التاريخ من الوجهة الاستعمارية هو دائما تاريخ مراسيم و اتفاقيات و ليس تاريخ شعوب، المرحوم الحسن الثاني فطن لخصوصية هذا التاريخ فقام بإضفاء طابع الشرعية الشعبية عليه بواسطة المسيرة الخضراء. تاريخ ترسيم الاستعمار الاسباني على المناطق الجنوبية المغربية يعود إلى المرسوم الملكي الاسباني ليوم 10يونيو 1884 لما وضع كل الشاطئ الواقع بين الرأس الأبيض وبوجدور تحت مسؤولية وزارة ما وراء البحار في مدريد. تاريخ المراسيم و الاتفاقيات بين المملكة المغربية و الدولة الاسبانية استمر إلى يوم 14 دجنبر 1975 حينما أشرت وثيقة مدريد الثلاثية (بين المملكة المغربية، الجمهورية الإسلامية الموريتانية و الجمهورية الاسبانية) على رحيل الاستعمار الاسباني المباشر عن المنطقة. ورغم رحيل الاستعمار الاسباني عن المنطقة، إلا أنه بمقتضى هذه الوثيقة بقي يستفيد من ثرواتها. استمر هذا الاستغلال المباشر إلى حدود ذلك اليوم الذي استجمعت فيه القوى الحية نفسها بداخل المملكة المغربية فعملت على حرمانه تدريجيا من استغلال هذه الثروات. و بمجرد ما بدأت معالم الحرمان تتجلى في الأفق، بدأت معه القوى اليمينية الاسبانية تنسج خيوط أسطورة إطار حول المملكة المغربية. تقول أسطورة الإطار هذه بأن المملكة المغربية هي ليست صاحبة حق، بل هي تقوم بالاستحواذ على أراضي ليست بأراضيها. عبر التاريخ، مراسيم و اتفاقيات المستعمر الاسباني تلغي كل تاريخ نضالات الشعب المغربي من أجل تحرير أراضيه، لتبقي فقط على بنود المراسيم و الاتفاقيات. النقطة السادسة من اتفاقية مدريد بين المملكة المغربية، الجمهورية الموريتانية و الجمهورية الاسبانية تلغي كل نضالات الشعب المغربي و لا تعترف بها. تقول هذه النقطة: "تصبح هذه الوثيقة سارية في ذات اليوم الذي تنشر فيه في الجريدة الرسمية "قانون تصفية الاستعمار في الصحراء الغربية" والذي يخول الحكومة الإسبانية حيازة الالتزامات المتضمنة في هذه الوثيقة". هذه النقطة هي مناورة صريحة على الحقوق التاريخية للمملكة المغربية على أراضيها. هي مناورة لأن الالتزامات المتضمنة في هذه الوثيقة لا تصبح سارية المفعول إلا حين تنشر في الجريدة الرسمية "قانون تصفية الاستعمار". هكذا يكون القانون و إلا فلا. المملكة المغربية ستنتظر اليمين الاسباني المتحكم في اللعبة الاستعمارية إلى حين نشره في الجريدة الرسمية ل"قانون تصفية الاستعمار". النقطة السادسة من وثيقة مدريد هي مناورة مكشوفة من طرف اليمين الاسباني؛ أما جبهة البوليساريو فكانت آنذاك عبارة على مجموعة مناضلين على حدود التماس... بمقتضى القسم الأول من النقطة السادسة ضمن اليمين الاسباني استمراريته كقوة استعمارية على المنطقة، و بمقتضى القسم الثاني من نفس النقطة ضمنت المملكة المغربية إمكانية تحييده من عملية استغلال الثروات الغير مدرجة في الاتفاقيات الثنائية الملحقة. هذا المكسب التحرري الذي حققته المملكة المغربية عبر القسم الثاني من النقطة السادسة من اتفاقية مدريد هو الذي يؤجج حنق اليمين الاسباني و يدفعه إلى نسج أسطورة إطار حول المملكة المغربية. حينما قدمنا في المقال السابق المنشور هنا على موقع هسبريس قرار البرلمان الأوروبي ووصفناه بأنه قرار قوي اللهجة فإننا كنا نتوخى من ذلك إثارة المسئولين و كل القوى التي تشتغل على هذا الملف من أجل محاولة تكسير أسطورة الإطار التي نسجها اليمين الاسباني حول المملكة المغربية. هذه الأسطورة هي سبب المصائب اللاحقوقية التي تلحق المملكة المغربية، بواسطتها يتم شحن الأذهان و العواطف و بواسطتها يتم تقديمنا الى العالم أننا شعب محتل. بمقتضى القسم الأول من النقطة السادسة حاز الاستعمار الاسباني على حق الاستمرارية، لكن النقطة الرابعة من نفس الاتفاقية لا تسمح له بتلك الحيازة لأمد طويل، كما هو الشأن حاليا حيث وصلت هذه الحيازة إلى أكثر من خمسة و ثلاثون سنة. النقطة الرابعة من الاتفاق تقول:" تحيط البلدان الثلاثة الأمين العام للأمم المتحدة علما بما أقر في هذه الوثيقة كنتيجة للمفاوضات المعقودة بموجب المادة 33 من ميثاق الأممالمتحدة"؛ و المادة 33 من ميثاق الأممالمتحدة التي هي أول مادة من الفصل السادس الذي يخص حل المنازعات حلا سلميا تقول النقطة الأولى منها:" 1. "يجب على أطراف أي نزاع من شأن استمراره أن يعرض حفظ السلم والأمن الدولي للخطر أن يلتمسوا حله بادئ ذي بدء بطريق المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية، أو أن يلجئوا إلى الوكالات والتنظيمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية التي يقع عليها اختيارها". بدلا من أن يجد اليمين الاسباني حلا بطريقة المفاوضات عمل على إدامة النزاع إلى ما لانهاية و جعل المنطقة دائما تحت التهديد و بدلا من المساعدة على اللجوء إلى "الوكالات و التنظيمات الإقليمية" عمل على التنسيق مع الجمهورية الجزائرية و مع قوى يمينية بداخل أوروبا من اجل محاصرة المملكة المغربية بداخل هذه "الوكالات و التنظيمات الإقليمية" *** [*] اعتمدنا في كتابة هذه المقالة على مسودة اتفاقية مدريد فقط [email protected]