بمناسبة 08 مارس، عيد المرأة العالمي، بدأ الحديث يموج من جديد حول المساواة بين الجنسين وتحقيق المناصفة التي نص عليها الدستور بالإضافة إلى البرنامج الذي اعتمدته الحكومة في الرقي بمكانة المرأة في المجتمع المغربي، سواء على صعيد الممارسة السياسية أو الحماية الاجتماعية أو تمكينها من الحق في تولي الإدارة وتبوء المناصب السامية جنبا إلى جنب الرجال. وقد تم الاعتماد في مناقشة مكانة المرأة في مجتمعنا، مؤخرا، على الحقل الدلالي المعتمد من طرف الحكومة في صياغة العبارات المتعلقة بالمرأة، ويتمثل ذلك، أساسا، في مصطلحين اثنين تم التركيز عليهما كثيرا، أحدهما مخطط له، والثاني يمكن اعتباره عفويا: 1/ الأمر المخطط له يتمثل في خطة "إكرام": حيث اعتبر البعض أن تبخيس حق المرأة والمس بها يستشف رأسا من خلال تسمية الخطة التي اعتمدتها الحكومة دون الخوض في عمقها؛ ذلك أن لفظة "إكرام" يحمل دلالة الإحسان والتبرع، ويدل على أن هناك طرفا قويا يمتن على طرف ضعيف ويكرمه ويشفق عليه، لكن هذه الدلالة التي استشفها بعض السياسيين لا تجد لها سندا في المعجم اللغوي إلا في مجال المآدب والطعام والشراب، لأن فعل "أكرم" لا يدل على الإحسان إلا إذا اقترن بالمأدبة وملء البطون، يقال: أَكْرَمَ فلان ضُيُوفَهُ : قَدَّمَ لَهُمُ الأكْلَ وَالشُّرْبَ عَنْ طَوَاعِيَةٍ ، أحْسَنَ إِلَيْهِمْ ، لَمْ يَبْخَلْ عليهم ويُكْرِمُ الأقْرَبينَ وَالأبْعَدِينَ. ولا نظن أن واضعي خطة "إكرام" يقصدون هذا البعد "البطني" في مقاربتهم، بل غالب الظن أن القصد بالإكرام هو ضد الإهانة، من باب: أكرم فلان فلانا : شرَّفه ونزَّهه ، ورفَع شأنَه وفضّله، وأحسن معاملتَه، وهو المناسب لخطة إكرام ومحتواها، لأنه ليس في الخطة ما يشير إلى الإكرام "البطني" الذي استحضره كثير من السياسيين ! ثم إن إكرام المرأة ليس المقصود به أن يكرمها الرجل وحده، بل القصد به أن يكرمها ويقدرها المجتمع بكل مكوناته، رجالا ونساء، كبارا وصغارا، معارضة وأغلبية، أحزابا سياسية ونقابات،... وهو أمر محمود ومرغوب فيه، لأن أصل الكلمة من صميم ثقافتنا المغربية الأصيلة التي من بين ركائزها القيم الإسلامية النبيلة والسمحة التي تعتمد على حديث الرسول ص الذي أكد على أن النساء لا يكرمهن إلا كريم ولا يهينهن إلا لئيم. والسؤال المطروح في هذا الباب، هو لماذا حين نتحدث عن الكوطا، والتمييز الإيجابي بين الجنسين، وحماية المرأة من خلال التشريعات ومقاربة النوع لا نستحضر المقاربة الإحسانية الواضحة في ذلك؟ أليست الكوطا إحسانا إلى المرأة ومساعدة لها للوصول إلى مناصب باعتبار جنسها لا باعتبار كفاءتها؟ ألم يكن التمييز الإيجابي بين الجنسين إحسانا؟ ثم كيف نميز بين حق المرأة وبين الإحسان إليها؟ أليس الأمر تلاعبا بالكلمات فقط وتوظيفا للسياسة في مجال ينبغي أن يتعبأ الجميع لتحقيق العدل فيه؟ أسئلة وغيرها تحتاج إلى مزيد تأمل وتفكير. 2/ الأمر العفوي النابع من تصريحات رئيس الحكومة: إن تصريحات رئيس الحكومة "العفوية" التي يصف فيها النساء "بالعيالات" أثارت جدلا واسعا حول توجهات الحكومة في مجال إنصاف المرأة وتمكينها من حقوقها، إذ اعتبر البعض هذا الوصف تنقيصا من مكانتها وتكريسا لوضع اجتماعي سائد يحيل على التمثل الاجتماعي الذي يحيل بدوره على البعد اللغوي للعيالات: أي عيال الرَّجُلِ وهم أَهْلُ بَيْتِهِ أَوْلاَدُهُ الذين يكفلهم وينفق عليهم، أي إن لفظ العيالات يكرس تبعية المرأة للرجل ويحط من قدرها وقيمتها علما أن امرأة اليوم قد تبوأت مكانة مرموقة في العلم والمعرفة واستطاعت منافسة الرجل في أرقى مناصب المسؤوليات. وبدون أي خلفية سياسية أو إيديولوجية فإن هذا الوصف في نظري لا يمكن اعتباره تنقيصا لمكانة المرأة أو مسا بها إلا في حالة اقتران هذا الوصف بمؤشرات تفيد ذلك: أي إن التنقيص لا يفهم من لفظة "العيالات" في حد ذاته بل يمكن استشفافه من خلال السياق الذي ترد فيه الكلمة بناء على تكوين اجتماعي وثقافي معين، وبالتالي فإنه ليس من الإنصاف اعتبار هذا الوصف، بحد ذاته ومستقلا عن أي سياق ثقافي معين، بمثابة مس بكرامة المرأة وقدرها، لأن المؤشرات والتصريحات الرسمية تفيد أن الحكومة الحالية لا زالت تنتهج سبيل من سبقها، بل إن قضية المرأة أصبحت أمرا استراتيجيا تحيطه أعلى سلطة في البلاد بكامل الاهتمام. وعليه، فالقصد من هذه المقالة هو إثارة النقاش بهدوء حول مكتسبات المرأة بمناسبة عيدها العالمي، فالإنصاف هو مقاربة الموضوع بعيدا عن الصراع السياسي، وإلا فإن كل اصطلاح يمكن تأويله وتحليله حسب الهوى السياسي، وهو أمر ليس بالمحمود، والكيس من أنصف غيره واعترف له بالفضل قبل نفسه. *باحث في العلوم القانونية