في خضم دردشة مع إحدى الأخوات المناضلات، وهي بالمناسبة من القيادات التاريخية للقطاع النسائي الاتحادي، عاتبتها أخويا على عدم انخراطها في المحطات التنظيمية الحالية، فأجابتني بحرقة بكونها لا تستطيع مجاراة هذا المسار المحدود الأفق، لكونه سيصطدم بسور سميك وفولاذي مكون من تشابك المصالح الذاتية "لمنخرطين" يعضون عليها بالنواجد. بعد هذه الدردشة التي اختصرناها بإرادة مشتركة حتى لا نقلب الأوجاع على أنفسنا ، استرجعت ذاكرتي مجريات الأحداث التنظيمية الأخيرة وما شابهها من خروقات وتجاوزات أعدمت الديمقراطية بحزبنا، مما دفع بالمناضلات والمناضلين الاتحاديين إلى التراجع إلى الوراء لعدم تماهيهم مع التوجهات التي أبانت عنها القيادة الحالية والمتسمة بالتخبط وانعدام وضوح الرؤية الموصولة بفقدان الشجاعة السياسية لاتخاذ مواقف حزبية وفية للخط الفكري والحزبي لحزب القوات الشعبية مما أفقدنا المصداقية أمام الناخبين و أمام الفاعل السياسي الرئيسي بالبلد. إن الصناديق الزجاجية التي تم اعتمادها مؤخرا في انتخابات المجالس التمثيلية، على المستوى الوطني والجهوي والمحلي للحزب لا تختلف كثيرا عن الصناديق المستعملة خلال الانتخابات التشريعية التي كانت تشرف عليها أم الوزارات أيام فقيد تزوير الإرادة الشعبية، وزير الداخلية السابق السيد إدريس البصري، فكل الترتيبات تعد سلفا في الكواليس (المقاهي والصالونات...). وفي ظل المضاربات التنظيمية الحالية، أقر أن الأخت السالفة الذكر كانت أكثر تفاؤلا مني عندما وصفت مصير هذا التخبط بالاصطدام بالحائط، نظرا لتعلقها الأكيد وأملها في إنقاذ الحزب(...) لكن للأسف، فالمؤشرات المتواترة لا تبشر بالخير وإنما تزيد الصورة قتامة. فعند الاصطدام بالحائط، يمكن للسائر ولو كان نائما أن يستفيق بعد رجة الاصطدام ويتراجع شيئا ما إلى الوراء ثم يبدأ بالتفكير مليا في الاتجاه الصحيح الذي يمكنه في نهاية المطاف من الوصول إلى طوق النجاة والتشبث به. فالواقع الحزبي الحالي، إن لم يتم إنقاذه من طرف أعضاء المجلس الوطني بصفتهم أعلى هيئة تقريرية بعد المؤتمر، يسير بنا بسرعة جنونية إلى الارتماء في حافة شديدة الانحدار/ الانبطاح، لن نتمكن بعدها من العودة إلى بر الأمان، نظرا لتشكل لوبيات مصلحية مدعمة بزبائن يمسكون بتلابيب التنظيم محليا وجهويا وقدرتهم الجبارة على تهميش المناضلين الاتحاديين وتعويضهم بجيش عرمرم من الكومبارس يستقدمونهم من المقاهي المجاورة للمقرات الحزبية بهدف إغراق الصندوق/ النعش الذي سيقبر حزب القوات الشعبية رويدا رويدا (...). مع ضرورة الإشارة إلى استغلالهم لليافطة والمشروعية النضالية لحزب القوات الشعبية بهدف تحقيق مآرب شخصية عوض التواجد بساحة النضال. وذلك عبر تصريحات هجينة لا تخيف إلا ظلالهم. و ما الإنفلات الذي طبع مؤخرا الحركات الإحتجاجية إلا إفراز موضوعي للفراغ التنظيمي ميدانيا (...). وبالتالي على الأخوات والإخوة أعضاء المجلس الوطني أن يحسموا بين اختيارين، وفق قناعتهم، الأول يتمثل في التصدي بقوة للتوجه التحريفي الذي يسيطر على مختلف الأجهزة الحزبية. وذلك بالسهر على تنظيم مؤتمر وطني حقيقي يعيد لحزبنا هويته النضالية ليسترجع توهجه عبر العودة إلى امتداداته الطبيعية المتمثلة في الطبقات الشعبية وفئات الشباب المثقفين. وهو ما يستوجب القيام بمجهودات جبارة لإعادة بناء جسور الثقة مع هذه الفئات المجتمعية المغربية، وتحويل للغضب الذي عبروا عنه من خلال معاقبتهم للقيادات الاتحادية بإسقاطها في الانتخابات التشريعية السابقة، وذلك بالقيام بنقد ذاتي جماعي والاعتراف بمسؤوليتنا الأخلاقية والسياسية في عدم محافظتنا على المكاسب الديمقراطية، بالرغم من قلتها، التي بشرت بها حكومة السي عبد الرحمان اليوسفي والتي كان من المفترض أن تشكل القاطرة الأساسية للإنتقال الديمقراطي بالمغرب. وكذلك القيام بتقييم موضوعي للعراقيل والمطبات التي واجهت هذا المسار، والمتمثلة في انعدام الضمانات الدستورية قبيل انطلاق حكومة التناوب لكون التفاؤل كان سيد الموقف آنذاك، وخصوصا بعد البيان الشهير للمكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي بالخروج عن المنهجية الديمقراطية ثم الالتفاف عليه، لأغراض ذاتية، بالمشاركة في الحكومة الموالية. وحتى وإن افترضنا جدلا توفر إرادة استمرار أوراش حكومة التناوب، فقد كان حريا بالقيادة الحزبية الانسحاب من الحكومة التقنوقراطية مباشرة بعد الانتخابات الجماعية لسنة 2003 والتي سجلت مؤشرا له دلالاته وانعكاساته البعدية والمتمثل في التراجع الملحوظ لشعبية الحزب بمقالعه التاريخية. أما بالبوادي والمدن القليلة الكثافة السكانية، فالأصوات المحصل عليها آنذاك كانت بفضل الأعيان الذين تحكموا مع مر السنين في دواليب الحزب محليا ووطنيا. وبما أن قطار السياسة لا يمكنه الرجوع إلى الوراء، ومادامت الانتخابات التشريعية المقبلة قريبة جدا، فلا بد من تدارك الموقف وإنقاذ ما يمكن إنقاذه بالانكباب على تصحيح الوضع الحزبي، دون مزايدة على المناضلين الذين يمثلون الحزب بالواجهات الرسمية، والسهر على تقوية الحزب من الداخل بالاستنجاد بمناضليه الذين تم التطويح بهم في مختلف الاتجاهات في المؤتمر السادس للحزب وما تلاه من محطات تنظيمية. و كذلك فرملة هذا القطار الجنوني الذي سيؤدي بنا لا محالة إلى بداية النهاية. أما السيناريو الثاني، فهو التحلي بالجبن ودفن الرأس في التراب وتتويج ذلك ب"تغيير" إسم الحزب إلى اتحاد المصالح المشتركة أو إتحاد الشركات (...). أو إستغلال هذه الصحوة التنظيمية لإعادة التموقع أو تحقيق مكاسب تنظيمية تذكرنا بالعملية الإنقلابية الشهيرة (...). وفي الختام، نذكر الأخوات والإخوة أعضاء المجلس الوطني للاتحاد الاشتراكي بأن الساكت عن الحق هو بمثابة شيطان أخرس، ولكم واسع النظر.