من المجالات التي تعيش حالة من الإرتباك الظاهر في التدبير في مغرب اليوم، كل ما يتعلق بالإعلام والثقافة والفن. والسبب بسيط، هو أن النظام الديمقراطي يتطلب وضع تدبير هذه المجالات بيد مهنييها بعيدا عن سلطة الحكومات وعن السياسيين كافة. من طبيعة السياسي (ولو كان مهنيا) أن يتفاعل مع ضغوطات الرأي العام الذي تسود فيه النزعة المحافظة، في حين أن الإعلامي والمثقف والفنان يمتازون بالجرأة التي تميل إلى التجديد (مقابل المحافظة). وبالنسبة لهذه المهن، إثارة الإنتباه جزء من أسس المهنة، علما أن الكثيرين يحدفون كلمة "الإنتباه" ويتركون كلمة "الإثارة" ويختصرون معناها في "الإثارة الجنسية"، في حين أن المسألة في أصلها هي "إثارة الإنتباه". ولهذا، لما يتولى السياسي شؤون الإعلام والثقافة والفن، فإنه لا يستطيع أن يجاري تطور الإتجاهات المجددة، ويضطر ليكون في صف "الرأي العام" لأسباب انتخابية بالأساس، أو قد يجاري مراكز النفوذ من أجل الحفاظ على موقعه السياسي، وهذا ما قد يجعله يعمد إلى إيقاف الجريدة ومصادرة الكتاب أو حجب اللوحة والفيلم ... ألخ بالإضافة إلى هذا، تستعمل المجالات المذكورة لتوجيه المجتمع. وفي طار الصراع الديمقراطي لا يصح أن تكون الحكومة مسؤولة على تلك القطاعات لأنها قد تستعملها في توجيه المجتمع لصالحها، ضد الإتجاهات السياسية التي تكون في المعارضة في إبانه. وبناء عليه، يتم في أغلب الدول الديمقراطية جعل تدبير قطاعات الإعلام والثقافة والفن بيد المهنيين. بل، في الكثير من الدول تترك للمجتمع، أي حتى المهنيين الذين يتحولون إلى "لوبيات" كثيرا ما يكونون على سوء لابأس به في تنظيمهم لهذه المجالات. ولما يحدث نزاع ما في هذه المجالات، يكون القضاء هو المجال الملائم لعرض النزاع، باعتبار القضاء نظريا هو المؤسسة التي تحمي الحقوق، ويمكن أن تحد منها بحكم القانون. وفي إطار المحاكمة العادلة، يتم منح المتهم كل الفرص للدفاع عن نفسه، وهذا ما يجعل القضاء عادلا حتى لما يحرم أحدا ما من حق من حقوقه في إطار الجزاء (العقوبة). وفي هذا الصدد، إن منع فيلم المغربي نبيل عيوش مؤخرا، جاء بقرار سياسي. ولنفرض أن الذين اعتبروه مهينا للمرأة، أو مهينا للمغرب قد توجهوا إلى القضاء، ووضعوا شكايتهم، وجاء صاحب الفيلم ودافع عن نفسه ورافع دفاع الطرفين ومرت المراحل .. إذا ما حدث هذا وكان مسار المحاكمة عادلا، فلنا اليقين أن أي حكم سيكون عادلا. من السهل أن يتضامن المرأ أو يندد، ومن حق كل من له رأي أن يعبر عنه، وليست لحرية الإنسان حدود إلا لما تمس حرية الغير! لكن بناء الدولة الديمقراطية يحتاح إلى ميكانيزمات تسمح بهذا البناء، ومن بينها – في الموضوع الذي نحن بصدده - سحب مسؤولية السلطة التنفيذية على مجالات الإعلام والثقافة والفن، لتوضع أمور هذه الميادين بيد المهنيين. ومن تضرر منها أو فيها، يمكنه اللجوء إلى القضاء. أما المنع خارج نطاق القضاء، فمهما كانت مبرراته فهو تعسفيا، لأنه لا يمنح للممنوع فرصة الدفاع عن نفسه!