"ما قدهم الفيل زيدهوم الفيلة".. هارون الرشيد والسلطان الحسن الأول    ‬برادة يدافع عن نتائج "مدارس الريادة"    الدورة ال 44 لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب بالمنامة ...المغرب يشارك في فعاليات حدث رفيع المستوى حول الأسر المنتجة وريادة الأعمال    مجلس النواب يصادق على مشروع قانون الإضراب    المخرج شعيب مسعودي يؤطر ورشة إعداد الممثل بالناظور    أكرم الروماني مدرب مؤقت ل"الماص"    الجيش الملكي يعتمد ملعب مكناس لاستضافة مباريات دوري الأبطال    تبون يهدد الجزائريين بالقمع.. سياسة التصعيد في مواجهة الغضب الشعبي    حصيلة الأمن الوطني لسنة 2024.. تفكيك 947 عصابة إجرامية واعتقال 1561 شخصاً في جرائم مختلفة    بركة: أغلب مدن المملكة ستستفيد من المونديال... والطريق السيار القاري الرباط-البيضاء سيفتتح في 2029    وزير العدل يقدم الخطوط العريضة لما تحقق في موضوع مراجعة قانون الأسرة    الحصيلة السنوية للمديرية العامة للأمن الوطني: أرقام حول المباريات الوظيفية للالتحاق بسلك الشرطة        الاعلان عن الدورة الثانية لمهرجان AZEMM'ART للفنون التشكيلية والموسيقى    أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية .. رأي المجلس العلمي جاء مطابقا لأغلب المسائل 17 المحالة على النظر الشرعي        البيضاء: توقيف أربعيني متورط في ترويج المخدرات    هولندا: إدانة خمسة أشخاص في قضية ضرب مشجعين إسرائيليين في امستردام    آخرها احتياطيات تقدر بمليار طن في عرض البحر قبالة سواحل أكادير .. كثافة التنقيب عن الغاز والنفط بالمغرب مازالت «ضعيفة» والاكتشافات «محدودة نسبيا» لكنها مشجعة    الصناعة التقليدية تجسد بمختلف تعبيراتها تعددية المملكة (أزولاي)    المغرب يستورد 900 ألف طن من القمح الروسي في ظل تراجع صادرات فرنسا    جمهور الرجاء ممنوع من التنقل لبركان    وزارة الدفاع تدمج الفصائل السورية    مراجعة مدونة الأسرة.. المجلس العلمي الأعلى يتحفظ على 3 مقترحات لهذا السبب    الدورة العاشرة لمهرجان "بويا" النسائي الدولي للموسيقى في الحسيمة    العلوم الاجتماعية والفن المعاصر في ندوة بمعهد الفنون الجميلة بتطوان    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    اليوم في برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية : البحاثة محمد الفاسي : مؤرخ الأدب والفنون ومحقق التراث    تفاصيل الاجتماع الأول لفدرالية الصحافة الرياضية بالمغرب    يوسف النصيري يرفض عرض النصر السعودي    الشبكة الدفاع عن الحق في الصحة تدعو إلى التصدي للإعلانات المضللة        توقيع اتفاقية بين المجلس الأعلى للتربية والتكوين ووزارة الانتقال الرقمي    "أفريقيا" تطلق منصة لحملة المشاريع    إلغاء التعصيب ونسب الولد خارج الزواج.. التوفيق يكشف عن بدائل العلماء في مسائل تخالف الشرع ضمن تعديلات مدونة الأسرة    أول دواء مستخلص من «الكيف» سيسوق في النصف الأول من 2025    مجلس الحكومة يتدارس أربعة مشاريع مراسيم    الملك يشيد بالعلاقات الأخوية مع ليبيا    ما أسباب ارتفاع معدل ضربات القلب في فترات الراحة؟    الإصابة بالسرطان في أنسجة الكلى .. الأسباب والأعراض    نظرية جديدة تفسر آلية تخزين الذكريات في أدمغة البشر    العصبة تكشف عن مواعيد مباريات الجولة ال17 من البطولة الاحترافية    "فيفبرو" يعارض تعديلات "فيفا" المؤقتة في لوائح الانتقالات    الإعلان عن تشكيلة الحكومة الفرنسية الجديدة        عودة نحو 25 ألف سوري إلى بلدهم منذ سقوط نظام الأسد    مستشار الأمن القومي بجمهورية العراق يجدد موقف بلاده الداعم للوحدة الترابية للمغرب        "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    المغرب يشارك في أشغال الدورة الأولى لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب بالرياض    اختطاف المخيم وشعارات المقاومة    تقديم «أنطولوجيا الزجل المغربي المعاصر» بالرباط    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إصلاح التعليم يقزم الأمازيغية والحرف اللاتيني سلاح ضروري
نشر في هسبريس يوم 30 - 05 - 2015

منذ أيام، قدم السيد عمر عزيمان رئيس "المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي" (بالأمازيغية: Aseqqim Afellay n Usegmi d Usmutteg d Tarezzut Tussnant) أو اختصارا بالأمازيغية: SFSSRS، (قدم السيد عزيمان) تصورا محددا عن توجهات الدولة حول إصلاح التعليم (ما بين 2015 و2030) من ضمنه ما أسماه ب"هندسة لغوية جديدة" تتضمن "التعددية اللغوية" و"التناوب اللغوي" الذي يبدو أن الدولة المغربية سائرة إلى تبنيه جزئيا أو كليا فيما يخص تدريس اللغات وتدريس بعض المواد العلمية بلغات معينة.
وفيما يخص هذه السياسة اللغوية "التعددية التناوبية" الجديدة تتلخص رؤية المجلس الذي يرأسه السيد عمر عزيمان في ما يلي:
- اعتبار العربية "لغة أساسية". (وهذا يرمز إلى إبقاء العربية على ما هي عليه)
- اعتبار الأمازيغية "لغة تواصل". (وهذا يرمز إلى إبقائها في الطابع الشفوي الاستئناسي)
- اعتبار الفرنسية "لغة انفتاح". (وهذا يرمز إلى إبقاء الفرنسية كلغة التعليم والاقتصاد الأساسية في المغرب واحتفاظها بمكانتها)
- توسيع مجال الفرنسية إلى التعليم الأولي (ما قبل الابتدائي – أي فرنسة كاملة للطفل المغربي)
- إدخال الإنجليزية انطلاقا من الأولى إعدادي. (تأكيد على المرتبة الثانية للإنجليزية خلف الفرنسية)
- تدريس بعض المجزوءات في بعض المواد بالفرنسية انطلاقا من الأولى إعدادي.
- تدريس بعض المجزوءات في بعض المواد بالإنجليزية انطلاقا من الأولى ثانوي تأهيلي.
"التعددية اللغوية" مفهوم واضح ولكن "التناوب اللغوي" مصطلح غامض نوعا ما، حيث قد يعني "التناوب بين الفرنسية والإنجليزية" أو "التناوب بين العربية والفرنسية" أو الشيئين معا ولكن من الواضح أنه لا يعني "التناوب بين الأمازيغية ولغة X".
لا يبدو أن الأمازيغية لها محل من الإعراب في مخططات الدولة الاستراتيجية. الأمازيغية مجرد كلام تحشو به الدولة تقاريرها ولا توجد نية حقيقية لدى الدولة ومؤسساتها لجعل الأمازيغية لغة تعليم وتنمية وإنما تعاملها كمادة مدرسية معزولة لا دور لها في أية استراتيجية تنموية أو تعليمية. أما أغلب المدافعين عن الأمازيغية فإنهم خاملون نائمون لا حيلة ولا مقترحات ولا ينتجون شيئا سوى الكلام المطاط الفارغ والدفاع عن الشكليات مثل تيفيناغ على لوحات الشوارع والنقود وطوابع البريد والقانون التنظيمي.
الأرجح هو أن الدولة عبر مؤسستها التابعة لها وهي "المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي" Aseqqim Afellay n Usegmi d Usmutteg d Tarezzut Tussnant تقصد هنا "التناوب" بين الفرنسية والإنجليزية في التعليم ولا تقصد التناوب بين العربية والفرنسية، لأن هذا الأخير فشل فشلا ذريعا طيلة نصف القرن الماضي. ومن المؤكد أن الدولة لا تقصد التناوب بين العربية والإنجليزية لأن مصيره هو كمصير التناوب بين العربية والفرنسية: الفشل الذريع. وكذلك لا تقصد التناوب بين الأمازيغية ولغات أخرى لأن الدولة لا تنوي حتى تعميم الأمازيغية على جهة اقتصادية واحدة بكل مدارسها الثانوية والإعدادية والابتدائية وجامعاتها، وإنما يبدو أن الجميع متواطئ على إبقاء الأمازيغية قابعة في التعليم الابتدائي فقط.
إذا كانت الدولة قد نجحت في تعميم الأمازيغية بحرف تيفيناغ على 12% من المدارس الابتدائية المغربية في مدة قدرها 10 سنوات (في بعض المستويات الابتدائية فقط) فكم ستستغرق تغطية ال88% المتبقية من المدارس الابتدائية بمادة الأمازيغية؟! ومتى سيأتي دور الإعدادي ثم الثانوي إذا بقيت المنهجية التقليدية هكذا وبهذه الوتيرة؟!
بعملية حسابية بسيطة سنستنتج أن الدولة تغطي 1.2% من المدارس الابتدائية في كل عام بمادة اللغة الأمازيغية (رغم أن "التغطية" لا تشمل كل أقسام ومستويات المدرسة الابتدائية المعينة). وبالتالي فتغطية الابتدائي وحده بالأمازيغية بهذه الوتيرة ستتطلب في المجموع حوالي 83 عاما انقضت منها حوالي 10 أعوام. وبالتالي فهناك حوالي 73 سنة إضافية ضرورية لتغطية ال88% المتبقية من المدارس الابتدائية حسب الوتيرة الحالية (دون أن نأخذ بعين الاعتبار بناء مدارس جديدة سنويا والتزايد الديموغرافي وتزايد أعداد مدارس القطاع الخاص). وحتى لو افترضنا أن مجهودات الدولة ستتضاعف في المستقبل القريب فسنحتاج إلى 35 عاما أو حتى 25 عاما إضافيا لتغطية الابتدائي فقط في أكثر التقديرات تفاؤلا. لم نبدأ بعد في التفكير في الإعدادي والثانوي. ولم نبدأ بعد في التفكير في تدريس المواد العلمية بالأمازيغية.
لا يمكن الخروج من هذا البطء القاتل إلا بتغيير منهجية تعميم الأمازيغية عبر إدخالها في الثانوي وفي الإعدادي بشكل متزامن من الآن دون انتظار تغطية الابتدائي أولا.
1) ارتباك الدولة حول الإنجليزية:
الدولة تعلم جيدا أن لغة العلم والتكنولوجيا الحقيقية هي الإنجليزية وستبقى كذلك لمدة طويلة في المستقبل عبر العالم (بل إن نفوذها عالميا يتزايد ولا يتناقص)، وفي نفس الوقت لا تستطيع الدولة رمي الفرنسية في صندوق المهملات لسببين أولهما هو النفوذ الفرنسي في المغرب وثانيهما هو أن المغرب بأكمله إدارة وتعليما مضبوط على اللغة الفرنسية التي هي لغة رسمية حقيقية للمغرب على أرض الواقع لا ينقصها إلا الترسيم الدستوري. ولم يصدر عن الدولة أي شيء يدل على نيتها إزالة الفرنسية بل هي على العكس توسع مجال الفرنسية في كل الاتجاهات. ويبدو أن إدخال الإنجليزية يؤدي إلى توسيع مجال الفرنسية أكثر وليس إلى تقليصه!
لى افتراض وجود الإرادة السياسية، يمكن التخلص من الفرنسية (والتخلص من عبئها على الميزانية وعلى التلميذ) بشكل متدرج سلس في المدارس والجامعات وتعويضها بالإنجليزية دون أن يؤثر ذلك على سير الإدارات والمؤسسات الحالية. فالتخلي عن الفرنسية لا يجب أبدا أن يكون فوريا. والتغييرات الحاصلة في التعليم الابتدائي والثانوي ليست لها أية تأثيرات فورية على الاقتصاد والإدارة وإنما لها تأثيرات مستقبلية. ولكن الدولة المغربية غارقة في الأمر الواقع (أي غارقة في سيطرة الفرنسية) فتختار أن تستمر في تدريس الفرنسية منذ الابتدائي بل وتريد توسيع مجال الفرنسية أكثر بتدريس مواد علمية بالفرنسية في الإعدادي والثانوي!
أما موقف الدولة من الإنجليزية فهو مرتبك، حيث تفهم الدولة أن الإنجليزية هي لغة العلم والتقنية والاقتصاد والتواصل العالمي لذلك تحاول الاعتراف بذلك (من أجل اللحاق بالصومال وأوغندا والسويد والدانمارك ونيجيريا وروسيا الذين يدرّسون الإنجليزية منذ غابر الأزمان) ولكن الدولة تقرن توسيع مجال الإنجليزية بتوسيع مجال الفرنسية بشكل مساوٍ أو أكبر!
تحاول الدولة المغربية اللحاق بالعالم الذي يستعمل بأكمله الإنجليزية عبر إدخال الإنجليزية وتدريس بعض المواد بها بشكل محدود انطلاقا من الثانوي، وفي نفس الوقت تزيد الدولة من مساحة الفرنسية وكأنها تحاول التكفير عن خطيئة إدخال ضرة للفرنسية في التعليم. وبالتالي يصبح دخول الإنجليزية في التعليم المغربي يعني مزيدا من الفرْنَسَة وليس تقليلا منها. الدولة المغربية تحاول الموازنة بين الضرتين (الفرنسية "مولاة الدار" والإنجليزية "مولاة الدنيا") عبر سياسة "التناوب اللغوي". إذن فالمقصود هنا من طرف المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي هو (على الأرجح) التناوب بين الفرنسية والإنجليزية، رأفة بالفرنسية وتكيفا مع طوفان الإنجليزية الماحق.
هناك من يقولون أن قدر المغرب هو مع الفرنسية لأنها لغة تسيطر على منظومة الإدارة والتعليم العالي خصوصا شقه العلمي والاقتصادي (رغم وجود تجربة جامعة الأخوين النخبوية الأنجلوفونية التي يتهافت عليها أبناء طبقة النبلاء وطبقة البورجوازيين!). ويعتبر بعض المغاربة أن التخلي عن الفرنسية لصالح الإنجليزية مكلف وغير محسوب العواقب. ويمكن تلخيص ذلك الاتجاه في ما يلي:
- "لا يجب هدم التراكم والبدء من الصفر مع الإنجليزية".
- "المغرب لا يستطيع الانتقال إلى الإنجليزية فورا في الظروف الحالية".
- "هناك نقص في المعلمين والأساتذة المكونين إنجليزيا".
- "يجب إعداد التلميذ المغربي علميا بالفرنسية باكرا لكي يكن مستعدا للتعليم الجامعي المغربي المفرنس والشركات المفرنسة والإدارة المغربية المفرنسة".
وكل هذا كلام معقول طبعا. ولكن الحقيقة هي أن إصلاح التعليم لا يعطي أكله ومردوده فورا كما نتخيل. وإنما لن تظهر نتائجه الكاملة إلا في المستقبل أي بعد "دورة تعليمية كاملة"، بعد "جيل تعليمي كامل مدته 15 عاما من التحضيري إلى الجامعة". وبالتالي فلا حاجة إلى تغيير كل الأشياء فورا، فذلك غير ضروري وغير نافع وغير ممكن في كل الأحوال. ولهذا فالحل المنطقي هو البدء من الآن في إدخال الإنجليزية تدريجيا وإزالة الفرنسية تدريجيا، ونقل الوزن من جهة إلى أخرى بالتدريج دون خسائر. التغيير التدريجي لا يهدد "سير المغرب" حاليا بإداراته وشركاته لأن اكتماله ونتائجه لن تظهر إلا في المستقبل.
المشكل هو أن ما تنوي الدولة فعله حاليا (من الآن إلى 2030) هو إدخال الإنجليزية تدريجيا وتوسيع مجال الفرنسية أكثر فأكثر. ولأنه لا يمكن توسيع مجال أي شيء دون قضم مجال شيء آخر فإنه من الواضح أن توسيع مجال الفرنسية وتوسيع مجال الإنجليزية وتقليص مجال العربية بشكل جد طفيف في بعض المواد العلمية في الإعدادي والثانوي مع الاحتفاظ بإجباريتها من التحضيري إلى الباكالوريا وتدريس بقية المواد بها، سيعني أن المجال الذي سيتقلص وينكمش أكثر هو المجال (الافتراضي) للأمازيغية في التعليم. هذا يعني أن الأمازيغية قد سُلِبَ حقُّها قبل أن تحصل عليه!
توسيع مجال الفرنسية وتوسيع مجال الإنجليزية معا سيؤديان إلى استهلاك وابتلاع مجال الأمازيغية، لأن الدولة المغربية لا تريد التضحية بالفرنسية في سبيل الإنجليزية. بينما الشيء المطلوب والصحيح هو تقليص مجال الفرنسية تدريجيا وتوسيع مجال الإنجليزية تدريجيا، لكي يكون مجموع توسع الإنجليزية (+) وتقلص الفرنسية (-) يساوي (=) صفرا، لكي يبقى هناك مجال للأمازيغية.
2) كيف يمكن إدخال الإنجليزية وإزالة الفرنسية تدريجيا؟
لا يختلف عاقلان حول أن المغرب خسر الكثير ويخسر الكثير بسبب صومه عن الإنجليزية وتقوقعه داخل الفرنسية. لا داعي لذكر فضائل الإنجليزية ونقائص الفرنسية. فكل ذلك معلوم للقاصي والداني.
أولا وقبل كل شيء يجب أن يتم الانطلاق من ضرورة إخراج الفرنسية تماما من التعليم الابتدائي بنسبة 100% في ظرف 10 أو 15 عاما بشكل تدريجي يبدأ من الآن. يجب أن يكون الهدف هو الاقتصار في الابتدائي على ثلاث لغات إجبارية وهي: الأمازيغية، العربية، الإنجليزية. ويجب أن يكون المبدأ العام هو تدريس الأمازيغية والعربية انطلاقا من التعليم الأولي ثم من السنة الأولى ابتدائي إلى غاية آخر سنة في الثانوي بنفس العدد من الساعات، والبدء في تدريس الإنجليزية انطلاقا من الثالثة أو الرابعة ابتدائي إلى غاية آخر سنة في الثانوي بنفس العدد من الساعات المخصصة للأمازيغية والعربية.
ولكن هذا لن يتأتى بشكل فوري طبعا، لوجود جيش من معلمي الابتدائي وأساتذة الثانوي المكوَّنين فرنسيا وعربيا فقط. لذلك يجب إلغاء الفرنسية وإدخال الإنجليزية والأمازيغية بجانب العربية في جزء من المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية بما هو متوفر من موارد وكوادر بشرية أنجلوفونية وأمازيغوفونية. وفي بقية المدارس يتم الاستمرار في النظام القديم إلى أن تتوفر الموارد البشرية الجديدة.
ومن الآن يجب البدء في برامج تكوين مستمر للمعلمين بالإنجليزية والأمازيغية عبر عام أو عامين أو 3 أعوام من أجل إعدادهم لتدريس الإنجليزية والأمازيغية للتلاميذ في السنوات القليلة المقبلة. ويجب أن تكون اللغة الأجنبية الإضافية (الإسبانية أو الألمانية أو الإيطالية) في المستوى الثانوي طوعية، أي أن يحق للتلميذ أن يختار التخلي تماما عن دراسة اللغة الأجنبية الإضافية لكي يركز على المواد الأهم. وكذلك يجب الاشتغال تدريجيا على نقل الشعب العلمية والاقتصادية الجامعية إلى الإنجليزية من الآن بدءا بالأسهل نحو الأعقد، والاستفادة من تجربة جامعة الأخوين في إفران.
وعلى مستوى الجامعات يجب أيضا توفير حصص الدعم في اللغة الإنجليزية بشكل دائم للطلبة الجامعيين من أجل مسح أي نقص في الإنجليزية راكموه في الابتدائي والثانوي. إذن كله ممكن بالتدريج. وهكذا يمكن في هذه المرحلة الانتقالية أن يكون مثلا الطب يدرّس في الجامعة A بالفرنسية وفي الجامعة B بالإنجليزية. أما تدريس المواد العلمية في الجامعات بالأمازيغية والعربية فهو شيء بعيد المنال في المدى المنظور لانعدام بنية البحث العلمي في المغرب وقصور اللغتين الأمازيغية والعربية في مجال العلوم الدقيقة. وتبقى الإنجليزية الخيار الأكثر نفعا ومنطقية في هذا المجال.
كما أن وزارة التعليم العالي مطالبة الآن بتحمل مسؤوليتها في البدء التدريجي بتدريس مادة اللغة الأمازيغية في الجامعات بشكل إجباري لكل الطلبة (مهما كانت شعبهم) لمدة ساعة أو ساعتين أسبوعيا مثلا. فترسيم الأمازيغية في الإدارات والمؤسسات مستحيل استحالة كاملة إذا لم يكن المجازون الجامعيون (علميا واقتصاديا وأدبيا) يستطيعون كتابة الأمازيغية وقراءتها.
3) تدريس وتعميم الأمازيغية بالحرف اللاتيني ضرورة ضاغطة:
إذا أردنا للأمازيغية أن تكون لها وظيفة حقيقية في المدى القصير كلغة رسمية وأن تكون لغة قادرة على منافسة "لغات التناوب" وبقية التقليعات الأخرى الذي سيجود بها الزمان، فيجب تسليحها بالحرف القوي الذي يمكنها من الانتشارية ويسهل تدريسها ونشرها بين شباب الثانويات والجامعات ويسرّع إدماجها في التعليم الثانوي وفي الاستراتيجيات الجديدة التي تخطط لها الدولة وفي مؤسسات وإدارات الدولة.
نجاح إدماج الأمازيغية في الثانوي (وهو مستوى دراسي حساس وحاسم في حياة التلميذ/الطالب) رهين باستعمال الحرف اللاتيني لكي يسهل على تلاميذ الثانوي في هذا الجيل أن يكتسبوا الأمازيغية بسرعة خصوصا أن أغلبيتهم الساحقة لم تدرسها من قبل.
لقد برهنت الدولة لحد الآن عن نظرتها الفولكلورية إلى الأمازيغية بتيفيناغ. ورأينا ذلك في اللهجة التي استخدمها المجلس الأعلى في ما ظهر من معلومات حول نظرته إلى الأمازيغية. حيث ظهرت تلك اللهجة كمحاولة لتطييب الخواطر وإفهام الناس بوجود مساواة بين الأمازيغية من جهة والعربية والفرنسية من جهة أخرى في سياسات الدولة، بينما الحاصل عمليا هو تحييد وإبعاد الأمازيغية بهدوء عن المخططات الاستراتيجية الحقيقية.
وستستمر هذه السياسة التحييدية ضد الأمازيغية بسبب توسع مجال الفرنسية والإنجليزية كالبالون المنفوخ الذي يلتهم كل الفضاء الذي يحيط به وخصوصا فضاء الأمازيغية. أما انتشار الأمازيغية فبطيء جدا لكونها مربوطة بتيفيناغ حصريا. وتيفيناغ ضعيف الانتشار وسيبقى ضعيف الانتشار لأمد طويل وبالتالي فسينعكس ذلك على الأمازيغية نفسها. وفي نفس الوقت برهنت الدولة عن ارتفاع اهتمامها بالإنجليزية وارتفاع قلقها على مستقبل الفرنسية بالمغرب فتمظهر سلوكها في توسيع مجالهما معا.
وبالإضافة إلى ذلك تستمر الدولة في تهدئة أنصار العربية من الإسلاميين والعروبيين عبر ضمان إجبارية العربية من التحضيري إلى الباكالوريا وضمان استمرار معظم الشعب الأدبية في الجامعات ومعظم المواد في الثانوي والابتدائي بالعربية، رغم أنه من الواضح أن الدولة أصبحت تنظر إلى العربية كعبء ثقيل عليها بسبب فشل العربية على جميع المستويات العلمية وفشل سياسة تعريب المواد العلمية في الثانوي والإعدادي وهذا من الأسباب التي جاء من أجلها هذا الإصلاح التعليمي في حد ذاته.
كل هذا يعني أن حصة الأسد من التمويلات والميزانيات الحكومية سيتم ضخها في الفرنسية والإنجليزية والعربية عبر برامج التكوين والإصلاح. أما الأمازيغية فستبقى في المؤخرة عبارة عن فولكلور تعليمي سماه السيد عزيمان ب"لغة تواصل". ويساعد ضعف انتشار تيفيناغ وانعدام قيمته السوقية وانعدام قيمته العملية والوظيفية في تبرير الدولة إهمالها مشروع تعميم الأمازيغية وصرف النظر عن إدخال الأمازيغية في الثانوي وحبس الأمازيغية في المستوى الابتدائي الذي لا تدرس الأمازيغية إلا في 12% من مدارسه.
وفي الأخير ستنتقل الدولة في المستقبل القريب إلى تخريجة جديدة وهي: تدريس الأمازيغية فقط في المناطق الناطقة بالأمازيغية وجعل الأمازيغية اختيارية في المناطق الأخرى. هذا هو الطريق الذي يؤدي إليه تيفيناغ ويؤدي إليه توسع مجال الفرنسية والإنجليزية معا بالمغرب. فازدحام التعليم بالعربية والفرنسية والإنجليزية واللغة الأجنبية الإضافية (إسبانية / ألمانية / إيطالية) في الثانوي (أي تعاظم دور الحرف اللاتيني أكثر فأكثر وحفظ مكانة الحرف العربي) سيسهل على الدولة المغربية التذرع بارتفاع الضغط اللغوي على التلميذ وانعدام فائدة الأمازيغية بتيفيناغ.
ومن سيدفع الثمن؟ العربية؟ لا. الإنجليزية؟ لا. الفرنسية؟ طبعا لا. الأمازيغية هي من سيدفع الثمن. وبحرف تيفيناغ (الضعيف الانتشار) ستدفع الأمازيغية الثمن مضاعفا عبر بطء برامج التعميم والترسيم، وشبه استحالة إدخال الأمازيغية في الثانوي في أي مدى منظور، وإعطاء الأولوية للفرنسية والإنجليزية والعربية ولغات أوروبية أخرى كالإسبانية في الثانوي وفي الجامعات. بالإضافة إلى التقليعات الجديدة المتمثلة في الباكالوريات الفرنسية والإنجليزية والإسبانية.
من أجل تحييد الأمازيغية سيتذرعون بالكثير: "العربية لغة الإسلام". "الفرنسية متجذرة في الإدارة والاقتصاد والتعليم العالي". "الإنجليزية لغة العلم والاقتصاد العالمية". "اللغات الأوروبية (الإسبانية والألمانية والإيطالية) أيضا مهمة للانفتاح وقطاع السياحة". "تيفيناغ ضعيف الانتشار وليس مطلوبا في سوق الشغل". "الأمازيغية ضعيفة الانتشار كتابيا وليست مطلوبة في سوق الشغل". إذن، سيسوغون تأجيل الأمازيغية ثم تحييد الأمازيغية شيئا فشيئا عبر فرض أمر واقع و"ازدحام لغوي" و"تضخم لغوي" يجعل الأمازيغية تبدو كعبء على الجميع. وهذا سيسهّل إبقاء الأمازيغية في "حالة شرود" Hors-jeu أو Offside (كما في كرة القدم بالضبط).
كيف يمكن تفادي استمرار سقوط الأمازيغية في "حالة شرود" Hors-jeu؟ لا يمكن ذلك إلا عبر 3 خطوات أساسية مترابطة:
- الخطوة الأولى: إدخال الأمازيغية بشكل متزامن في المستويات التعليمية الثلاث الثانوي والإعدادي والابتدائي، مع إعطاء اهتمام خاص لتعميم الأمازيغية في التعليم الثانوي لأنه بوابة التعليم الجامعي.
- الخطوة الثانية: إدخال مادة اللغة الأمازيغية بالتدريج كمادة إجبارية في الكليات الجامعية (ساعة أو ساعتين أسبوعيا مثلا) من أجل إعداد طلائع جيل جامعي جديد يتقن الأمازيغية ليساهم في ترسيمها في الإدارات واستعمالها في التنمية.
- الخطوة الثالثة: استعمال الحرف اللاتيني في تدريس الأمازيغية لتسهيل وتسريع تغطية التعليم الثانوي وبقية المستويات في أقصر مدة وبأعلى المردوديات، عبر تسهيل اكتساب الطلبة للأمازيغية بنفس الطريقة التي يكتسبون بها الألمانية أو الإسبانية أو الإيطالية أو الإنجليزية في الثانوي والجامعات.
إذن تفادي مصيدة "الشرود" Hors-jeu يمر عبر تقريب الأمازيغية من كل أمكنة وخطوط ومستويات تواجد اللغات الأخرى التي تعتني بها الدولة المغربية. يجب إخراج الأمازيغية من قوقعة التعليم الابتدائي. ما دامت الأمازيغية متقوقعة في المدارس الابتدائية فقط فلن يكون هناك أي تقدم في المدى المنظور.
الحرف اللاتيني وسيلة وليس غاية. ومهمته هي تسريع إدخال الأمازيغية في التعليم الثانوي كلغة إجبارية بسرعة وبأقل التكاليف وأعلى المردوديات. فهذا الحرف يتقنه التلاميذ والطلبة المغاربة وسيسهل عليهم تعلم الأمازيغية في وقت قصير واكتسابها وتملكها كما يكتسبون الإنجليزية والألمانية والإسبانية والإيطالية بسرعة بفضل إتقانهم الحرف اللاتيني. كما أن تدريس الأمازيغية بالحرف اللاتيني من الآن سيجعلها في موقع تنافسي قوي مع الفرنسية والإنجليزية في النظام التعليمي المغربي ويجعلها لغة قادرة على اقتحام المواد العلمية في المدى المنظور وقادرة على الاشتغال كلغة رسمية في الإدارات والوزارات في السنوات القليلة القادمة، بدل رهن الأمازيغية بحرف تيفيناغ وانتظار 50 سنة لكي ينتشر تيفيناغ في المغرب.
4) خلاصات جوهرية:
- الدولة متشبثة بالفرنسية، بل تنوي توسيع مجالها على كل المستويات.
- الدولة تنوي إدخال الإنجليزية تدريجيا دون المساس بمكانة الفرنسية.
- الدولة تنوي الحفاظ على مكانة العربية على ما هي عليه.
- توسيع مجال الفرنسية والإنجليزية معا يعني تقليص مجال الأمازيغية.
- الدولة سائرة إلى تصفية هادئة للأمازيغية وتحييدها عن أية وظيفة ذات معنى. وتيفيناغ يسهل عليها المأمورية عبر فلكرة الأمازيغية وتحويلها إلى "ديكور رسمي" للزينة يعلق على الإدارات والشوارع بدون أية وظيفة حقيقية أو دور في المجتمع.
- الدولة المغربية تحاول بهذه التوجه الجديد نحت شخصية مغربية جديدة فرنكو – أنجلو – عربوفونية.
- الأمازيغية توجد حاليا في "حالة شرود" Hors-jeu أو Offside. والرجوع إلى اللعبة والتنافس يتطلب إعادة تقييم كل شيء وتغيير الخيارات والمناهج والاستراتيجية.
- إنقاذ الأمازيغية من التصفية والتحييد يبدأ بالتركيز على إدخال الأمازيغية بشكل متزامن في الابتدائي والإعدادي والثانوي. مع التركيز على الثانوي لكونه بوابة التعليم العالي.
- يجب على وزارة التعليم العالي البدء التدريجي في تدريس مادة الأمازيغية إجباريا للطلبة (لساعة أو ساعتين أسبوعيا مثلا) مهما كانت شعبهم الجامعية من أجل إعدادهم ليساهموا في ترسيم الأمازيغية عمليا واستعمالها في التنمية في السنوات القليلة القادمة.
- تسريع تعميم الأمازيغية عبر كل مستويات التعليم تتطلب الانتقال من تيفيناغ إلى الحرف اللاتيني (ABCČDḌEƐFGǦƔHḤIJKLMNOQRŘṚSṢTṬUWXYZẒ - ʷ) الذي هو الحرف الأقوى بالمغرب والأقدر على خدمة وتعميم الأمازيغية في هذه الظروف وفي المستقبل المنظور.
- الحرف اللاتيني حرف رسمي للدولة المغربية تستخدمه يوميا في كل إداراتها ومصالحها. ونفوذ هذا الحرف سيزداد أكثر بازدياد نفوذ الفرنسية والإنجليزية معا في المغرب.
- اللغة الفرنسية لغة رسمية كاملة للدولة المغربية لا ينقصها إلا الاعتراف الدستوري الشكلي.
- الأمازيغية لن تصمد أمام "التناوب اللغوي" و"التضخم اللغوي" و"الباكالوريات الفرنسية والإنجليزية والإسبانية" وبقية التقليعات والمستجدات إلا بتغيير طريقة اللعب والتكيف مع الميدان.
- ترسيم الأمازيغية على أرض الواقع بشكل حقيقي (وليس بالرمزيات والديكوريات) في المدى القريب وجعلها لغة تعليم وتنمية يمر عبر تسريع تعميم الأمازيغية في الثانوي والإعدادي والابتدائي وفي الجامعات بشكل متزامن. وهذا التسريع يمر في جانبه العملي عبر استخدام الحرف اللاتيني كأداة نافعة وفعالة.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.