أثارت انتباهي بعض التعليقات على المقال الذي حاولت فيه الرد على من حاول تجريم علماء المغرب جملة وتفصيلا ، وكلها محاسبة لعلماء المغرب دون التعرض للأمة ، وكأن الأمة قد رفعت عنها الأقلام ، أو أنها غير مكلفة ، أو أنها غير معنية بما يجب على العلماء أو ما تشترطه عليهم من أمر بالمعروف ونهي عن المنكر ، ومواجهة الباطل بالحق . ولم يخطر ببال معلق من المعلقين المتهمين للعلماء أن يسأل نفسه ألا يجدر بالأمة أن تحاسب نفسها قبل أن تحاسب علماءها ؟ وبالرغم من أنني على قناعة كبيرة بأن انتقاد بعض الجهات للعلماء إنما هو وسيلة للتعبير عن رفض الدين ورفض المشروع الحضاري الإسلامي مقابل التسويق لغيره من المشاريع العلمانية فإنني أرى الموضوعية غائبة في انتقاد علماء الأمة دون انتقاد الأمة . فإذا افترضنا جدلا أن الذين يتعرضون للعلماء بالنقد والتجريح محقون فهل يعقل أن تكون الأمة بريئة كل البراءة مقابل إدانة علمائها ؟ وأحسب أن انتقاد العلماء إما أن يكون من جهة العامة والسوقة ، وإما أن يكون من جهة المغرضين الذين يغتنمون وجود نقد العامة والسوقة الجاهز للعلماء لركوبه من أجل خبيث النوايا وفاسد الطوايا . فهل ينتظر العوام والسوقة وإلى جانبهم المغرضون أن يحل العلماء محل الأمة فيما يتعلق بالتكاليف الشرعية ؟ وهل ساق النظام الأمة بالهروات والعصي إلى الخمارات والمواخير ودور القمار وشوطىء العري وغيرها من أماكن المنكرات التي يطلب من العلماء محاربتها ولم يتدخل العلماء لمنع سوق الأمة بالقوة إلى هذه الأماكن ؟ أليس في الأمة من يطالب بوجود هذه الأماكن ويلح في ذلك وقد يستعين بالمنظمات الأجنبية بما فيها الصهيونية لتأمين وجود هذه الأماكن وتأمين ارتيادها ؟ ألم يجاهر بعض الفاسقين بالإفطار في رمضان تحديا لمشاعر الأمة ؟ ألم تتعالى أصوات الدفاع عن المثليين ؟ فهل مواجهة هؤلاء هي مسؤولية العلماء وحدهم ؟ أليست الأمة مسؤولة أيضا ؟ وهل قامت الأمة بدورها لمواجهة هذا الفسوق قبل أن تنحي باللوم على علمائها ؟ هل ينتظر من العلماء حمل العصي أو الأسلحة لمواجهة المفطرين في رمضان والشواذ والسكارى والعراة والزناة والمرتشين والمراببن ؟ فلو أن الأمة تنكبت أمكان المنكرات من خمارات ومواخير ودور قمار وشواطىء عري لظلت هذه الأماكن شاغرة واضطر أصحابها إلى إغلاقها ونقلها إلى حيث يوجد من يرتادها . أما إذا كانت بعض فئات الأمة ترتاد هذه الأماكن بنهم وعشق بل وتطالب بوجودها وصيانتها وحراستها فلماذا يلقى اللوم على العلماء ؟ فهل العلماء يرتادونها أو يسكتون عن ذمها . هل سمع أحد أن عالما من علمائنا دعا إلى ارتياد هذه الأماكن ؟ ألم تقم قيامة عشاق العربدة عندما قام عالم بإدانة ما يدينه الشرع ؟ أليست خطب الجمعة وبعضها يلقيها علماء إلى جانب الخطباء فضلا عن الدروس والمواعظ تنهى عن الفحشاء والمنكر أسبوعيا ومع ذلك لا يلقي أصحاب المنكر بالا لها ؟ ألا يخرج الجمهور ساخطا ناقما على الخطيب الذي يدين المنكرات حتى أن بعض هذا الجمهور ينتصب للدفاع عن هذه المنكرات نكاية في الخطيب ؟ أليس الجمهور مع الترغيب والرقائق فإذا ما لجأ الخطباء إلى الترهيب جفل منهم وذمهم ؟ والغريب في أمر الأمة أنها عارفة كل المعرفة بأمور دينها فلا تكاد توجه النصح لأحد حتى يذكرك بما نسيت من أحاديث وآيات إنها أمة ينطبق عليها القول المشهور : " أمة عالمة لكنها ظالمة " فكم من شخص تنصحه في أمر دينه فلا يتردد في الكشف عن معرفته بما تنصحه به ولكنه مصر على معصيته وقد أخذته العزة بالإثم . والغريب أن الأمة تريد التفرج على العلماء عندما ترغب في دخولهم في صراع مع النظام لتسلم لهم شهادة البراءة من تهمة موالاة النظام. فالناس إذا ما تحدث عالم أو خطيب أو واعظ عن عيوب الأمة خرجوا ساخطين عليه وناقمين ، أما عندما يتحدث عن عيب النظام فتخرج الأمة راضية مطمئنة تترقب ما سيحل بمنتقد النظام ، فإذا ما ناله شر انقسمت الأمة إلى عاذل يلومه على تهوره ، أو ساخر من غفلته وشامت به . والأمة تحمل العلماء مسؤولية عدم إغلاق أماكن المنكرات ، وتتهمهم بالسكوت عليها علما بأن النظام نفسه لا يقوى على إغلاقها لأن الذين يرتادونها يستعينون بالجهات الأجنبية الضاغطة لتشويه سمعته إن هو بادر بإغلاقها. سيقول أصحاب النقد القاصر إنك تدافع عن النظام وعن العلماء و عن أماكن المنكرات والحقيقة أنني أضع الأمة أمام مسؤوليتها قبل أن تضع غيرها أمام مسؤوليته . وأنا أتحدى الأمة أن لا تقرب أماكن المنكرات لترى المنكر متواريا ، والباطل زاهقا . أما أن يوجد فيها من يحتضن هذه الأماكن ويرتادها فلتبحث لها عن ذرائع غير اتهام العلماء ليكونوا كباش فداء . مهرجان ازوان وروافده محمد المهدي ميارة* أسدل الستار على مهرجان روافد ازوان في نسخته الثالثة بمدينة العيون والذي دام ثلاثة أيام بعد أن تأجل تنظيمه بارتباط بالأحداث الأليمة التي عرفتها مدينة العيون، وقد شهد حضورا ملفتا للعديد من الفنانين العرب والأجانب، وحسب المنظمين لهذا الملتقى الفني أي ائتلاف الساقية الحمراء فقد كلف تنظيمه ما يناهز الخمسة ملايين درهم، وقد حمل كشعار لهذه السنة " تراث الصحراء وأنغام العالم".وقد سبق تنظيم المهرجان لغط كبير حول حضور مغني الراي الجزائري فوضيل من عدمه،حيث أصبح رهان اللجنة المنظمة هو مشاركة هذا الفنان الجزائري . ويبدو أن اللجنة المنظمة كانت تسابق الزمن لتنظيم المهرجان قبل نهاية العام كي لا تذهب الميزانيات المخصصة من قبل الشركاء أدراج الريح، والملفت للانتباه في هذا المهرجان هو شح المعلومات، فما عدا لائحة الحضور من الفنانين و ميزانية المهرجان التي تبقى متضاربة بين اللجنة التنظيمية التي حددت الرقم في حوالي 5 ملايين درهم وأوساط صحفية التي تجعله في حدود المليار و500 مليون سنتيم، فان أوجه صرف الميزانية ومستحقات الفنانين ظلت غامضة. وقد انتظر متتبعو المهرجان أن يتم الإعلان عن التفاصيل المالية والتنظيمية للمهرجان، كما هو الشأن بالنسبة لباقي المهرجانات، غير أن لاشيء من ذلك حصل باستثناء الندوة المحتشمة التي نظمت على عجل واستثنيت منها الصحافة المكتوبة، وهو ما يوحي بأن لاشي تغير في العقلية المتحكمة في تنظيم هكذا مهرجانات بالمنطقة، والتي من المفروض أن تتغير مادام الأمر يتعلق بمهرجان ينظم تحت الرعاية الملكية وبتنسيق مع جهات رسمية كولاية الجهة، وبشراكة مع وزارة الثقافة وفاعلين مؤسساتيين من ضمنهم وكالة تنمية الأقاليم الجنوبية. نحن نعرف الظروف الاستثنائية التي تمر منها مدينة العيون هذه الأيام، وحجم الضغوطات الأمنية التي أحاطت بتنظيم المهرجان، كون المدينة لازالت لم تتعافى مما أصابها من أحداث، غير أن هذا ليس مبررا لعدم توخي الشفافية وإظهار حقيقة الاعتمادات المالية وأوجه صرفها. إن بلاغ اللجنة المنظمة أو بالأحرى تصريحات رئيسة المهرجان الذي تناقلته العديد من الصحف والمواقع، والذي يشير إلى أن المهرجان "قد حقق أحد أهدافه الكبرى المتمثلة في تنمية المنطقة اقتصاديا وبشريا على اعتبار أن 98 في المائة من الشركات المنظمة للمهرجان تنتمي إلى المنطقة" ليثير الكثير من التساؤلات حول الدافع إلى هذا التصريح من الأصل، هل لكون المهرجان جاء متزامنا مع أحداث العيون التي عرت الواقع الاجتماعي البائس للساكنة مقارنة مع فئات قليلة مستفيدة؟ أم أن هذا التصريح جاء لإسكات الأصوات والتي كان أخرها بيان حملة الشواهد المعطلين الذي انتقد حجم ميزانية المهرجان وأصوات كثيرة أخرى نادت بمعرفة مآل الأموال المخصصة للمهرجان وأوجه صرفها ؟ إننا نتساءل عن ماهية المعطيات والمؤشرات التي جعلت رئيسة المهرجان تخلص إلى ما خلصت إليه، من الإسهام في تنمية المنطقة اقتصاديا وبشريا، فالجميع يعلم أن المهرجان في دورته الثالثة، وقد أعقب الدورتين السابقتين خروج ساكنة العيون في شكل احتجاجي على تردي الأوضاع الاجتماعية، فعن أي تنمية تتحدث رئيسة المهرجان. انه لمن العجب أن يحقق مهرجان يدوم ثلاثة أيام ما عجزت الدولة عن تحقيقه طيلة ثلاثة عقود من خلال برامج وميزانيات ومتدخلين عموميين وخواص.فلا أحد يطالب اللجنة المنظمة بتحقيق التنمية الاقتصادية والبشرية، بل فقط تبرئة ذمتها وتبيان الأوجه الحقيقية لصرف ميزانية المهرجان. إذا كان من روافد لهذا المهرجان فهي قطعا غياب الشفافية وهي أيضا تبذير المال العام حتى لا نقول نهب المال العام، فتلك تهمة لست أنا من يفصل فيها، كما أن من أبرز روافده هو تبخيس الثقافة والتراث الحساني حتى أصبحت مجرد واجهة وديكور كما أن رموز هذه الثقافة أصبحت مستباحة ،فأنا لا أفهم لماذا هذا الإصرار على أن يرتدي كل الفنانين الزي الصحراوي وبعضهم يفعل ذلك على مضض ؟ كما أن المهرجان الذي من المفروض أن يعنى بالثقافة الحسانية وأن يحتفي بالتراث المحلي، انسجاما مع تسميته، نجده يقزم حضور هذه الثقافة وهذا التراث ليصبحا واجهة فقط لتأثيت المشهد . ولماذا الإصرار على تصوير التفاهات على أنها انتصارات، فما الذي سيجنيه المغرب إذا حضر فوضيل أو غاب أو إذا أقر بمغربية الصحراء أو أنكر ذلك ؟ ففوضيل في نهاية المطاف ليس سياسيا سيدافع عن مغربية الصحراء في المحافل الدولية، أو سيجتمع مع مجلس الأمن ويقنعه بحسم النزاع بشكل نهائي، فمنتهى غايته أن تصرف له مستحقاته الخيالية. فمن العبث الاستمرار في هذا النهج فهو يسيء للجمهور وللجهات المنظمة كما يسيء للفنان نفسه.إن هذه السلوكات إنما تشجع ثقافة التكسب التي خلناها قد اندثرت مع شعراء المدح التكسبي الذين يبحثون عن العطايا لنفاجأ بمن يحاول بعثها تحت مسميات جديدة. إن ما يعيق التنمية حقيقة هي أمثال هذه المهرجانات التي تنعدم فيها الشفافية ويغيب فيها التتبع والمساءلة والرقابة من قبل السلطات المختصة، ويتم فيها تبذير المال العام تحت مسميات مختلفة، فتارة تحقيق التنمية، وتارة خدمة القضية الوطنية، وتارة أخرى إشاعة جو السلام والتعايش.إن الأولى بمن يحمل مثل هذه الشعارات الكبيرة أن يعتمد الشفافية كأسلوب ومنهج، هذا إن أراد للمهرجان أن يكتسب مصداقية واحتراما في أعين الجمهور. إن ما يعيق التنمية حقيقة هي أمثال هذه المهرجانات التي يعمد منظموها على تشجيع السياحة المجانية وبناء العلاقات العامة لخدمة المصالح الشخصية، عوضا عن ترشيد الإنفاق فيما يخدم الإنعاش الاقتصادي والثقافي للمنطقة. *رئيس منتدى المبادرات للتنمية والحكامة المحلية [email protected]