"نحن الجيل الذي يعاصر نهاية العالم، ولا أقصد بها فناء كوكب الأرض، وإنما فناء القيم والروابط الإنسانية وتلاشي التماسك الاجتماعي، الجيل الذي يحيا وجها لوجه مع الجرائم والنزاعات التي تندلع بسرعة مخيفة لا تستطيع حتى وسائل الإعلام مجاراتها، نحن الجيل الذي صار يشعر بالعجز والرعب والحصار (...) نحتاج للمسرح اليوم أكثر من أي وقت مضى للنفاذ إلى العمق والدواخل والمناطق المحرمة". بهذا التوصيف يبرر المخرج البولندي، كريستوف ورليكوفسكي، الذي اختير هذا العام من طرف المعهد الدولي للمسرح، لصياغة نداء اليوم العالمي لهذا الفن، الحاجة إلى المسرح كطوق نجاة من عالم صارت فيه "الأبراج" و"التحصينات" التي يبنيها الإنسان ليتقي بها شرور التشظي والتلاشي وفقد المعنى، هي نفسها "في حاجة إلى من يوفر لها الحماية" والأمان. ويقارب هذا المخرج المسرحي الفذ، الذي حاز عدة جوائز عالمية مرموقة اعترافا بعبقرية مسرحياته، المسرح كفضاء كاشف للمكنونات، سابر للأغوار، متجاوز للمظهر، نافذ إلى الجوهر، مقارنا المسرح بالأسطورة، كما عرفها الكاتب التيشكي فرانس كافكا باعتبارها تنتهي في نهاية المطاف إلى اللامعقول والخيالي والأسطوري، رغم أن الحاجة إليها جاءت في البداية لتفسير الواقع. إن هذا المسرح المتجذر في الواقع، والذي ينتهي في نهاية المطاف إلى اللامعقول والخيالي بتعقيداته وجمالياته هو المسرح الذي ينادي به ورليكوفسكي. نداء ورليكوفسكي العالمي هذا وجد صداه في مختلف القاعات المسرحية ودور الثقافة بالمغرب، حيث يقتضي التقليد الفني منذ انطلاق الاحتفاء بيوم أبو الفنون سنة 1961، ان تتم تلاوة النداء في الأمسيات الاحتفائية والفكرية التي تنظم بالمناسبة أو قبيل بدء كل عرض مسرحي يصادف تخليد هذا اليوم. الفنان عبد الحق الزروالي، الذي شارك في البرنامج الوطني للاحتفال بهذا اليوم الذي تنظمه وزارة الثقافة في كافة جهات المملكة، نطق بكلمة مدوية، حين سئل عن حال المسرح المغربي غداة الاحتفال به كجزء من التراث السوفوكلي العالمي "رغم كل شيء فللمسرح رب يحميه". وميز، في حديثه لوكالة المغرب العربي للأنباء، بين "من يشتغل في المسرح، ومن يشتغل بالمسرح، ومن يعيش للمسرح"، مطالبا "بإعطاء المسرح لمن يستحقه لا لمن يريده". الزروالي يرى، رغم ذلك، أن هناك "مكاسب لا بأس بها تحققت في هذا الفن تروم وضع العربات فوق السكة، والقطع مع العشوائية والتسيب اللذين طبعا الممارسة المسرحية لمدة طويلة جدا في المملكة"، منها مجموعة من القرارات والإجراءات التنظيمية وبطاقة الفنان، وبناء القاعات المسرحية، وتدريس مادة المسرح في التعليم الابتدائي والثانوي والجامعي. ويعتبر هذا المخرج المسرحي أن المسرح يعيش في خضم إكراهات تضعف من قدراته الاستقطابية منها "هيمنة القنوات الرياضية، وطغيان الفنون الاستعراضية المعززة بوسائط الاتصال الحديثة، وحتى تشويه صورة هذا الفن من قبل البعض"، وهي إكراهات تفرض، حسب المتحدث نفسه، "التعبئة للخروج من مرحلة التأسيس والتجسير إلى مرحلة أكثر وضوحا وضبطا واستشرافا للآفاق المستقبلية من أجل أن نرد للمسرح الاعتبار". ورغم الإكراهات التي تحد من التأثير الثقافي للمسرح في الحياة الاجتماعية، فقد عرفت السنين الأخيرة تأسيس بنيات مسرحية جديدة بمواصفات تقنية عالمية، منها مسرح للاعائشة بالمضيق، ومسرح محمد السادس بوجدة، إضافة إلى مشروعي بناء مسرح الرباط الكبير، والمسرح الكبير للدار البيضاء وغيرها من مشاريع تروم تعزيز البنى التحتية الثقافية عموما. وهي مشاريع تتعزز بإرادة أهل الفن لتطويره، يقول الزروالي، "نحاول ان نعمل جميعا على تصحيح مفهوم المسرح، على تعزيز موقعه، (نعمل) ونحن نتطلع إلى رؤية ذلك الجمهور الذي يفكر في الخروج أسبوعيا مع الأسرة لمشاهدة عرض مسرحي بذلك الخشوع والرهبة والدهشة". *و.م.ع