ربط خبراء سياسيون مصريون تعيين سلطات بلادهم لسفير جديد لدى إسرائيل، ضمن حركة تغييرات دبلوماسية واسعة بعد غياب 3 سنوات، بعاملين رئيسيين هما: الأوضاع الإقليمية الراهنة التي تدفع بتوجيه رسائل إلى تلك الأطراف، والترجمة العملية لالتزام مصر باتفاقية السلام المبرمة في أواخر السبعينات. وأجرى الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، حركة تغييرات دبلوماسية شملت تعيين حازم خيرت، مساعد وزير الخارجية لشؤون السلكين الدبلوماسي والقنصلي، سفيرًا جديدًا للقاهرة لدى تل أبيب، دون مزيدٍ من التوضيحات.. بينما كان محمد مرسي، الرئيس المصري الأسبق، قد استدعى سفير مصر لدى إسرائيل، في نونبر 2012، بعد شن إسرائيل غارات جوية على قطاع غزة، أدت إلى مقتل أحمد الجعبري، القيادي في كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس. مسؤول دبلوماسي مصري قال إن بلاده اتخذت هذه الخطوة المتماشية مع سياستها في الانفتاح على جميع الأطراف الإقليمية، بما في ذلك إسرائيل، مستنكرًا: "ما الجديد في الأمر، كان طبيعيًا ومتوقعًا، ويتماشى مع جملة من المعطيات الجديدة في المنطقة".. وحول طبيعة هذه المعطيات قال المسؤول، مشترطًا عدم ذكر اسمه، "هناك مثلًا حركة حماس، التي يبدو أنها تعيد ترتيب أوراقها وتبحث عن تهدئة كاملة لمدة 5 سنوات، بدعم قطري تركي .. هل سنقف مكتوفي الأيدي حيال ذلك، ونكتفي بتحسن علاقتنا معها، أعتقد لا، ليست هكذا الدبلوماسية". وأضاف المسؤول أن مصر أعادت التعامل مع حركة حماس بإيجابية، وعليه لا يتصور ألا يتم القيام بتحسين منظومة العلاقات بأكملها، فهي رسالة حضور في المشهد الإقليمي والعربي، وكذلك ليست لمصر أي تحفظات على الالتزام باتفاقية السلام مع إسرائيل. المسؤول قلّل من أهمية التغيير الذي طرأ على العلاقات الدبلوماسية المصرية الإسرائيلية بتعين سفير جديد قائلًا: "ظلّت السفارة دون سفير عقب اجتياح إسرائيل للبنان، ثم تكرر الأمر بسبب أحداث الانتفاضة في غزة، ولا غرابة أن وجود السفير بتل أبيب سيبقى مرهونًا بالتزام إسرائيل هي الأخرى". وكانت مصر قد أعلنت فتح سفارة لها في إسرائيل عقب توقيع معاهدة السلام عام 1979، وعينت سعد مرتضى سفيرًا لها في تل أبيب عام 1980، لكن سحبه تم عام 1982 عندما تدهورت العلاقات بين البلدين إثر الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وظلت السفارة المصرية في تل أبيب دون سفير حتى عام 1986، إلى أن عين محمد بسيوني سفيرًا في الفترة من ما بين عامي 1986 و2000. ثم غاب السفير المصري عن تل أبيب مرة أخرى 5 سنوات بسبب أحداث المسجد الاقصى، والانتفاضة الثانية في عام 2000، حتى عُيّن محمد عاصم إبراهيم سفيرًا في مارس 2005، واستمر حتى 15 شتنبر 2008، ثم استلم مكانه ياسر رضا علي عبد الله سعيد حتى 1 شتنبر 2012، حيث تبعه عاطف محمد سالم سيد الأهل، إلى أن سحبه مرسي. طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكيةبالقاهرة ورئيس وحدة الدراسات الإسرائيلية بالمركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، قال إن "خطوة تعيين سفير جديد لدى تل أبيب بعد 3 سنوات بمثابة تحول رئيسي في العلاقات المصرية الإسرائيلية، وتأكيد من جانب مصر أن الاتصالات مستمرة مع الحكومة الإسرائيلية في إطار معاهدة السلام، التي ستمضي في إطارها كما كانت". وأبرز فهمي سببين رئيسين لهذه الخطوة بقوله: "أولاً كان يجب على مصر أن تبدي التزامًا عمليًا باستمرار اتفاقية السلام، لاسيما بعد استجابة تل أبيب للمطالب المصرية في سيناء، من حيث وجود قوات أمنية في العملية نسر وما بعدها في منطقة ج ، ولهذا لم يعد هناك مبرر لعدم عودة السفير، وجاء التغيير ضمن حركة يفهم منها أنها لم تقتصر على إسرائيل التي تتعامل معها مصر كأي دولة". السبب الثاني الذي لفت إليه فهمي يتعلق بما قال عنه "رغبة مصر في القيام بدورها على كافة المستويات الإقليمية والعربية، وبالتالي فهي ترسل رسالة إلى جميع الأطراف مفادها أنها داخل المعادلة وأنها حاضرة بقوة، لاسيما على مستوى المفاوضات بين حماس وإسرائيل". متفقاً مع فهمي قال منصور عبد الوهاب، أستاذ اللغة العبرية بجامعة عين شمس والخبير في الشؤون الإسرائيلية، إن تعيين سفير مصري لدى إسرائيل طبيعي، لاسيما في ظل عدم وجود أزمات بين البلدين، وفي ظل تحرك دولي وعربي لحل القضية الفلسطينية، وهي عملية السلام التي وصفها بالجدية، وعليه تسعى مصر لاستعادة دورها في هذه القضية.. كما اعتبر عبد الوهاب أن الخطوة جاءت في إطار التزام الرئيس المصري بالمعاهدات التي وقعتها القاهرة، مشيرًا إلى أن وجود سفير يسهل من الحوار، وحل بعض الأزمات، وكثيرًا من الأمور. عاصم الدسوقي، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة حلوان قال: "هي خطوة لا مفر منها، لأنه الرئيس ليس أمامه سوى خيارين، إما قطع العلاقات وتحمل عقوبات ذلك، سواء على مستوى القضايا الإقليمية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، أو استمرارها وعودة المياه لمجراها، وهو الخيار المناسب للنظام الحالي من وجهة نظره، خاصة أن الإدارة الأمريكية تقف خلف إسرائيل وتدعمها، ولن تقبل باتخاذ موقف معادي لها". وأوضح الدسوقي أن الولاياتالمتحدة، مثل تل أبيب، تدرك تمامًا القول الشهير للرئيس الأمريكي الأسبق دوايت أيزنهاور:"الشرق الأوسط مثل الزرافة، ومصر هي رقبة الزرافة، والذي يريد أن يمسك بالزرافة عليه أن يمسك برقبتها".. وحول طرح إمكانية استمرار الوضع كما هو عليه، قال الدسوقي: "لا يمكن استمراره طويلًا، ولا ننسى أن السيسي أنهى عامه الأول، وكان لابد من قرار، وتنفيذه بصورة ضمنية، من خلال حركة التغييرات الدبلوماسية". اثنان من الخبراء، فهمي والدسوقي، لم يتجاهلا المناخ العام لهذا القرار، الذي يتزامن مع عرض مسلسل عن اليهود يحمل عنوان "حارة اليهود"، الذي قال فهمي إنه يحمل دعوة للتعامل مع إسرائيل، ورسالة بأن المصريين ليست لديهم موانع في التعامل مع قضايا تكون إسرائيل طرفًا فيها، فيما فضل الدسوقي أن يثير علامة استفهام أمام هذا التزامن، الذي شدد على أنه "بالتأكيد يحمل دلالته". * وكالة انباء الاناضول