مرة أخرى أجدني مضطرا إلى العودة إلى الحديث عن جائزة الشعر، والمناسبة هذه المرة ما دبجه يس عدنان تحت عنوان " جائزة المغرب للشعر..السحب والحجب وما بينهما" والذي لاك فيه ما سبق لأحمد عصيد أن أعلنه في "توضيح" سبق أن أذاعه في وسائل الإعلام. إلا أن يس عدنان عبر في ما كتبه عن مستوى أدنى، فاستعمل معجما أقل ما يقال عنه إنه لا يليق ب"مبدع" تتهافت عليه الهيئات الثقافية من أجل أن "يشرفها" عضوا في لجن التحكيم التي تشكلها. وقد أبدى تواضعا كبيرا عندما "قبل" (والكلمة من عنده) أن يصبح عضوا في لجنة الشعر لهذه السنة. إنه "تواضع الشعراء" و"نجوم الشاشة". ولست أدري من أين أتى يس عدنان بكل هذا الغرور الذي لا يندى له جبينه، والذي جعله يصيح في وجه كتابنا وشعرائنا الكبار أن ارفعوا أيديكم عن جائزة المغرب، فما عاد يستحقها سوى الذين يتهجون الكلمات ويرتكبون من الأخطاء اللغوية وغيرها ما يجعل شعرهم أقل من النثر وأحط من الشعر. ويبدو أن صاحبنا يؤمن حتى النخاع بصراع الأجيال فظهر له أن رموز الثقافة المغربية أصبحوا ثقلا ثقيلا على جائزة المغرب التي يقول عنها إنها "منحت أحيانا لكتاب كبار أنجزوا كتبا صغيرة في دور نشر سرية لا توزع كتبها مما يمنع القارئ الفطن من اختبار قرارات اللجنة حينما يحاول ذلك. وكلنا يعرف كيف كان المريدون يتقربون بها من شيوخهم والطلبة من أساتذتهم...." والواقع أني لمست لدى يس هذا الإحساس منذ الجلسة الأولى عندما أخذ على لجنة الشعر للسنة الفارطة أنها منحت الجائزة للشاعر الكبير محمد السرغيني، ولم تنتبه إلى عمله الذي تقدم به طمعا في الجائزة. ولكم أن تتصوروا كيف يقارن صاحبنا نفسه مع هذا الشاعر الكبير الذي يعتبر أحد مؤسسي القصيدة المغربية الحديثة. ولا عجب في ذلك فهو لا يعرف السرغيني. والحلقة التي أنجزها لضيافته في "مشارف"، أنا من هيأتها له. هل تستطيع أن تنكر يا يس؟ لقد كان كلام يس عن السرغيني مبعث قلق بالنسبة إلي لأنه مثل لي علامة على صعوبة التواصل مع عضو في اللجنة يستهين بقامة شعرية سامقة مثل الشاعر محمد السرغيني أطال الله عمره. ولكن هناك مبعثا آخر للقلق انتابني منذ بداية أشغال اللجنة، ذلك أن المكتب التنفيذي لاتحاد كتاب المغرب، أو على الأصح من بقي في المكتب التنفيذي كان يتابع من خلال بعض أفراده عمل اللجنة عن كثب. وكما تلقيت اتصالا هاتفيا من قيادي في الاتحاد فإن الزملاء أعضاء اللجنة لا بد أنهم استمعوا إلى نفس الجملة: "راه حدايا واحد السيد وقال لي نقوليك واحد الاسم......" لا أخفيكم أنني أذيع هذا السر على مضض لأني اعتبرت الأمر مجرد مكالمة هاتفية، انتهت... ومع ذلك أبى من تبقى في المكتب التنفيذي إلا أن يجهر بانحيازه وتدخله السافر في شؤون الجائزة، فأصدر بيانا يطالب فيه بإعادة الاعتبار للشعر المغربي، وهو ما لا يتأتى حسب ما يفهم من منطوقه، إلا بإعادة تشكيل اللجنة وإسناد الجائزة لعضو من أعضائه. ينبغي أن نسجل بأن بيان من تبقى في المكتب التنفيذي سابقة في تاريخ الاتحاد الذي اعتاد على أن ينظر إلى كل منخرطيه بصورة متساوية. والأنكى من ذلك أنه اعتمد في بيانه على موقف معلن لأحد أعضاء اللجنة دون غيره. واحتجاجا على هذا البيان/الكارثة أعلن مجموعة من الكتاب انسحابهم من الاتحاد إلى حين تستقيم أموره. إذا وضعنا في عين الاعتبار كل هذه المعطيات أدركنا أن جائزة الشعر لهذه السنة كانت استثنائية بكل المعاني، ومن النفاق أن نكلف اللجنة أو أحد أعضائها وزر كل ما جرى لتبرير الفشل في إقناعهم بعمل سجل عليه يس نفسه الكثير من الأخطاء. ولا مجال هنا لتغليف خطابنا بمسحة أخلاقية، وشحذ قاموس الوعظ والارشاد لتبرير ما جرى. فالأمر غاية في البساطة: بعد سحب عمل بنطلحة لأسباب لا يعلمها إلا هو وناشره، لم تجد اللجنة عملا يستحق الجائزة فحجبتها. والقول بأن في هذا تبخيسا للشعر المغربي باطل، لأن ما رشح من أعمال لنيل الجائزة هو ثلاثون عملا بعد السحب. وكثير من أصحاب هذه الأعمال ينشرون لأول مرة، وبعض هذه الأعمال لا يمكن أن تصنف في خانة الشعر. في حين أن ما ينشر بالمغرب من مجموعات شعرية خلال السنة يعد بالمئات. فأين المشكلة إذا لم يفز بالجائزة أي عمل من هذه الأعمال الثلاثين؟ إن حكم اللحنة كان ينصب على الأعمال المرشحة، وليس على الشعر المغربي. ومن هنا فإن تباكي يس عدنان على الشعر المغربي لا محل له على الإطلاق. ومن الطريف أنه امتطى جواد النزاهة الفكرية في إقامة "مأتم" وهمي للشعر المغربي. ووحده يس عدنان يمثل النزاهة الفكرية، وكل من دونه مجرد مفتر على الثقافة المغربية. ولكن مفهومه للثقافة بدا واضحا عندما أعلن مرارته الشديدة على الجائزة التي حجبت، وعادت، كما يقول " قيمتها المادية إلى الدولة عوض أن يستفيد منها أشباهه من الشعراء"، الأمر إذن عنده لا يتعلق بالقيمة الشعرية بل بالقيمة المالية. وفي هذا اختزال للجائزة في مبلغ مالي، فأين القيم الثقافية التي يروج لها صاحبنا في كل مجلس وناد؟ وتحت ضغط هذه المرارة التي يبدو أنها لم تفارقه منذ السنة الماضية عندما رشح نفسه لنيل الجائزة ولم يلتفت إلى عمله "الشعري"، راح يس يردد بعض ما جادت به قريحة صنوه عصيد، وزاد عليه بعض التوابل من الشتم والقذف، فرأى أن كل الأسباب التي أدت إلى حجب الجائزة تكمن في عضو من أعضائها، مستصغرا بذلك الدور الذي قام به الأعضاء الآخرون بمن فيهم يس نفسه الذي لم يتردد في إعلان ندمه على مسايرة قرار الحجب. والحال أن المجهود الذي بذله الزملاء الآخرون مجهود جبار، وأن القرار الذي توصلت إليه اللجنة تبلور بشكل جماعي واتخذ بإجماع أعضاء اللجنة. وليست هذه المرة الأولى التي تحجب فيها جائزة الشعر، كما أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها الحديث عن "تسريب" مدولات إحدى اللجن. فقد حجبت جائزة الشعر مرتين وهذه المرة الثالثة. كما أن عضوا في لجنة مضت عليها الآن سنوات لم يعجبها ميل أغلبية الأعضاء إلى ترشيح عمل غير الذي ترشحه، فقامت في أوج المداولات بنشر ما دار داخل اللجنة في الصحف اليومية وانسحبت. ومع ذلك واصلت اللحنة عملها بأربعة أعضاء وأسندت الجائزة لمن يستحقها. ولنفرض جدلا أن تسريبا قد وقع، وهو مالم يحصل على الإطلاق من جانبي على الأقل، وأن هذا التسريب المفترض أدى إلى سحب الشاعر محمد بنطلحة لعمله، فما الذي كان يمنع اللجنة من أن تتوج عملا آخر، خاصة وأن عمل بنطلحة لم يكن يحظى بإجماع الأعضاء وهو ما اعترف به يس؟ الجواب على هذا السؤال واضح وجلي، وهو أن يس وعصيد لم يستطيعا أن يدافعا عن عمل آخر. فقد اصطحب يس معه ديوان وداد بنموسى ذلك الصباح أثناء جلسة الحسم، وصرح بأنه بعد أن أعاد قراءة العمل بدا له أنه يعج بالأخطاء اللغوية وبالمنقولات ووضع أمام اللجنة نماذج من ذلك. ومن النفاق أن نرى يس في ما كتبه اليوم يشيد بهذا الديوان الذي اخترته شخصيا ضمن اللائحة الأولى والثانية ولكني أبديت تحفظي تجاهه في الجلسة الختامية بعد قراءة ثالثة، مع أني بذلك لا أقلل من القيمة الشعرية لصاحبته التي أعرفها شعريا منذ سنوات. لقد كان هناك نقاش حول أعمال أخرى بعد إعلان سحب عمل الشاعر محمد بنطلحة، فبدا من الصعب منح الجائزة لأحدها. وبالتالي وجدت اللجنة نفسها أمام مأزق حقيقي، لخصته أمام اللجنة في اللجوء إلى أحد الخيارين: إما أن نعيد قراءة الأعمال كلها، أو نقرر حجب الجائزة. وما لم يقله يس عدنان في مقاله هو أنه كان أول من اقترح الحجب ودافع عنه، بعدما أظهر لنا صفحات من عمل الشاعرة وداد بنموسى، بعض أسطرها ملطخة بالأحمر...وبعد نقاش طويل، صرف النظر عن ترشيح الديوان وكان ما كان من الحجب. وهكذا يتبين أن الأمر لا يتعلق بتسريب بقدر ما يكشف عن موقف شعري اقتنعت به اللجنة واتخذته بالاجماع، وكفى نفاقا؟ أأكد: قرار الحجب لم يتخذ لمجرد سحب عمل بنطلحة، وإنما تبلور بعد مناقشة للعملين المتبقيين. وبعيدا عن "كلام الحمام" الذي ملأ به يس صفحتين: قال لي فلان وهمس في أذن فلان وقال فلان لفلان عبر الهاتف إلخ. فإني أتمنى أن يقدم يس عدنان أو غيره من أعضاء اللجنة دليلا واحدا على أنني سربت مداولات اللجنة إلى الشاعر أو إلى جهة أخرى. ولا يكفي دفاعي عن عمل محمد بنطلحة صك اتهام، إذ البينة على من ادعى... ويظهر أن يس متردد بهذا الخصوص فمرة يدعي بأني من سرب المداولات، ومرة يزعم بأن ناشر الأستاذ محمد بنطلحة هو من قام بالسحب لكي لا تغطي جائزة المغرب على الجائزة العالمية الني نالها الشاعر بفاس. وعندما أثيرت مسألة الانسحاب داخل اللجنة كان موقفي واضحا: إما أن نحدد المسؤوليات ونسمي الأشياء بأسمائها فنشير إلى من سرب إن وجد، وإما أن المسألة برمتها محض افتراض يفتقر إلى الأدلة. وقتها كان على يس أو عصيد أن يبدي القليل من الشجاعة الأدبية ويشير إلي بالاسم. أما وقد مضى على أشغال اللجنة شهر كامل، خرج بعده عصيد ويس إلى وسائل الإعلام كي يلصقا بي فشلهما الذريع في الدفاع عن منح الجائزة لعمل بعينه، فإن ذلك منتهى "الأخلاق" التي يختص الرجلان هذه الأيام في توزيع الدروس فيها.