لاغرابة أن نتحدث و نحن نعيش مرحلة ما بعد الربيع العربي الديموقراطي و الاستثناء المغربي بامتياز عن أليات جديدة لصناعة القرار السياسي تتماشى و تنزيل المبدأ الدستوري القاضي بتكريس السلوك الديموقراطي و جعل القرار مرتبط بشكل مباشر بالمؤسسات بدل الآشخاص و العلاقات التي تتجاوز في حدودها سيادة القانون و تجعل من هذا الآخير قنطرة آمنة للعبور نحو تحقيق المصالح الشخصية بدل السعي لخدمة مصلحة الوطن. يندرج تحليلنا للظاهرة السياسية و لصناعة القرار بشكل خاص في سياق ما عرفته التجربة السياسية الآخيرة بعد المصادقة على الدستور الجديد من تحولات في التشكيلة الحكومية الأولى و الثانية و يمكن القول أن لحظات التعديل الحكومي حكمها هاجس أساسي تمثل بالخصوص في إعادة ترتيب البيت الداخلي لمواجهة إكراهات التدبير العمومي داخليا و خارجيا و على الرغم من الهزات العنيفة التي تعرضت لها التجربة الحكومية الحالية فقد إستطاعت أن تحقق إنتصارات لا يسع المجال لتعدادها،وهو ما ساهم بشكل كبير في ظهور فاعل جديد على مستوى صناعة القرار السياسي. إن المتتبع لاستطلاعات الرأي سواء الموجهة للمواطنين أو الخارج ليخلص إلى نتيجة مفادها أن صناعة القرار و ما يرتبط به من رهانات و إكراهات وطنية و دولية لم تعد حكرا على أشخاص معينين بقدر ما أصبحت تراعي بروز فاعل لم يكن له دور في الساحة السياسية يتعلق الأمر بالرأي العام وهو ما يعتبر نقلة نوعية و إضافة قيمية للحياة السياسية المغربية، فبمجرد أن تتحول قضية معينة إلى مطلب عمومي يحظى بالنقاش السياسي الحر على مستوى الاعلام و فضاءات و مؤسسات المجتمع و شبكات التواصل الاجتماعي و غيرها من الوسائط التي أصبحت مساهما مباشرا في صناعة و انتاج القرار السياسي، فهذا الأخير و إن كان يستند في شرعيته للدستور و التوافق السياسي فإن مصدرها الآساسي ينبع من رغبة المواطنين في ممارسة تغيير المشهد السياسي و هنا يحق لنا أن نخرج بخلاصة مفادها أن الارادة السياسية لحكومة بنكيران، من خلال إستجابتها للتعديل الحكومي الأخير خير دليل على إبراز دور المواطن ومن خلاله الرأي العام الوطني .