أنهى المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي تقريره الاستراتيجي الذي سيرفعه إلى الملك محمد السادس خلال الأيام القليلة المقبلة، حيث تضمن رؤية لإصلاح التعليم المغربي تمتدّ على 15 سنة تستطيل من العام الحالي حتى حلول عام 2030. التفاصيل التي توصلت إليها هسبريس بخصوص التقرير تتضمن تشخيصا لواقع المدرسة المغربية وما تعانيه من اختلالات، حيث وصفها "مجلس عزيمان" بالمزمنة قبل أن يعمد إلى اقتراح العديد من الحلول ضمن 21 رافعة لتجاوز الإشكاليات. ورغم تأكيد التقرير الاستراتيجي على أن رؤية المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي تندرج في الزمن المحدد بين 2015 و 2030، إلا أنه دعا إلى الأخذ بعين الاعتبار كلا من المدى القريب والمتوسط والبعيد في استهداف الأجيال، مضيفا أن المدة التي حددها تتلاءم مع الممارسات الوطنية والدولية المتعلقة بزمن الإصلاحات التربوية الاستراتيجية. وشدد التقرير، الذي يرتقب أن تناقشه الدورة المقبلة للمجلس ورفعه بعد ذلك للملك محمد السادس، على أن المدة الزمنية المحددة في 15 سنة من شأنها التمكين من استيفاء المسار الدراسي الإلزامي والتأهيلي لجيل من المتعلمين، ولما يقارب أربعة أفواج من خريجي الجامعات ومؤسسات التعليم العالي، داعيا إلى مراعاة متطلبات تنفيذ الرؤية الاستراتيجية، ولتفعيل الإصلاح. شخيص واقع المدرسة المغربية أشار إلى أنها "لا تزال تعاني من اختلالات مزمنة، منها محدودية المردودية الداخلية المتجلية في ضعف التمكن من اللغات والمعارف والكفايات والقيم"، مشيرا إلى "محدودية نجاعة أداء الفاعلين التربويين وما يعانيه التكوين الأساس والمستمر من نقائص". "استمرار الهدر المدرسي والمهني والجامعي، والولوج المحدود للتعلم عبر تكنولوجيا الإعلام والاتصال" هو جزء من مشاكل المدرسة التي رصدها التقرير الواصف أيضا لمردودية البحث العلمي بالضعيفة والمترددة في معالجة الإشكاليات، ولاسيما مسألة تعلم اللغات ولغات التدريس، كاشفا عن ضعف المردودية الخارجية للمدرسة، متمثلة في صعوبات الاندماج الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والقيمي للخريجين. نتيجة عامة خلص إليها التقرير الاستراتيجي في توصيفه لحال مؤسسات التربية والتكوين قرنت أساسا بالتكلفة الباهظة التي تتحملها البلاد، معتبرا أن ضحايا هذه التكلفة هم رواد المدرسة ومستقبلهم شبه المحجوز، وزاد: "توجد المدرسة في موضع مساءلة من أعلى سلطة في البلاد، دقت ناقوس الخطر ودعت إلى القيام بوقفة لمساءلة الضمير". العديد من الأسئلة حاول التقرير الإجابة عليها ومن ضمنها أسباب عدم نجاح الإصلاحات المتعددة والمتوالية في تحقيق النتائج المطلوبة، وما إذا كان الخلل كامنا في التصور أم في الرؤية ذاتها، أم يعود إلى ضعف الإمكانات المرصودة.. ودعا المستند إلى تعميم تعليم أولي بمواصفات الجودة، التزاما للدولة والأسر بقوة القانون، وطالب بوضع الآليات الكفيلة بالانخراط التدريجي للجماعات الترابية في مجهود تعميمه، وتحسين خدماته، وذلك بتمكين جميع الأطفال المتراوحة أعمارهم ما بين 4 و6 سنوات من ولوجه. وشدد التقرير على ضرورة تحقيق هدف الولوج التام للتربية والتعليم والتكوين لجميع الأطفال المغاربة، إناثا وذكورا، على المدى القريب، لاسيما في التعليم الإلزامي بالنسبة للفئة العمرية من 4 إلى 15 سنة، دون تمييز، في كافة الأسلاك والمستويات التعليمية والتكوينية، وفي التزام تام بمبدأي تكافؤ الفرص والاستحقاق، انسجاما مع مسؤولية الدولة في تعميم التعليم وإلزاميته. التقرير دعا كذلك إلى مراجعة الكتب المدرسية، وتجديدها وملاءمتها المستمرة، وتنويع مضامينها وصيغها، مشددا على أهمية توفير العدة البيداغوجية الكافية للتدريس، وتأهيل البنيات التربوية الخاصة بالتخصصات، بمختلف الأطوار والأسلاك التعليمية والتكوينية. وضمن رافعات التقرير الاستراتيجي ركز المجلس الذي يرأسه المستشار الملكي عمر عزيمان، على ضرورة إعادة الاعتبار للمكتبات المدرسية، ورقية ووسائطية، وتوفير خزانات للموارد موجهة للمتعلمين والفاعلين في الحياة التربوية والثقافية، بحسب الفئات والمستويات العمرية، مطالبا بتعزيز وإدماج التكنولوجيات الحديثة في النهوض بجودة التعلمات. وفي هذا السياق أوصى التقرير بإعداد استراتيجية وطنية جديدة لمواكبة المستجدات الرقمية، والاستفادة منها في تطوير مؤسسات التربية والتكوين والبحث، داعيا إلى "ضرورة إصلاح شامل لنظام التقييم والامتحانات، على نحو يكفل تكافؤ الفرص بين المتعلمين والعمل على تشجيع النبوغ والتفوق، بناء على معايير الاستحقاق".