تَرَاجُعٌ واضحٌ في موقف العدالة والتنمية من الشرعية والانقلاب في مصر ينضاف إلى تراجعاته في عدد من قضايا الوطن والشعب والفقراء والصحة والتعليم والحريات وما إلى ذلك من "الشعارات الرنانة المرفوعة الزائفة الزائلة". سِيَاقُ هذه المقدمة المتشائمة العدمية التي "لم تضع يدها في العصيدة" - بِلُغَةِ الخَشَب - هو البيان "الداعم الناعم" الصادر قبل يومين من الأمانة العامة للحزب، والذي يقرر فجأة وبعد صدور حكم الإعدام في حق الإخوان؛ أن السيسي هو رئيس مصر، وأن الدكتور مرسي أضحى في خبر كان. قُلْتُ: هذا الموقف المُصَرَّحُ به دون استحياء في ما أُسَمِّيهِ أَسَفاً "بيانَ الخُذْلانِ لِلْإِخْوَان" أصبح قناعة، ولم يعد يقتصر فقط على تصريحات بنكيران التي يحلو للأتبارع تبريرها بكونها صادرة عن رئيس الحكومة الذي هو "رئيس المغاربة جميعا" مع ما يتطلبه ذلك من ضرورة الموازنة، وبالتالي فهي لا تعبر عن موقف الحزب. بيان حركة التوحيد والإصلاح لم يخرج عن ذات القناعة "المُسْتَجَدَّة"؛ حيث أدان أحكام الإعدام الجماعية الجائرة التي صدرت في حق "الرئيس المصري السابق" ومعه الشيخ القرضاوي و"من شملتهم الأحكام" بعبارات "مُتَذَبْذِبَةٍ مُتَرَدِّدَةٍ" بين كون الدكتور مرسي رئيسا منتخبا، وكونِهِ أصبح الرئيس السابق" بقوة الانقلاب وبقوة ضرورة الامتثال لِتَوَجُّهَاتِ الدولة العميقة، حيث جاء فيه: "ندين في حركة التوحيد والإصلاح أحكام الإعدام الجماعية الجائرة التي صدرت بحق الرئيس المصري السابق المنتخب محمد مرسي ومن شملته هذه الأحكام...". ولم يترك بيان الحركة طرفا دون أن يوجه له الرسالة من أجل الضغط في اتجاه إلغاء الأحكام. إلا الحكومة فإنه لم يخاطبها وكأنها لا تعنيه أو ربما هي ليست معنية في نظر الحركة، حيث أضاف البيان المُخِلّ: "بهذه المناسبة ندعو كل المنظمات الحقوقية والإنسانية والمنتظم الدولي وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي وكل الجهات المعنية، كما ندعو العلماء والمفكرين والإعلاميين وكافة أحرار العالم إلى الضغط من أجل إلغاء هذه الأحكام السياسية الظالمة". البيانان تلتهما وقفة مركزية ودعوات لوقفات محلية هنا وهناك وهو موقف لا يخرج عن أحد الاحتمالات التالية: - الأول: تذبذب وتناقض في الموقف أملتهما ضرورة الانبطاح لتوجه الدولة العميقة التي كانت منذ اليوم الأول ضد صعود الإخوان بمصر، بل وسارعت إلى تهنئة الانقلابي الدموي السيسي. - الثاني: قد تكون الوقفات عبارة عن رسائل استنكار ورفض واحتجاج ضد بياني الأمانة العامة للعدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح والمواقف المتراجعة من قضية الشرعية بمصر، وإن صح هذا الاحتمال فهو دليل حياة وأمل وممانعة ضد محاولات تمييع مواقف الإسلاميين عندما يصلون إلى الحكم، كي تكون تلك المواقف شاهدة عليهم وعلى شعاراتهم التي تصبح في خبر كان بمجرد اعتلاء الكراسي. - الثالث وهو الأرجح: محاولة امتصاص غضب القواعد وحتى غير القواعد التي استنكرت تراجع مواقف العدالة والتنمية حتى على مستوى قضايا الأمة وهي التي كانت بالأمس القريب قبل الدخول في كنف المخزن ترفع شعار رابعة وتشارك الثكالى في مصر بكاءهن على أبنائهن ودماء الشهداء. إشارات تحتاج إلى من يلتقط ويفهم ويصحح .. تحتاج إلى صحوة شرفاء الحزب ومعهم شرفاء حركة التوحيد والإصلاح الذين استسلموا لمقاعد التفرج؛ فلم نعد نسمع غير الريسوني صادحا في وجه بنكيران ... وهو بالتأكيد محتاج إلى سند .. واللبيب لا يحتاج إلى كثير تحليل .. فربما نسمع عن إبعاده كليا عما قريب كما أزيح هو من قبل وأزيح بعده العثماني. شمس الوقائع الدالة ساطعة أيها الإخوان. والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل. [email protected]