تناولت معاجم اللغة العربية المفهوم من الجذر اللغوي (أَذِنَ) قال ابن منظور: أَذِنَ بِالشَّيْءِ إِذْناً وَأُذْناً وَأَذَانَةً : عَلِمَ. وَآذِنَهُ الأَمْرَ وَآَذِنَهُ بِهِ : أَعْلَمَهُ . وآذِنْتَهُ بِكَذَا وَكَذَا، أُوذِنُهُ إِيذَاناً وَإِذْناً إِذَا أَعْلَمْتَهُ، وَأَذِنْتَ لِفُلاَنٍ في أَمْرِ كذا وكذا آذَنُ له إِذْناً. وَاسْتَأْذَنْتَ فُلاَناً اسْتِئْذَاناً . وَأَذِنْتَ : أَكْثَرْتَ الإِعْلاَمَ بِالشَّيْءِ. وَالأَذَانُ : الإِعْلاَمُ . وَآَذِنْتُكَ بالشيء : أَعْلَمْتُكَهُ. وَآذِنْتَهُ : أَعْلَمْتَهُ. قال الله عز وجل: (فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنتُكُمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ ۖ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ) الأنبياء/109. وقال تعالى. (وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) البقرة/102. أي بعلم الله. وجاء في المعجم العربي الأساسي: أذِنَ: أباح له وسمع، وإِذْنُ الله إرادته ومشيئته، والإِذْنُ : الإجازة. وقد ورد مفهوم الإذن في القرآن الكريم ( 82 مرة ) بجميع مشتقاته ، وتكرر في المجال العقدي الذي تتناوله السور المكية(32 مرة) وفي المجال التشريعي من السور المدنية(51 مرة)، حيث يتحول المفهوم من البناء العقدي الذي فيه هداية، (فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) البقرة/213، وإِخْرَاجٌ من الظلمات إلى النور (وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) المائدة/16 ، إلى البناء المجتمعي وفِعْلِ الخير ونشر القيم من خلال التربية الروحية في بيوت الله وبإذنه تعالى.( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ) النور/36 ، فالذكر والتسبيح لله يكون بالرجال، ولتربية الرجال، فيما يعطيهم هذا التسبيح المأذون فيه من نور في القلب، وهداية للعمل الصالح الذي يسعد الناس، ولذات الدَّلاَلَةِ جاءت هذه التربية في سورة النور. وبهذا المفهوم اعتبر أعلام الصوفية أن الإِذْنَ شرط في التربية والدَّلاَلَةِ على الله. قال سبحانه: (وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا) الأحزاب/46. لأن الدعوة إلى الله أمر صعب لا تتأتى إلا بإذن ومعونة من جَنَابِ قُدْسِهِ، وكم نحن اليوم بحاجة إلى هذا النور الذي يحمله من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أولياؤه وعباده الصالحون بإذنه تعالى كلما اشتدت ظلمات الأفكار المتطرفة والعقائد الفاسدة، والإسلام في حقيقته نور يُنَوِّرُ الله به قلوب عباده، ومن اختارهم لمعرفته وحمل حقيقته والدلالة عليها. وفي موضوع الجهاد يقول الحق سبحانه: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) الحج/39. قال القرطبي في تفسيره: اختلف القُرَّاءُ في قراءة ذلك، فقراء المدينة قرأوا (أُذِنَ) بضم الألف و( يُقَاتَلُونَ) بفتح التاء، بترك تسمية الفاعل في أُذِنَ، وبعض الكوفيين وعامة قراء البصرة (أُذِنَ) و (يُقَاتِلُونَ) بكسر التاء، أما الكوفيون وبعض المكيين فقرأوا (أَذِنَ) بفتح الألف بمعنى أذن الله، و(يُقَاتِلُونَ) بكسر التاء. وفي القراءة المحببة إليه قال: غير أن أحبّ ذلك إليّ أن أقرأ به: أَذِنَ بفتح الألف, بمعنى: أَذِنَ الله، و(يُقَاتِلُونَ) بكسر التاء. والإذن في الجهاد من الله فيه دلالة النصر والحفظ والتمكين في الأرض. ويعتبر جهاد النفس من أهم أنواع الجهاد، وهو أمر مطلوب لتحقيق التزكية والدخول في مقام الإحسان . قال تعالى: (لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَٰنُ وَقَالَ صَوَابًا ) النبإ/38. والكلام في المعارف الإلهية لا يكون بالإدعاء وإنما بالتحقيق، وبإذن منه تعالى فيه، لأن المأذون له في الكلام لا يقول إلا صوابا أي حَقًّا، ومن الحق قول (لاَ إِلَهَ إِّلاَّ اللهُ) وتربية الناس بها. قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: وإطلاق صفة (الرَّحْمَٰنُ) على مقام الجلالة إِيمَاءٌ إلى أَنَّ إِذْنُ الله لمن يتكلم في الكلام أَثَرٌ من آثَارِ رحمته. ولذلك نجد القرآن الكريم يذكر عطاء الله ومِنَنِهِ على رسله، (وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ ۖ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي ۖ وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي ۖ وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِي) المائدة/110. إنه الله تعالى صاحب الإِذْنِ القادر على تغيير الوسيلة، وعلى تحقيق الغاية بلا وسيلة. والخير كله في الإِذِنِ والاِسْتِئْذَانِ، فتأخذ بالإِذْنِ،و تُعْطِي بِالإِذِنِ، وتَفْرَحُ بِالإِذْنِ في مَقَامُ التَّقْوَى والأُنْسِ. (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَىٰ أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُوا حَتَّىٰ يَسْتَأْذِنُوهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ۚ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) النور/64.