شهر رمضان بقدر ما حفل بالأحداث الكبرى والوقائع الجسام في تاريخ الأمة الإسلامية، بقدر ما كان زمنا آثر فيه العديد من الملوك، الذين تعاقبوا على حكم المغرب، القيام بأهم الأنشطة التي وسمت تاريخ المملكة، كما فضلوه كشهر مبارك ليبرموا فيه بيعة المغاربة لهم. ومن خلال رصد المادة التاريخية القليلة المتاحة، يمكن القول إن الصورة النمطية لبرامج الملوك المغاربة خلال شهر رمضان كانت موزعة وفق ما تقتضيه الطقوس والعادات الدينية خلال هذا الشهر الكريم، عبر ثالوث التديّن السلطاني الذي يجمع بين مجال تنظيم المجالس العلمية، ومجال الجهاد، ثم مجال بناء المساجد. ثالوث التدين السلطاني، يؤكد الدكتور إبراهيم القادري بوتشيش، الأكاديمي والمؤرخ المغربي، بأن الملوك كانوا يسعون من خلاله إلى استغلال شهر رمضان لتوظيفه كأداة للهيمنة في الحقل الديني، وتجسيد لفكرة إمارة المؤمنين، وشحن الحمولات الدينية التي تزيد من كثافة الرأسمال الرمزي الشرعي للحاكم. ولفت أستاذ التاريخ بجامعة مكناس، في حديث مع هسبريس حول أهم الأحداث المرتبطة بشهر رمضان في عهد بعض ملوك المغرب، وتنشره الجريدة ضمن 3 حلقات، إلى أن الإكراهات السياسية أجبرت بعض الملوك، رغم قدسية هذا الشهر وحرمته، على القيام بحملات عسكرية. هذه الحملات العسكرية التي كان يضطلع بها ملوك مغاربة في حقب زمنية خلت، كانت ترمي، بحسب بوتشيش، إلى تأمين السلام الداخلي، واستئصال شأفة المتمردين والطامعين في السلطة، بما فيهم عناصر من الأسرة الحاكمة ذاتها، مما جعل هذا الشهر يقترن أحيانا بأحداث وحروب دامية. "الغوص في مثل هذه الأحداث المرتبطة بشهر رمضان في عهد الملوك المغاربة تعتريه إشكالات، يأتي على رأسها شحّ النصوص التاريخية، وتناثر القليل الموجود منها في بطون الحوليات التاريخية، ومتون كتب سير الملوك ومناقبهم، وفهارس العلماء الذين شاركوا في المجالس العلمية التي كان يعقدها بعض السلاطين، مما لا يسمح بتشخيص دقيق للإشكالية التاريخية" يورد بوتشيش. بيعة ملوك مغاربة في رمضان الدكتور بوتشيش عند رصد الأحداث الكبرى التي اقترنت بملوك المغرب في رمضان، توقف عند ملاحظة أن بيعة بعضهم تمت خلال هذا الشهر، حيث إن مصادر تاريخية تشير إلى أن بيعة المولى إدريس، مؤسس أول دولة مغربية، تمت يوم الجمعة 4 رمضان من سنة 172ه (6 فبراير788م) حيث بايعته قبائل أوربة في وليلي، ثم تبعتها القبائل الأخرى. وفي نفس المنحى، جرت بيعة محمد بن تومرت، مؤسس دولة الموحدين، في يوم الجمعة 15 رمضان من سنة 515 ه، الموافق ل 27 نوفمبر 1121م، حيث بويع من طرف الأصحاب العشرة. وفي اليوم الموالي أي في16رمضان، استغل حضور الناس في المسجد ليعلن مهدويته، ويؤكد لهم أنه المهدي المنتظر الذي يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا، فتسارع أهل تينمل إلى السلام عليه، وبيعته إماما". وتبعا لذات المصادر التاريخية التي اطلع عليها بوتشيش، فإن بيعة عبد المومن بن علي كخليفة للموحدين، تمت في يوم الخميس 14 رمضان من سنة 524ه، الموافق ل 31 غشت 1130م، ضمن ما يعرف بالبيعة الخاصة التي بقيت سرية، في بادئ الأمر، بين النخبة الموحدية المكونة من الأصحاب العشرة. وعرج بوتشيش إلى التاريخ الحديث، وحسبما يذكره المؤرخ الناصري، تجدّدت بيعة أحد ملوك الدولة العلوية، وهو المولى عبد الله بن إسماعيل، حيث توجه وفد من قادة عبيد البخارى إلى فاس، مراجعين طاعة الملك العلوي المذكور، ومبايعين إياه من جديد في رمضان من سنة 1154 ه، أي 1741م. وأما في التاريخ المعاصر، يضيف أستاذ التاريخ بجامعة مكناس، فيتجسد اقتران بيعة الملوك العلويين بشهر رمضان في نموذج الملك الراحل الحسن الثاني الذي تمت بيعته رسميا في 15 رمضان من سنة 1380 ه، الموافق ل 3 مارس 1961م.