لا يوجد تعريف علمي محدد حتى الآن، لمفهوم الإعلام الجديد New media، إلا أن العارفين بهذا المجال يختزلون هذا المفهوم في ذلك الانفتاح والتطور في وسائل التواصل الذي أفضى إلى انتزاع الإعلام من "النخبة" ومن التخصصين في المجال حتى أضحى وسيلة متاحة لجميع شرائح المجتمع وأفراده، حيث تعيش المجتمعات المعاصرة اليوم تحولات عميقة على مستوى وسائل الاتصال والإعلام أفضت إلى تقلص الدور المحوري الذي ظلت تلعبه الوسائل الكلاسيكية كالتلفاز والراديو والجرائد الورقية... في التعريف بقضايا المجتمع و توجيه الرأي العام إلى اتجاهات معينة، أو طمس بعض الحقائق أو تغييرها، إلى أن بدأت تظهر معالم الإعلام الجديد الذي تغيرت معه أساليب إنتاج وتوزيع وكذا تلقي المعلومات، فانتقلنا من اتصال ذو طابع عمودي في اتجاه واحد، إلى اتصال تفاعلي يغلب عليه الرأي والرأي الآخر، وأصبحت الغاية في كثير من الأحايين تغلب على الوسيلة حتى أضحت انزلاقات خطيرة تهدد عمق المجتمع وأمنه واستقراره، دون القدرة على التحكم في مصدر الخبر أو الصورة أو الفيديو وأهدافه. وغالبا ما أصبحت المساهمات الإعلامية "المتحررة" تبحث أكثر فأكثر على الخوض في تيمات راهنة ومثيرة تجدب من خلالها عددا كبيرا من القراء والمشاهدين والمتتبعين بما قد يتبع ذلك من أهداف ربحية مادية أو معنوية، لكن الخطير في ذلك هو ما يتم تداوله أحيانا على أساس أنه خبر عادي أو حدث مثير، ينزلق معه "الإعلام الجديد" إلى الترويج لفكر معين وخدمته بتحقيق الانتشار الذي يسعى له هذا الفكر، فحينما يتم عرض بعض الفيديوهات التي تتضمن حوارات مع بعض المتطرفين ودعاة العنف والإرهاب مثلا، يحكون من خلالها عن الظروف التي دعتهم إلى تبني هذا الفكر المقيت، بالشكل الذي يخلق منهم "أبطالا" في نظر البعض، فإننا نكون أمام محاولة لتبرير هذا الفكر المتطرف وكسب التعاطف معه وذلك بغض النظر عن الفعل الجرمي المقترف، الذي ينبغي تسليط الضوء عليه وإبراز خطورته. فوضعية هذا الإعلام الجديد لم تنضج بعد لتنتقل إلى مستويات تميز فيها بين درجات التوعية ببعض الظواهر من أجل مواجهتها وفتح النقاش المثمر بشأنها، وبين الإشادة ببعض الأعمال والظواهر العنيفة في جميع الاتجاهات، خاصة وأن انفتاح وانتشار وسائل الاتصال يجعل من جميع فئات المجتمع عرضة لهذه المواد الإعلامية بما فيها القاصرين، وهنا تبدو الخطورة أكبر على هذه الفئة، التي تكون لها القابلية أكثر للتفاعل والتأثر بمضمون هذه المواد إلى الحد الذي قد يدفعها إلى الانخراط في الأعمال التي قد تقرأ فيها أشكالا من المغامرة وحب الاستطلاع والقدرة على الاختلاف... صحيح أن مشاركة الأفراد في تنمية مجتمعهم تقتضي بالضرورة الاطلاع على المشكلات الأساسية التي تواجهه، للوقوف عند الدور الذي يمكنهم القيام به للمساهمة في حل هذه الإشكالات، وهو ما يزيد من تعقد المهمة الإعلامية والتواصلية النبيلة، ويجعلها في قلب التحديات، حيث تكون مطالبة بإطلاع المجتمع على حقيقة الوضع بسلبياته وإيجابياته، على ألا تنزلق إلى الترويج لسلوكيات معينة، قد تكون منحصرة في الزمان والمكان، وقد تؤدى إلى ترويع المواطنات والمواطنين والتأثير على العلاقات الاجتماعية والاقتصادية. غير أن هذه المعادلة، إذا كانت اليوم تخاطب إعلاما جديدا، فإنها قد لا تراعي ما أصبح يتخذه من أشكال تفاعلية يصعب معها "التحكم " في منتوجه الكمي والنوعي، خاصة مع تزايد تأثير شبكات التواصل الاجتماعي على قضايا المجتمع، حيث أضحت صورة أو تدوينة أو مقطع فيديو قادر على خلخلة الموازين والتأثير بشكل كبير وسريع على الرأي العام، والمؤسسات، كما أن نمط التواصل عبر هذه المواقع أخذ منحا جديدا في العملية التواصلية، أضحى معها الفرد الملتقي منتجا ومرسلا ومستقبلا في نفس الآن ليحل بذلك محل وسائل الاتصال الكلاسيكية. لذلك، فإنه أصبح من الضروري إعادة النظر في التعامل مع هذا الإعلام الجديد، والاعتراف بقوته في التأثير على قضايا المجتمع وبناء الفرد وضمان انفتاحه على العالم وقضاياه، مع الوعي بأن هذا الدور الإيجابي يخفي وراءه تداعيات سلبية على بنية الفرد والمجتمع سواء على المستوى الاجتماعي، والنفسي والإيديولوجي، وأن أساليب المنع والمتابعات التي يمكن اللجوء إليها، وحدها، بداعي حماية المجتمع لا يمكنها أن تفضي إلا إلى تعميق الجناب السلبي في الظاهرة، بل يتعين التركيز على الأثر الإيجابي لها، من خلال الانكباب في العمق على حل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والنهوض بالمنظومة التعليمية وإعادتها إلى السكة الصحيحة لبناء الإنسان القادر على إنتاج المعرفة والأفكار ونقد المواقف وبالتالي المشاركة الفعالة في بناء المجتمع بعيدا عن التأثر بالتبعيات غير المحمودة للإعلام الجديد.