يرتفع معدل الحديث عبر الهواتف المحمولة سنة بعد سنة، ليصل إلى 94 دقيقة للفرد الواحد خلال الربع الثاني من هذا العام، بما مجموعه 12,54 مليار دقيقة لكل المغاربة، وهو ما يبين ارتفاع نسبة الدقائق المستهلكة عبر الهاتف المحمول ب6 في المئة مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي، حسب ما نشرته الوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات. أسباب كثيرة تقف وراء هذا النمو المستمر، منها انخفاض سعر الاتصالات عامًا بعد عام، إذ بلغ سعر الدقيقة 0,3 سنتيم، بينما كان السعر يبلغ 0,34 العام الماضي، وانخفاض أثمنة الهواتف المحمولة، وذلك في وقت يحقق فيه المغاربة ولوجًا مكثفًا إلى شبكة الانترنت، وصلت نسبة ارتفاعه هذا العام إلى 44,35 في المئة فيما يخصّ المشتركين في خدمته، بفضل تراجع أسعار الولوج والاشتراك في خدمة الجيل الثالث. بيدَ أن تكلفة هذا التطوّر في الاتصالات الهاتفية والإلكترونية قد تكون باهضة على قيمة التواصل الإنساني، فدراسات عديدة أكدت أن التطور التكنولوجي الذي سمح بدمقرطة الاتصالات الهاتفية والولوج إلى الانترنت، أثر بشكل كبير على العلاقات الإنسانية.. ومن ذلك دراسة أمريكية، نُشرت على Scientificamerican، تؤكد ان الانشغال بالهاتف المحمول أثناء لقاءاتنا الاجتماعية يهدد بنسف العلاقات الإنسانية، وأن استخدمنا للهاتف لأجل التواصل مع البعيدين، يضع الكثير من العراقيل لتواصلنا مع من يحضرون معنا في الزمان والمكان. يؤكد رضا امحاسني، أستاذ علم النفس بالجامعة الدولية بالبيضاء، ماجاء في هذه الدراسة، مشيرًا إلى أن التأكيد بأن التطوّر التكنولوجي يبقى أمرًا إيجابيًا في التواصل، ومن ذلك تقريب المسافات مع أفراد العائلة القاطنين في مناطق بعيدة، لا ينفي أنه أنتج نوعًا من البرودة في العلاقات بين أفراد الأسرة القاطنين مع بعضهم بعضًا. ويضيف خبير علم النفس ذاته ،في تصريحات لهسبريس، أن الطريقة السريعة التي تتطوّر بها طرق التواصل غير المباشرة، أبعد الفرد عن التواصل المباشر مع الآخرين، وجعل كل واحد منا ينحو في تجاه تحقيق الاكتفاء الذاتي من التواصل عبر هاتفه الذكي. بيدَ أن هذا الاكتفاء الذاتي لا يتحقق بالطريقة المثلى، إذ يبقى قاصرًا ما دام التواصل يركز على مضمون الرسالة فقط وعلى حاسة وحيدة بدل الحواس الخمس المفروضة في التواصل السليم، إذ يتطلب هذا الأخير الإحساس المباشر وطبيعة الكلام والملامح ونبرة الصوت والوعي واللّا وعي واللمس وما إلى ذلك. هل سيؤثر هذا التنامي للتكنولوجيا على القيم الجماعية التي تبقى منتشرة بشكل أكبر في المجتمع المغربي؟.. يقول امحاسني إنه يستبعد ذلك، متحدثًا عن أن الأسرة في المغرب تبقى الخلية الأساسية للمجتمع، ومهما بلغت درجة ذاتية أفرادها إلّا أنهم يحرصون على استمرار قيم الجماعة، دليله على ذلك، الهجمات التي ترفض التسامح المطلق مع الحريات الفردية، مبررة ذلك بالدين والعادات والتقاليد وطبائع الناس. ويضيف امحاسني: "خلال السنوات ال15 الماضية، وقعت تحوّلات تكنولوجية سريعة زادت من هدم القيم الجماعية في الكثير من المجتمعات الغربية، وما يؤكد ذلك استمرار انتشار دور العجزة في هذه المجتمعات، أما في المغرب، فمثل هذه الدور تبقى نادرة، والأسرة لا تزال قوية لكثير من الاعتبارات. بل إن الأسرة المغربية عكست صورتها في المواقع الاجتماعية، فالأخ مثلًا يراقب منشورات أخته وقد يطلب كلمة السر الخاصة بحسابها، وهناك حدود اجتماعية لا يجب تخطيها في فيسبوك عند الكثير من الأفراد".