قُلْ لِمَنْ يُبْعِدُ المسؤوليةَ عن الطريق: الْعُنْصُرُ البشري ليس وَحْدَهُ المسؤول فالطريقُ قَتَلَتْ ، وما زالتْ تقتل ، وستظل تقتل ما دُمْنَا نُبْرِئُ ساحتَها باستمرار، ونُلْقِي كامل التَّبِعَة َعلى العنصر البشري يكفي أن يكون التقابلُ في السَّيْرِ على الطريق لترتفعَ نسبةُ احتمال وقوع الحادثة: حين يكونُ الاندفاعُ في السير أو في حالة التجاوزِ الْمَعِيب وأيضاً عند التفاجؤ بحفرةٍ أو أخدودٍ أوعائقٍ ما على الطريق فإذا انْضَافَ إلى ذلك حَمْلُ موادَّ قابلةٍ للاشتعال، كانتِ الفاجعة. لا نُنْكِرُ مسؤولية العنصر البشري فالسائق المثالي يُمْضِي سنواتِ عُمْرهِ مُتنقلاً على الطريق، مُتسلحاً بإيمانه، بمسؤوليته ، بتسامحه ويقظته واحترامه لحق الحياة على الطريق. ولكن السائقين ليْسُوا كلُّهم مثاليين، ولا نَزَّاعينَ نحو المثالية، ولو انتظرنا ذلك لأفنينا العمرَ في انتظار أن تعمل التربية والتوعية عملهما، ويُؤتي الزجر والتغريم مفعولهما. ولنتذكر كيف كانت الطريق بين تطوان وطنجة قبل تثنيتها قاتلة، وكذلك بين تطوان وسبتة، وبين فاس وصفرو، وبين مكناس وبوفكران، وغيرها. صِفْر حادثة،صِفْرقتيل في مدينةٍ صغيرة كان قتلى حوادث السير داخل الوسط الحضري بالمائات، أقر مسؤولوها رفعَ التحدي، وأطلقوا رهان إعادة تهيئة الفضاء الطرقي ليكون مُحْترِماً لمعايير السلامة، مُسْعفاً في الوقاية من الحادثة، فكانت النتيجة أنْ تَسَارعَ الْعَدّ التنازلي ليصير عددُ الضحايا بالعشرات سيراً نحو الوحدات، ونحو تحقيق الحلم الإنساني النبيل: صفر حادثة، صفر قتيل. وفي اليابان وهذه حكاية شهيرة توفي كفيفٌ سنة 1973 على الطريق، لم يكتفوا بالعزاء وإعلان الحداد، ولكن حَرَّكوا الإرادة الوطنية في إعمال الفكر والذكاء الإنساني لتجنيب الكفيف التعرض لخطر الضياع بسبب الحادثة، فعمموا خَطّاً أصفرَ مُسَنَّناً على الطريق، يراهُ المبصرُ فيحترمُهُ ويتجنبُ السيْرَ عليه، ويتلمَّسُه الكفيفُ بعصاه أو برجله فيسيرُ عليه لقضاء أغراضه،والعودة في مَأمَنٍ إلى بيته. رحمَ اللهُ الزهورَ النَّدِيَّة رحم الله الزهور الندية التي ذهبتْ ضحية فاجعة طنطان على الساعة السابعة من صباح الجمعة عاشر أبريل 2015. الذي ينبغي أن يُتَّخَذَ مَوْعِداً سنوياً لمراجعة الذات الوطنية، وتقييم ما أُنْجِزَ اعتباراً واستحضاراً لأرواح ضحايا الفاجعة. وإنَّ حِدَادَنا الوطني العملي الذي ينبغي إعلانُه وتفعيلُه لِلْحَيْلُولةِ دون تَكْرارِ مثل هذه الفاجعة أو غيرها ينبغي أن يتمثل في الآتي: رفع وتيرة إنجاز الطرق السيارة، وتسريع تثنية الطرق والقناطر والفجاج بَدْءاً بأكثرها تَرَدِّياً وخطورة تقليلاً لفرص التقابُلِ الرَّافعِ لنسبة احتمال وقوع الحادثة. مراجعة نمط حافلات النقل العمومي التي تكاد تتوحد في الطول والعرض والْعُلُو رغم عبورها للمسالك الوعرة، والفجاج الضيقة، والمنعطفاتِ الخطرة ، وتعويضها بأخرى صغيرة بتحكّمٍ أقوى، وعددِ رُكّابٍ أقل، وأحزمةِ سلامةٍ واقية، في انتظار تعميم إصلاح الطرق ومُلاءمتها . تفعيلُ الْمَنْعُ الْمُطلق تحت طائِلَةِ الْمُصَادَرة لحملِ الموادِّ القابلةِ لِلاِشتعال إلا في وسائلها الْمُخصَّصةِ والواقية. تعميم تثبيت وسائل المراقبة الآلية التي تسجل المخالفة بكل حياد وموضوعية، وتفرض التأني دون اعتداد بمحسوبية ولا زبونية. -رئيس جمعية فاس للسلامة الطرقية