النيروز وهو معرّب كلمة "نوروز" في اللغة الفارسية، ويعنى "اليوم الجديد"، هو أكبر وأقدم الأعياد الإيرانية القومية وأشهرها على الإطلاق، وأكثرها احتفاءً بها، حتى قياساً بالأعياد الدينية الإسلامية كعيدي الفطر والأضحى. تعود جذوره التاريخية إلى آلاف السنين، حيث كانت الأقوام الآرية التي سكنت فلاة إيران في الأزمة الغابرة تحتفل باليوم الأول في السنة الموافق لبداية فصل الربيع، وتخصه بمراسم تطبعها الاحتفالية والبهجة والسرور. يُرجع بعض الباحثين جذور هذا العيد إلى عهد الملك الإيراني الأول، وهو جمشيد البيشدادي، ويسمون النيروز باسمه (النيروز الجمشيدي). يعتقد هؤلاء الباحثون -وعلى أساس ما جاء في الأساطير الإيرانية القديمة-، أن الملك جمشيد كان اسمه في أول الأمر [جم]، حينما وصل إلى أذربيجان أمر ببناء عرش مرصّع يكون في موضع مرتفع مقابلٍ لمطلع الشمس، ووضع فوق رأسه تاجاً مرصّعاً، وجلس على عرشه حتى طلعت الشمس وانعكس شعاعها على تاجه وعرشه، فانبعث منهما برق لامع أخّاذ. ففسّر الناس ذلك بيوم جديد، ولذلك أضافوا اسم "شيد" وهو يعني الشعاع في اللغة البهلوية، إلى اسم "جم"، فأضحى اسم الملك "جمشيد"، وأقاموا حفلاً عظيماً، وسمّوا ذلك اليوم ب"النيروز". لكن أهم عامل يميّز النيروز عن سائر الأعياد الإيرانية القديمة ويجعله خالداً إلى اليوم هو -باعتقاد هؤلاء الباحثين- الفلسفة الوجودية التي ينطوي عليها هذا العيد، وهي التوالد والاستمرارية التي تتجسد في الطبيعة مع بداية كل سنة جديدة. والنيروز زيادة عن كونه العيد الرسمي ورأس السنة الإيرانية، فإنه اليوم الأول من شهر "فروردين" (21 مارس إلى 20 أبريل) الذي يقابل برج الحمل، أول شهور السنة الفارسية، ويصادف حلوله حدوث الاعتدال الربيعي، في نفس الوقت الذي تُتِمُّ فيه الأرض دورتها السنوية حول الشمس، لتبدأ دورة جديدة. في ذات الوقت تعلن طلقات المدفع حصول "التحويل"، كما يقال في إيران، فتبدأ الأفراح استبشاراً بحلول عهد جديد تتحول فيه الطبيعة ومعها الإنسان من فترة الفاصل الذي يمحو الزمن ويضع حداً للماضي، ولكن يعلن في آن واحد عن "العودة"، عودة الحياة وتجددها. حظي السرور والحبور في المجتمع الإيراني القديم بأهمية قصوى بصفته عنصراً يمنح القوة لروح الإنسان. فكان الإيرانيون القدماء وعلى أساس معتقدهم الزردشتي يحيون أربعة أعياد خاصة بالسرور والابتهال، وهي : تيرگان، ومهرگان، وسده، واسپندگان.فيما كُتب للنيروز الخلود والاستمرارية لما ينطوي عليه من فلسفة تمنح الطراوة للطبيعة وروح الإنسان. يخص الإيرانيون الاحتفال بعيد النيروز بأصناف من الأطعمة والأشربة، وعلى وجه التحديد بالمائدة الخاصة بهذه المناسبة، والتي يطلقون عليها اسم "سفرۀ هفت سين" [مائدة السينات السبعة]. فهذه السفرة تُفرش على الأرض كما على المائدة، ويجتمع حولها جميع أفراد العائلة لحظة تحويل السنة الجديدة. تحتفظ الأسر بهذه السفرة بمحتوياتها طيلة ثلاثة عشر يوماً، وهي عدد أيام الاحتفال بأعياد النيروز في العادة، إذ يختمون يوم 13 فروردين، الذي يعرف في إيران باسم "سيزده بدر" وهو الاسم الذي يطلق على آخر أيام النيروز، احتفالاتهم بنزهة عامة في الحدائق لا يتخلف فيها أحد عن الخروج إلى المنتزهات والطبيعة لإبداء الفرح. وتغتنم العائلات الفرصة في ذلك اليوم لتأخذ نبات الحبوب التي زرعتها، وزيّنت بها سفرة "هفت سين"، كي تلقي بها في أحد جداول الماء، فتحملها مياهه مثقلة بأماني الخصب والرخاء. تحتفل بعض الأقوام الأخرى التي تشترك مع الإيرانيين في الأصل والمنشأ أو في الثقافة والتقاليد كالأفغان والطاجيك والأرمن والأكراد والزردشتيين بعيد النيروز بنفس الطريقة. السينات السبعة : تؤثث مائدة عيد النيروز، حسب العادات والتقاليد، بسبعة أشياء أو أكثر، تبتدئ جميعها بحرف السين، تُختار من بين الأشياء التالية : سير [الثوم]، سيب [التفاح]، سبزه [النبات الأخضر]، سنجد [نوع من الشجيرات، يعرف في بلاد الشام بالزيزفون]، سرکه [الخل]، سمنو [حلويات تحضر من القمح والدقيق]، سماق [السماق]، سنبل [الخزامى]، سکه [قطعة نقدية]، سپند [نوع من البخور]، سپستان [شجرة متوسطة الحجم متساقطة الأوراق، تعرف بالعربية باسم مخيط]، سوهان [نوع من الحلويات تشتهر بها مدينة قم]، سوسن [نوع من الورود يسمى بالعربية زنبق]، سرمه [كحل]، سنگگ [خبز تقليدي يحضر في أفران من الحجر]، سبزي [خضروات]، سياهدانه [الحبة السوداء]. ترمز هذه السينات وغيرها من مكونات مائدة النيروز إلى مفاهيم من قبيل : الخصوبة والتوالد والوفرة والثروة. وتشير بعض هذه المكونات أيضاً إلى بعض الآلهة الإيرانية في الديانة الزردشتية ك : آناهيتا وسپندارمد. يعتبر النبات الأخضر من مكونات السفرة الأساسية، وهو يُكوَّن من الحبوب أو الفصة (البرسيم الحجازي) أو العدس، ويمكن استنباته في مزهرية داخل البيوت. كما يمكن اعتبار السمنو، وهو عبارة عن حلويات معجونة تُحضّر من جذع سنبلة القمح مع الدقيق، ويتم تحضيره قبل حلول النيروز بأيام. وكذلك يعتبر "سنبل" (الخزامى) من العناصر الخاصة في هذه السفرة والتي يقل تواجدها في سائر السنة. مكوّنات أخرى : من المتعارف عليه وضع مكونات أخرى غير التي ذكرنا من باب إضفاء الزينة أو إكمال السفرة، من هذه الأجزاء يمكن الإشارة إلى : المرآة، الكتاب المقدس (القرآن أو التوراة أو الإنجيل، أو ديوان حافظ أو ديوان الفردوسي)، الشمعدان (في بعض التقاليد يوضع الشمع بعدد أفراد الأسرة)، البيض الملوّن، الفاكهة، الورد، الحلويات، الفواكه الجافة، الخبز، الحليب، اللبن، الجبن، ماء الورد، العسل، السكر، وعاء بداخله سمك، نبتة البيدمشك، مروحة، خضروات. تاريخ طقوس "هفت سين" ورمزيتها : تشير موسوعة إيرانيكا إلى أن تاريخ هذا التقليد يعود إلى عهود جد قديمة، وبالضبط إلى عهد جمشيد الملك الأسطوري للفرس. وقد جاء في بيتين شعريين بشكل واضح أن أصل هذا التقليد يرجع إلى الدولة الكيانية وأن هذه السفرة كانت في الأصل بسبعة شينات : روز نوروز در زمان كيان مى نهادند مردم ايران شهد و شير و شراب و شكر ناب شمع و شمشاد و شايه اندر خان فكرة الشينات السبعة وجدت تأييداً لدى بعض الباحثين الذين يعتبرون أن عنصر "شراب" [الخمر] وبدواعي دينية تم استبداله ب سركه [الخل]، وهكذا تم استبدال "هفت شين" ب "هفت سين". لكن البعض ردّ هذه النظرية لكون هذه المكونات فيها بعض الكلمات العربية (شهد وشراب وشمع)، كما يلاحظ غياب بعض المكونات الأساسية للسفرة ك سمنو...وهناك من ربط "هفت سين" ب "هفت سيني" (السينيات السبعة)، وهناك من اعتبرها سبعة ميمات "هفت ميم". أو هي ترجع إلى "هفت چين" أي "هفت چيدني" بمعنى سبعة مفروشات. يمكن ربط مكوّنات سفرة "هفت سين" بالمعتقدات الدينية الزردشتية، وخاصة بالآلهة. إذ إن الآلهة الستة المقرّبة إلى اهورا مزدا والمعروفة باسم امشسپندان، وما ترمز إليه، نجدها حاضرة في سفرة النيروز، حيث يرمز شير [الحليب] إلى الإله وهومن أو وهمن أو بهمن، الإله المذكر بمعنى الفكر الحسن، والموكل بالأنعام النافعة. ويرمز سپند و بيدمشک [نوع من الشجر للزينة] إلى الإله سپندارمذ، وهو إله مؤنث يعني التواضع والإخلاص، وهو حارس الأرض. ويرمز وعاء الماء والسمنو إلى الإله آناهيتا، وهو إله أنثى مختص بالماء والمطر والتوالد. والسمنو يرتبط بهذا الإله من حيث أنه مادة محفزة جنسياً. يرمز السمك الأحمر الذي يكون بداخل الوعاء إلى الحياة والحركة والنشاط، وهو يشير كذلك إلى برج الحوت وشهر اسفند، آخر شهر في السنة الإيرانية، كما يرمز للتوالد والتكاثر. أما النبات الأخضر والسنبل (الخزامي) فهو رمز للسرور والحياة المتجددة. وتشير المرآة إلى الشفافية والصفاء واللون الواحد. والماء رمز للطهر والنقاء. كما ترمز القطعة النقدية للثروة والغنى. ويرمز البيض للتناسل والتوالد، ويكون عدده عادة بعدد أفراد الأسرة. ويرمز الشمع إلى الضياء وطول عمر جميع أفراد العائلة. الورد رمز للحب والوئام والفرح. ويرمز الخل للفرح، فيما يرمز السمنو للخير والبركة بسبب تحضيره من القمح والدقيق. وترمز الحلويات إلى حلاوة الحياة وحلاوة اللسان. والتفاح رمز للصحة والتوالد والحب والعشق والحنان. والثوم رمز لحارس السفرة وطارد المرض. والسماق يرمز إلى لذة الحياة. ويرمز السنجد إلى الحب والغرام والحياة. فيما تمنح الفواكه والفواكه الجافة البركة للسفرة، وكذلك الشأن بالنسبة للخبز. ويرمز اسفند إلى الريح الطيب.