظر. كانت الساعة تشير الى الحادية عشر ليلا، ولم نتلق رد الموافقة إلا في الساعة الثانية صباحا، أخذنا تاكسي إلى منطقة وسط البلد، ركبنا المصعد إلى الطابق السادس حيث مكتب المرشحة، رن جرس الباب، وفتحه شاب رحب بنا وطلب منا الجلوس في قاعة الانتظار حتى تنتهي بثينة كامل من حوارها مع راديو سويسري. مرت ساعة على انتظارنا، حين دخل شخص بدا في منتصف العقد الرابع، أسمر بشعر ناعم أشيب، وقامة قصيرة ممشوقة، عرف نفسه بأنه القاضي أشرف البارودي زوج بثينة كامل. جالسنا القاضي للحظات، وتغيب للحظات ليحضر لنا بعض المشروبات يضايفنا بها حتى تنتهي السيدة المرشحة من لقاءاتها الاعلامية، حين مال علي صديقي أحمد الصاوي وقال لي وعيناه تلمعان بفكرة جهنمية"ماذا لو استغليت وقت الانتظار هذا وأنجزت حوارا مع زوجها عن موقفه من أن يكون زوج الرئيسة وسيد مصر الأول؟". عاد البارودي إلى الغرفة، اقترحنا عليه أن أجري معه الحوار كزوج المرشحة المحتملة للرئاسة، فوافق، لم أكن أحمل معي لا موبايلي، ولا جهاز التسجيل، فاستعنت بميكروفون صغير لصديقي اسماعيل، وبدأت في إجراء أول حوار مع سيد مصر الأول المحتمل. كان البارودي أنيقا في كلماته، وحين سألته عن إحساسه عما إذا أصبح زوج رئيسة مصر، أجاب بكل ثقة أن الأمر لن يشكل له كمشرقي عقدة، وأنه سيكون داعما لزوجته ولن يتدخل في طريقة حكمها للبلاد، وأنه سيكتفي بأن يكون مستشارها إن هي طلبت المشورة، للحظة كنت سأطوي سؤالي حين قال البارودي منتفضا"لكن أنا أيضا لست أيا كان...أنا أيضا مستشار، وأنت تعرفين ما معنى أن تكون قاضيا في مصر". انفلتت من شفتي ابتسامة وأنا أرى العرق المشرقي يقفز من بين هذا المتحدث بعقلية "الرجل الغربي"، وكأنه فهم ابتسامتي فعقب قائلا"بثينة هي حبيبتي وزوجتي وسأكون سعيدا بها ولها كيفما كانت، وسأكون داعما لها دوما في ترشيحها المحتمل لرئاسة مصر". انتهى حديثي مع البارودي، ودخلت بثينة في عباءة سوداء تحيط عنقها بوشاح ملون، وجلست أمامي على كرسي، وقبل أن أبدأ طرح الأسئلة كان لسان بثينة ينطلق بحديث دام ساعتين كدت فيهما أن أستسلم للنوم وكاد الميكروفون الصغير يسقط من يدي حين التقطه صديقي أحمد الصاوي، وأكمل تسجيل الحوار مكاني، وأنا أتابع ثرثرة بثينة بعقل نصف نائم، لكنه لم ينس أنها تحدثت عن أن نيتها في الترشح للرئاسة كانت لتشجيع النساء على دخول المنافسة الذكورية، وأنها لقيت دعما من الكثير من نساء مصر، وأنها أرادت أن تكون ملهمة لفتيات مصر الصاعدات، وأن الطنطاوي اقصاها من الترشح بعدم دعوتها لحضور لقاءات الرؤساء المحتملين، و،و،و، حديث طويل لم تأت فيه بثينة كامل بجديد، ولم تترك لي فيه مجالا لطرح سؤال فنام عقلي حتى انتهت، لأخبرها عن حواري مع زوجها وأسألها "ماذا لو خيرك بين الرئاسة وبين البقاء زوجة له؟"، فكان جوابها بكل هدوء"سوف أتخل عنه وأكمل حياتي وحلمي نحو الرئاسة"، جوابها أيقظ جوارحي التي كانت تغط في النوم، فأجابت معقبة"الحياة علمتني أن كل ما أحتاجه من رجل كتف حنون أتكئ عليه بعد عودتي من تعب يوم شاق بالعمل، غير ذلك فأنا قادرة على مواصلة الحياة لوحدي". جواب بثينة حول زوجها لم يكن بحضور زوجها، وحين حضر انقلب الحديث الى رومانسية عنه وبقيت انا وصديقي الصحفيين نحاول كتم ضحكنا، أنهينا الحوار والساعة تقارب على الخامسة صباحا، نزلنا الستة طوابق هذه المرة عبر السلم، فالمصعد تعطل، كانت جبال من القمامة تغطي الدرج، وكنا وصديقي ننفجر ضحكا من أغرب حوار جمعنا بمرشح لرئاسة مصر ما بعد مبارك. شهورا بعد هذا اللقاء، سيتم الإعلان عن ان التنافس لرئاسة مصر حسم بين مرسي وشفيق، وسأكتب مقالا بعنوان"بثينة كامل رئيسة لمصر"، أعدد فيه ساخرة عن محاسن هذه السيدة، وأهليتها لرئاسة مصر، فهي لها قدرة قوية على السهر ليلا، زوجها رجل وسيم مستشار ومستعد لأن يكون سيد مصر الأول وليس السي السيد، تتحدث الانجليزية بشكل جيد، تحاور الإعلام الدولي، قدرتها خارقة في الثرثرة، لباسها كان عباءة سوداء بوشاح ملون، لباسها كان محتشما مغطى بالألوان وهو ما يدل انها قادرة على التعايش مع مختلف اشكال التعدد الثقافي والايديولوجي في مصر، قاسية القلب، وقادرة على حسم أمورها حتى وان تعلق الأمر برجل تزوجته قريبا وتعلن انها مستعدة للتخلي عنه من أجل اهدافها، ودبلوماسية غيرت اقوالها فور حضور زوجها فكالت له كل أنواع المديح وجلس هو امامها يبتسم، وربما انبها ضميرها قليلا حتى المها راسها فطلبت منه ان يقاسمها السيجارة التي كانت تحترق بين شفتيه، يطبع عليها قبلة، ثم يضعها امامنا على شفتيها، لتدخنها وهي تبتسم، وتقول له"شكرا حبيبي". أتذكر هذه الليلة، وأنا أتابع أخبار مصر، وأرى الاخوان والعسكر والثوار يتبادلون التهم، وأتابعهم وكل يحيي ذكرى رابعة على طريقته، وأتساءل "ماذا لو كانت امرأة من حكمت مصر ما بعد مبارك؟". *مستشارة في التدريب وتطوير الاعلام