رغم أن الدستور المغربي قد نص في فصله 27 على أن من حق المواطنين والمواطنات الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارات العمومية، والمؤسسات المنتخبة، والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام، ورغم أن هذا الحق يعتبر دوليا من بين الحقوق التي لا تستقيم ممارسة المواطنة بمعناها الكامل في غيابه، فقد جاءت مسودة القانون الجنائي لتنسف هذا الحق الدستوري من أساسه، عبر التوسع بشكل كبير ومبالغ فيه من خلال المادة 187 في المعلومات التي تندرج ضمن أسرار الدفاع الوطني والتي لا يجب بأي حال من الأحوال الكشف عنها، لتشمل هذه الأسرار الأشياء والأدوات والوثائق والرسوم والتصاميم والخرائط والمعطيات المعلوماتية والنسخ والصور الفوتوغرافية أو أي صور أخرى أو أي وثائق كيفما كانت، والتي يمكن أن تؤدي إلى كشف معلومات عسكرية أو ديبلوماسية أو اقتصادية أو صناعية. وإذا كان النقاش العمومي الذي ابتدأ منذ سنين طويلة، قد وصل إلى ضرورة سن مدونة للصحافة والنشر خالية من العقوبات السالبة للحرية، فإن مسودة القانون الجنائي قد خصصت حيزا مهما من موادها لتجريم أفعال مرتبطة أساسا بحرية الرأي والتعبير، وهو ما يعد التفافا خطيرا على ذكاء المغاربة، ويشي بنية الدولة المبيتة في استهداف الصحافة المستقلة والأقلام الحرة التي تزعج بجرأتها وخطها التحريري لوبيات الفساد والإستبداد، من خلال متابعة الصحفيين والكتاب والمدونين ورسامي الكاريكاتير بمواد القانون الجنائي عوض مدونة الصحافة والنشر. ورغم أن مصطفى الرميد وزير العدل والحريات قال يوم الثلاثاء 31 مارس 2015، أن الملك قد أمره بتجنب متابعة أي مواطن مغربي حتى لو تحدث عنه بسوء، وذلك على هامش ورشة من تنظيم مركز "كارنيغي للشرق الأوسط"، حول "إصلاح منظومة العدالة في العالم العربي"، فإن مسودة القانون الجنائي قد تضمنت عقوبات مشددة في حق من يوجه إهانة للملك ولولي العهد بل وحتى للأسرة الملكية، هذا دون أن يتم توضيح ما تعنيه كلمة (إهانة) الفضفاضة وما يندرج تحتها، ليظل كل انتقاد لسياسة اعتمدها الملك أو قرار اتخذه باعتباره رئيس الدولة قد يقود إلى السجن من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من 5.000 إلى 50.000 درهم حسب ما نصت عليه المادة 179، وهو ما يعتبر نسفا لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة الذي جعله الملك نفسه مبدأ لممارسة الحكم بالمغرب في خطاب 09 مارس 2011، ويشكل ضربة قوية في وجه حرية الرأي والتعبير بالمغرب، كما نص على ذلك الدستور وكل المواثيق الدولية التي صادقت عليها الدولة المغربية. وإذا كان تتبع عمل الحكومة أو البرلمان أو غيرهم من مؤسسات الدولة، من صميم عمل الصحفيين والإعلاميين، وهو ما يجعلهم يتربعون على عرش السلطة الرابعة، فإن هذا التتبع وبمبرر (الإهانة) الفضفاض، قد يقود إلى الحبس من شهر واحد إلى ستة أشهر وغرامة من 2.000 إلى 20.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين وفق المادة 265. كما أن نشر معلومات تراها الدولة تنطوي على سر من أسرار الدفاع الوطني وفق المادة 187 كما تم شرحها أعلاه، قد يقود الصحفي إلى المحاكمة بتهمة المس بالأمن الخارجي للدولة وفق المادة 192، وهو ما يعني تعرضه وقت السلم إلى الحبس من سنة إلى خمس سنوات والغرامة من 10.000 إلى 100.000 درهم، ووقت الحرب إلى الحبس من عشر إلى عشرين سنة. كما أن أي تعرض لرئيس دولة أو حكومة أجنبية بالانتقاد قد يقود الصحفي إلى السجن من خمس إلى عشرين سنة وقت الحرب، وبالحبس من خمس إلى عشر سنوات وغرامة من 20.000 إلى 100.000 درهم وقت السلم، والتهمة الجاهزة وفق المادة 188 هي المس بالأمن الخارجي للدولة وتعريض المغاربة للانتقام. ولعل ما يكرس هذا الاستهداف الصريح للصحافة المستقلة في مسودة القانون الجنائي، هو إصرارها على الإبقاء على عقوبة الحرمان من الكتابة وممارسة مهنة الصحافة بشكل نهائي، بل وتجاوز معاقبة الصحفي (المخالف) لمعاقبة المقاولة الصحفية برمتها، وذلك بالإغلاق النهائي أو المؤقت، أو حجب الموقع الإلكتروني، وذلك ما نصت عليه المادة 1-36، وهو ما يعيد للأذهان فصلا حزينا من فصول محاكمة الصحافة المستقلة بالمغرب، حين تم سنة 2005 إغلاق أسبوعية "دومان ماغازين" والحكم على الصحفي علي المرابط بالمنع من الكتابة وإصدار الجرائد لمدة عشر سنوات، في حكم لازال يعتبره العالم هو الأغرب من نوعه في تاريخ الصحافة العالمية. -رئيس مركز الحريات والحقوق