أعلن هنا – وأنا غير منتم إلى أي فصيل من الفصيلين المتنافرين – بأن ألقابا قبيحة صادرة من كليهما لغاية نيل كل منهما من غريمه، يعد تحريضا للتقليل من شأنه بإظهار معايبه، فلا أنا استقلالي، ولا أنا عنصر من عناصر حزب العدالة والتنمية! لكنه من واجبي أن أمارس ما عرف في الدين: ب"الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". وحتى لا تضيق حويصلة خصوم الدين بهذه العبارة، أخبر بأن من واجبي أن أمارس النقد والانتقاد والغربلة والتمحيص، كلما صدرت تصرفات طائشة شائنة عن مسؤولين، من ضمن ما يدعونه خدمة الأمة! خاصة وأن الساهرين فعلا على خدمتها مطلوب منهم التحلي بأخلاق عالية. أما أن تتحول عندهم الفضائل – وهم يتحدثون أمامها – إلى رذائل حصل الإجماع على استهجانها، فذلك والله نموذج للضعف والانحراف المفضوح المنحط البعيد عن الواجب الأخلاقي! كان مصدر هذا الواجب هو الدين، أو كان هو العقل والعادة والتجربة. فالسيد شباط لا أعرفه إلا من خلال ما يصدر عنه من تصريحات، وما تكتبه عنه الصحف باستمرار. لكن الذي يجب التنبيه عليه بخصوصه هو زعمه الصريح بأنه على معرفة وثيقة بعائلة رئيس الحكومة، وزعمه الصريح بأن أفرادها جميعهم مرضيون، وأنه هو وحده كوشيظة العظم بينهم! أو هو إن شئنا كواو عمرو فيهم! ولخطورة الاتهام الذي ساقه المسؤول الاستقلالي الحزبي، والذي يمكن أن يصبح مسؤولا حكوميا – مرة اخرى - بين عشية وضحاها في بلد، من ضمن مميزاته إسناد بعض الأمور إلى غير أهلها منذ الاستقلال حتى الآن. نقف قليلا عند المعاني اللغوية لفعل يفيد عدم الرضى، وعدم القبول بسلوكات، متى قيست بالمقبول منها، ندت عنها وانحرفت بعيدا خارجة عن الاعتدال أو الوسطية! ف"سخط" منه وعليه بكسر الخاء معناه: استاء جدا وغضب! والساخط: هو الغاضب أو المغتاظ! والسخط كمصدر: غضب شديد، وحنق، وغيظ! ومسخوط كاسم مفعول: مغضوب عليه! فمادة السخط وتوابعها ومشتقاتها إذن، تحيل جميعها على الغيظ والحنق، والامتعاظ، والاغتياظ، مما يدفع إلى التساؤل عما إذا كان وصف شباط لبنكيران بشخص مغضوب عليه وغير مرغوب فيه من طرف عائلته، وصفا يرضي ضمير الأمة، بحيث إنه يجلب للواصف مزيدا من المكارم ومن المحامد، ويسهل عليه تحقيق ما وراء تهجمه على خصمه من أهداف سياسية غير مضمرة أوغير خافية، وإنما هي عارية مكشوفة واضحة وضوح الشمس في عز النهار؟ ومتى أصبح حال العراك السياسي والأيديولوجي كما وصفناه، فهل يعني هذا أن سلاطة اللسان بالهمز واللمز والسب والشتم، صفة من صفات العهد الجديد المتميز بحرية تبادل الاتهامات المنحطة إلى حد عنده يتعلم الجيل الحالي، والأجيال التي تليه، كيفية مواجهة خصومه في الرأي دون أن يقف في وجهه أي اعتراض؟ بحيث يجد أحفادنا أمامهم مدرستين: ممثل الأولى لا يتردد في وصف ممثل الثانية بالمسخوط؟ وممثل الثانية لا يتردد في وصف معارضيه تحت قبة البرلمان ب"السفهاء"؟ ثم يصر على ألا يعتذر لمن صب عليهم جام غضبه بعد اتهامه من طرفهم بداعشي الهوية. لكنه - كي يكشف عن ضعفه ومن خلال زلة لسانه – اعتذر، غير أن الأمور سوف تسوء أكثر إن لم يحن هامته ويعترف بخطئه!!! لا أريد هنا ابداء تعاطفي مع رجل عاشرته وعرفته معرفة جيدة عن قرب! فكتابي "وسقط القناع عن أحزابنا المغربية لتحرير الأتباع" والمطبوع عام 1983م، كان مرجعا من ضمن مراجع طلبة جماعة "الإصلاح والتجديد"، مما يعني أن علاقتي برئيس الحكومة الحالي، لم تكن مجرد تبادل تحية عابرة، وإنما تميزت بتبادل الزيارات والآراء، فقد دأب على زيارتي رفقة الراحل عبد الله باها إلى منزلي، أما زيارتي له في بيته فكانت محدودة. ولم أتردد في تقديم العون له كي يرتقى إلى ما ارتقى إليه اليوم! وليقابل الصحفيون الجادون المولعون بالجديد: محمد خالدي المنفصل عن حزب المصباح لأسباب عبر عنها في حينه. فسوف يسمعون منه ما لم أقدم بعد على تسليط أضواء عليه. إذ علاقتي بالراحل الدكتور الخطيب انطلقت من أواخر سبعينيات القرن الماضي. وبنكيران حينها لا يزال يدق الأبواب بحثا عن تأسيس حزب، أو بحثا عمن يأويه أو يتبناه في حزبه... أقول: لا أبحث عن إنصافه لكون شباط واحدا من المعتدين عليه – والمعتدون عليه أو منتقدوه على الأصح كثر – وإنما أعلن انضمامي إلى الناقمين (=المتأففين) من تصرفاته، فقد كنت آخذ عليه تسرعه في الانتقال إلى المرحلة المدنية، وأحثه على المكوث طويلا في المرحلة المكية. لكنه – للأسف الشديد – لم يكن ليستوعب ما أطرحه عليه من أفكار كي يصبح النظام الإسلامي حقيقة واقعية بعد صبر طويل وجهاد متصل، لا مجرد أحلام أبعد ما تكون عن التحقيق، ولكي لا يكون هو ومن معه مجرد أداة لخدمة العلمانية والعلمانيين بامتياز!!! فقد أخبرته أن مجرد الدخول في اللعبة السياسية للتنافس على الكراسي والمجالس، اعتراف مباشر بأن النظام العلماني مشروع! كسب مشروعيته باستفتاء معلن للشعب المغربي مع بداية الاستعمار.. أو مع بداية الاستقلال!!! وهذا ما لم يحصل!!! مما يعني أنه – وهو يبحث عمن يؤيده ومعه رفاقه في الجماعة- قد اختار الانضمام عن طواعية إلى حزب علماني الهوية. زعيمه ممن لم يلتفتوا إلى الشعب الذي كان عليهم الحصول على رأيه بخصوص ما إذا كان يريد العودة إلى النظام الإسلامي؟ أم إنه كان يريد الإبقاء على النظام العلماني الذي فرضه عليه الاستعمار والمخزن في آن واحد!!! مما يدل دلالة قاطعة على أن الأحزاب العلمانية، الوطنية منها والمولودة في فترات بمباركة الدولة العميقة، كلها ساهمت وزكت اعتماد النظرة الدونية إلى الشعب الذي لم ير أي طرف من أطرافها ضرورة الأخذ برأيه! إنني إذن خصم معارض لبنكيران ولرفاقه في الدرب، درب اختيار الانتماء السياسي لحركة إسلامية غير واعية بالخطأ التاريخي الذي وقع فيه المخزن،، وبمساعدة من يقدمون أنفسهم كزعماء لتحرير المغرب.. بينما محرروه الحقيقيون، حملة السلاح في وجه الاستعمار، لم يكونوا غير نتاج متميز من صميم الشعب، الذي ما فتئ يردد حتى الآن بكل تلقائية وبصفاء نية "واش حنا مسلمين ولا يهود"؟ نقصد المسلمين الذين يدركون ما يعنيه النظام الإسلامي الذي يعتمد أداء رسالته واقعيا على الحرية والكرامة، والأخوة والمساواة والعدل والتكافؤ.. هذه القيم التي أصيبت بالعقم في مراحل تاريخية محددة! والتي غابت عن بلداننا العربية والإسلامية منذ تعرضها للغزو الاستعماري المقيت! ثم كان أن غابت هذه المبادئ نفسها ووجوه حكام من بني بجدتنا أشبه ما تكون بوجوه المقيمين العامين في دولنا على عهد الاستعمار البغيض!!! فضلا عن كوني متأكدا قبل اليوم بأن أية حكومة إسلامية في ظل نظام علماني، لن تصل قط إلى بر الأمان! حتى ولو ساق سفينتها الربان الماهر!!! فتجربة الأحزاب العلمانية في ظل هذا النظام – وهي تجربة فاشلة – لا يتوقع أن تمثل فيه الأحزاب الإسلامية استثناء خارجا عن العادة! فالفكر الظلامي الديني كمجرد مثال، لا يسع بنكيران إلا مباركته والمساهمة في توطيد أركانه وخدمة حراس أوكاره!!! والتدخل في الشؤون الدينية – كما يقره النظام القائم – حرام عليه التدخل فيه، إنما عليه أن يفهم – وهو فاهم – بأن أي مصدر من مصادر دعم النظام المخزني، لا ينبغي المساس به! فأية حاجة إذن إلى التسارع للتنافس كما قلنا على الكراسي والمجالس والوظائف؟ وحتى إن نحن تجاوزنا مآخذنا الجوهرية على رجل الساعة عبد الإله بنكيران، فإن المنطق الأخلاقي والديني يشير إلى أنه متخرج من مدرسة دعوية: "التجديد والإصلاح"، ثم "التوحيد والإصلاح" حيث دأبت جريدة "الإصلاح" التي كان يصدرها على تزيين الصفحة الأولى بقوله تعالى على لسان نبي الله شعيب: "إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله". وهذا الإصلاح هو الذي حاولته جمعيته بطرق مختلفة. من ضمنها الدروس التي كان صاحبنا يلقيها في المساجد من حين إلى آخر،، وهذه الدروس الدينية لا يبدو أنه – سياسيا – قد استفاد منها! خاصة وأن رجال الدعوة ملزمون باتخاذ رسول الله قدوة،، ورسول الله يوصي باللين واللطف والتؤدة والصبر والصفح والعفو مع مراعاة مبدأي الولاء والبراء، دون التواني في كظم الغيظ إلى حد وصف المعارضين بالسفهاء مع التكرار الممل والأوداج منتفخة! وكأننا أمام أيل على أهبة الاستعداد لتوجيه ضربات قاضية إلى منافس له من الأيائل على أنثى في موسم التزاوج! فبدلا من الردود الانفعالية المضطربة على الخصوم، مهما اعتبر ما صدر عنهم من نابية الكلام سفاهة، كان عليه اعتماد لغة لائقة بالمقام الذي يشاهد ملايين المغاربة مباشرة كل ما يجري فيه بين العناصر المنتخبة المتحدثة باسمه! ففي القرآن الكريم والسنة النبوية دروس تحث على كظم الغيظ.. وعدم الاستسلام للغضب الذي يثار لدى الإنسان لأسباب لا عد لها ولا حصر، مع إثارة انتباه صاحبنا رئيس الحكومة إلى أن اتقاد الردود الانفعالية اللامتزنة، ترجمة مباشرة لحال غير طبيعي: إنه سيطرة المراكز العصبية السفلى على المراكز العصبية العليا في الدماغ، بحيث تكون النفس الغضبية حينها قد تجاوزت حد الاعتدال! والاعتدال كفضيلة أخلاقية علامة على النضج والاتزان. يكفي أن نؤكد بأن الشجاعة وسط عادل بين التهور والجبن،، لكن صديقنا تجاوز الشجاعة كفضيلة مطلوبة إلى الحد الذي تسبب عنده في الإساءة إلى نفسه قبل الإساءة إلى غيره. فسفه بكسر الفاء، سفها وسفاهة، معناه: جهل وطاش وأخطأ الهدف. ولهذا يقال: طاش عقله. يعني خف وتشتت وانحرف. وقد يوصف السفهاء بأنهم حمقى متسرعون في اتخاذ القرارات. دليلا على كونهم يتصرفون بدون ما تفكير وبدون ما انتباه مركزين. مما يجعلهم مخلين بالأدب والوقار والاحترام والاحتشام. ومما يجعل السفيه على العموم بذيء اللسان! رديء الخلق! عديم الحلم (=الصبر والأناة وضبط النفس). وهذا بين من قوله سبحانه: "قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين. قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين". وبما أن السفاهة حضور للانفعالات الزائدة،، وللطيش والاتزان واللامعقولية، فكيف نفرق بين الموصوفين بها وبين الواصف المنفعل الغاضب المندفع الذي لم يكن بمقدوره استحضار خلق الرسول صلى الله عليه وسلم. بحيث إن خلقه الشريف، لم يكن سوى موضوع من ضمن الموضوعات التي كان صاحبنا يلقيها على الحضور في المساجد أيام زمان! وبعلم من السلطات وبرضى من وزارة الأوقاف على عهد الحسن الثاني وعلى عهد عبد الكبير العلوي المدغري؟والحال أن سيرة سيد المرسلين مليئة بالعبر والمثلات التي تنهض دليلا على وجوب اعتماد التروي والحيطة والحذر في الردود على الخصوم، حتى إنه يمكن اعتبار التخلي عن الرد ذروة سامقة من صميم الأخلاق السامية دينيا كما يفهم الدعاة المخلصون الصادقون! لا لأن السكوت علامة الرضى، وإنما لكونه حيث يستحسن حكمة بالغة مطلوبة. خاصة وأنه ليس للأمور بصاحب من لم يفكر لها في العواقب! وباعتمادنا على كافة المعاني التي تجسد السفاهة في الواقع، وباعتبار وصف شباط لبنكيران بمسخوط عائلته سفاهة وطيشا وعلامة على قلة التدبر! وباعتبار اتهام صاحبنا من طرف عناصر برلمانية معارضة بكونه داعشي النزعة، ميالا إلى تأييد متزعمي دولة الإسلام في العراق والشام سفاهة! وباعتبار رده على معارضيه في البرلمان كذلك،،، وباعتبار السفاهة طيشا وانحرافا وغيابا للتعقل. فإن السفاهة في المسار السياسي والديني المغربي، قد انطلقت فور التوقيع على عقد الحماية. وذلك من خلال تعاون المخزن اللامشروط مع الاستعمار لهدم بنيان النظام الإسلامي الغارق في القدم من جهة، وإرساء دعائم العلمانية كنظام دخيل مفروض على الأمة من جهة ثانية. ثم استمرت السفاهة في دعم النظام العلماني وتقويته بعد رحيل الاستعمار من جهة ثالثة. ثم إن المخزن ذاته بمعية أحزاب وطنية علمانية ساهم وساهمت في دعم النظام الدخيل وتقويته وتفعيله في صورته الليبرالية المزعومة العرجاء من جهة رابعة! وذلك كله في استخفاف بالشعب الذي لم يطلب منه حتى الآن إبداء رأيه في النظام الذي فرض عليه! ثم يكون من المتوقع أن يكشف النظام ذاته عن أنيابه لمواجهة أي طلب باستفتاء الشعب كي يختار إما العودة إلى النظام الإسلامي، وإما الإبقاء على النظام الدخيل الذي فرض عليه! ثم كان أن دخل حزب العدالة والتنمية في لعبة سياسية ملغومة، جنبا إلى جنب مع المتآمرين لاستمرار العمل بالنظام العلماني، دون تخليهم عن الزعم القائل بأن المغرب دولة إسلامية،، والحال أنه لو كان كذلك،، ما جرى الحديث إطلاقا عن أحزاب إسلامية معارضة،، حزب منها في أول تجربة له فاشلة، ذاب في النظام الذي لم يستطع معارضة اعتماده على الفكر الظلامي الديني من ناحية، وعلى الفكر الظلامي السلطوي والحزبي من ناحية ثانية! البريد الإلكتروني : [email protected]