النظام الداخلي لمجلس النواب الجاري العمل بمقتضياته ينص في الفقرة الثالثة من المادة 11 على ما يلي : "تقدم الاستقالات كتابة إلى رئيس المجلس، الذي يحيط المكتب ثم المجلس علما بها في أقرب جلسة، ليحيلها بعد ذلك داخل أجل لا يتعدى ثمانية أيام على المحكمة الدستورية للتصريح بشغور المقعد". وإعمالا لما هو منصوص عليه في النظام الداخلي، قام السيد رئيس مجلس النواب بمراسلة المجلس الدستوري من أجل إحاطته علما؛ بأن السيد ميلود الشعبي قدم استقالته من مجلس النواب، مع ترتيب الآثار القانونية المتولدة عن واقعة الاستقالة. وقد نتج عن رسالة الإحالة، صدور القرار رقم 949-14، القاضي بشغور المقعد الذي كان يشغله السيد ميلود الشعبي المنتخب عضوا بمجلس النواب خلال الاقتراع الذي أجري في 25 نوفمبر 2011 بالدائرة الانتخابية المحلية "القنيطرة" (إقليمالقنيطرة)، وذلك بعد أن تأكد المجلس الدستوري من كون الاستقالة كانت محل معاينة من طرف أعضاء مكتب مجلس النواب المنعقد في 8 ديسمبر 2014، وسجلت بغاية إثباتها في محضر ذات الاجتماع؛ كما تم الإعلان عنها في الجلسة العامة المنعقدة في 9 ديسمبر 2014؛ وهو ما يعني أن الاستقالة قدمت وأحيلت إلى المجلس الدستوري، وهي مستوفية لجميع شروطها. والقرار الذي نحن بصدده يتسم بالإيجاز والوضوح والسلاسة في الصياغة من الناحية اللغوية؛ وهو في جانبه المتعلق بمكنة التصريح بشغور المقعد، يرتكز على المادة 90 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، التي تخول ضمنيا للمجلس الدستوري صلاحية إثبات شغور المقعد؛ بما يتولد عن ذلك من وجوب التصريح بشغور المقعد الذي كان يشغله السيد ميلود الشعبي بمجلس النواب، جراء استقالته. وإذا كان ما سلف ذكره لا مأخذ عليه كأصل عام على الوجه الوارد في حيثيات القرار؛ فإن منطوق هذا الأخير لا يتأسس على أي مرتكز قانوني في نطاق الضوابط المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة 90 من ذات القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، الأمر الذي يجعل القرار من ناحية منطوقه ينبني من الناحية الواقعية والفعلية على عدم وفراغ. كما أن المادة 90 أشير إليها في حيثيات القرار ومنطوقه من باب التدليس والتضليل بغاية ستر ما بمنطوق القرار من خطل وعوار. وترتيبا على ما سلف، ومن أجل الوقوف على حقيقة ما ورد في القرار، للحكم عليه إيجابا أو سلبا، يتعين بداية عرض منطوق القرار بالشكل الذي ورد به من غير تصرف في فحواه؛ ثم نسرد بعد ذلك مقتضيات الفقرة الأولى من ذات المادة التي تبين على سبيل الحصر، الحالات التي بتحقق إحداها يتوجب تطبيق مسطرة التعويض. إن منطوق القرار 949-14 ورد فيه بالحرف الواحد ما يلي : "يصرح (أي المجلس الدستوري) بشغور المقعد الذي كان يشغله السيد ميلود الشعبي، المنتخب عضوا بمجلس النواب بالدائرة الانتخابية المحلية "القنيطرة" (إقليمالقنيطرة)، مع دعوة المرشح الذي يرد اسمه مباشرة في لائحة الترشيح المعنية بعد آخر منتخب في نفس اللائحة لشغل المقعد الشاغر، طبقا لمقتضيات المادة 90 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب". وهذا الذي ورد في منطوق القرار يعني بشكل واضح وبصورة جلية لا التباس فيها، أن الأثر المترتب عن استقالة السيد ميلود الشعبي يتحدد في تطبيق مسطرة التعويض، أي دعوة المرشح الوارد اسمه مباشرة في لائحة الترشيح المعنية بعد آخر منتخب في ذات اللائحة من أجل شغل المقعد الشاغر. وهذا الحكم يعتمد ويتأسس حسب اعتقاد أعضاء المجلس الدستوري على ما تنص عليه المادة 90 التي نحن بصدد التأكد مما تتضمنها من مقتضيات وأحكام. ولما كانت الحجة الوحيدة في ما ذهب إليه أعضاء المجلس الدستوري، من كون الأثر القانوني المترتب عن الاستقالة، ينحصر في وجوب تطبيق مسطرة التعويض المنصوص عليها في المادة 90، فإننا سنعرض محتويات هذه المادة في جانبها المتعلق بالحالات الحصرية التي بتحقق إحداها يتعين دعوة المرشح الموالي في الترتيب لشغل المقعد الشاعر، وكل ذلك بهدف التيقن من حقيقة ما يدعيه أعضاء المجلس الدستوري بشأن ما نحن بصدده. إن الفقرة الأولى من المادة 90 تقرر بوضوح أن اللجوء إلى دعوة المترشح الذي يرد اسمه مباشرة في لائحة الترشيح المعنية بعد آخر منتخب في نفس اللائحة من أجل شغل المقعد الشاعر، يتم في حالة تحقق حالة من الحالات الحصرية التالية : 1 – إذا ألغيت جزئيا نتائج اقتراع من قبل المحكمة الدستورية وأبطل انتخاب نائب أو عدة نواب. 2 – حالة الوفاة. 3 - إعلان إقالة نائب لأي سبب من الأسباب. 4 – حالة تجريد نائب من عضويته بسبب التخلي عن انتمائه للحزب السياسي الذي ترشح باسمه للانتخابات، أو عن الفريق أو عن المجموعة البرلمانية التي ينتمي إليها. 5 – التجريد لأي سبب آخر غير فقدان الأهلية الانتخابية. 6 – حالة شغور مقعد بسبب تعيين النائب المعني بصفة عضو في الحكومة. الجلي الواضح بخصوص هذه الحالات الحصرية الموجبة لتطبيق مسطرة التعويض، هو أن حالة الاستقالة لا تعتبر من مشمولات الفقرة الأولى من المادة 90، الأمر الذي يجعلها حالة مستقلة ومنفصلة عن حالة الإقالة المنصوص عليها صراحة في المادة 90. ولعدم ورود حالة الاستقالة ضمن مشمولات المادة 90، فإن هذا الإغفال يجعل القرار رقم 949-14 غير مرتكز على أي سند قانوني، ويصبح معه أعضاء المجلس الدستوري محل اتهام بالتدليس والافتراء في مجال تنزيل الأحكام القانونية بشكل سليم. وقد يقال أيضا إن الأعضاء الأفاضل يهرفون بما لا يعرفون، أو إنهم يوقعون على القرارات من غير تبين لمضمونها وفحواها، علاوة على الجهل بما يقضي به القانون. وليس بمستبعد أن يعتقد البعض أن أعضاء المجلس الدستوري مع افتراض علمهم وإحاطتهم بمختلف الإشكاليات المتعلقة بالقضاء الدستوري، فإن الغبش في الرؤية يلازمهم كلما تعلق الأمر بموضوع الاستقالة؛ التي أضحت خارج التغطية القانونية منذ الإقرار بدستورية القانون التنظيمي رقم 22-06 المعدل للقانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب المنبثق عن دستور 1996. قد يقول قائل دفاعا عن الموقعين عن القرار بأن الإشكالية لا تعدو أن تكون مجرد هفوة مرجعها عدم الدقة في تحديد المادة الواجب الإشارة إليها؛ فبدل الإشارة إلى المادة 91 تمت الإشارة إلى المادة 90، بحيث يكون الذي حدث مجرد هفوة لا ترقى إلى الخطأ الجسيم، باعتبار أنه بمستطاع تدارك الخلل بيسر وسهولة في نطاق الرخصة المنصوص عليها في المادة 18 من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الدستوري، التي تنص على أنه : "إذا لاحظ المجلس الدستوري وجود خطأ مادي في قرار من قراراته جاز له تصويبه تلقائيا". ومن أجل الوقوف على صحة أو فساد ما يمكن أن يثار بشأن وضعية حالة الاستقالة في نطاق المادتين 90 و91 من القانون التنظيمي رقم 27-11 المتعلق بمجلس النواب، فإنه يتوجب سرد ما تحتويه المادة الأخيرة من مقتضيات واحكام؛ عسى أن تكون حالة الاستقالة واردة ضمن مشمولات المادة 91، وبذلك يكون أعضاء المجلس الدستوري بمنأى عن كل ثلب ونقد وتجريح، وأنهم فعلا كانوا على صواب حينما قضوا بتطبيق مسطرة التعويض بخصوص استقالة ميلود الشعبي من مجلس النواب؛ وبذلك يكون اتهام الأعضاء بالكذب والافتراء مجرد ادعاء باطل لا سند له من الناحية القانونية. إن المادة 91 في الجانب الذي يعنينا لا يعتريها إبهام أو غموض من حيث الصياغة، وهي تنص على التالي : "تباشر انتخابات جزئية في الحالات التالية : 1 – إذا لم يتأت إجراء العمليات الانتخابية أو إنهاؤها إما لعدم وجود ترشيحات أو امتناع جميع الناخبين عن التصويت أو لأي سبب آخر. 2 – إذا لم تحصل أية لائحة، على الأقل، على نسبة الأصوات المطلوبة للمشاركة في عملية توزيع المقاعد في الدائرة الانتخابية المعنية. 3 – إذا ألغيت نتائج الاقتراع كليا. 4 – إذا أمرت المحكمة الدستورية بتنظيم انتخابات جديدة على إثر إبطال انتخاب نائب أو عدة نواب. 5 – إذا قررت المحكمة الدستورية تجريد عضو من عضويته بسبب فقدانه للأهلية الانتخابية. 6 – إذا تعذر تطبيق أحكام المادة 90 أعلاه". بعد هذا العرض لمحتويات المادة 91، يتبين أن مقتضياتها لا علاقة لها بمسطرة التعويض، لكون المادة تقتصر فقط على تعداد الحالات الحصرية التي يترتب عن تحقق واحدة منها، وجوب إجراء انتخابات جزئية. وشتان بين مسطرة التعويض المنصوص عليها في المادة 90 ووجوب إجراءات انتخابات جزئية على النحو المحدد في المادة 91. كما أنه لا توجد أية شبهة يمكن على أساسها القول بأن الغموض المحتمل في تركيبة المادة من ناحية الصياغة، هو السبب الذي جعل فضلاء أعضاء المجلس الدستوري يحيدون عن الصواب، ويَغْهَبُ عنهم المقتضى القانوني الواجب تطبيقه على المقعد الذي أصبح شاغرا جراء استقالة السيد ميلود الشعبي. وتأسيسا على كل ما سلف، وبغاية التركيز والإيجاز، نقول للجهابذة أصحاب الانفراد بالتوقيع على القرارات؛ إن حالة الاستقالة لا تندرج في إطار المادة 90 المتعلقة بالحالات الخاصة التي ينجر عن تفعيلها تطبيق مسطرة التعويض؛ كما أنها لا تنضوي في نطاق المادة 91 المتعلقة بالحالات التي يتولد عن تطبيقها وجوب إجراء انتخابات جزئية. ومادامت المسألة المعروضة على كبار القضاة لا يوجد بشأنها نص تشريعي، فإنه كما هو معلوم لا يجوز مطلقا تكملة النقص الحاصل في النص القانوني، لأن الواجب في مثل هذه الوضعية هو التقرير بعدم صلاحية البت في النازلة، على أساس أنه لا يوجد في الدستور ولا في القوانين التنظيمية، ما يرخص للمجلس الدستوري الحلول محل المشرع من أجل تكملة النقص الحاصل في التشريع. ودون أن تكون النية متجهة إلى تغليظ القول على الموقعين على القرار رقم 949-14 بسبب الانحراف في تطبيق القانون، فإننا سنذكِّر فقط بأن القرار 853-12 الصادر بتاريخ 31 مايو 2012، كان مبنيا بدوره على تأويل فاسد للمادة 90 التي لا علاقة لها بحالة الاستقالة على الوجه السابق الإشارة إليه. ومنطوق الحكم المتعلق باستقالة السيد خالد أدنون في نطاق القرار 853-12 فقد ورد على النحو التالي : "يصرح (أي المجلس الدستوري) بشغور المقعد الذي كان يشغله السيد خالد أدنون بمجلس النواب، ودعوة المرشح الذي يرد اسمه مباشرة في الجزء الثاني من لائحة الترشيح برسم الدائرة الانتخابية الوطنية بعد آخر منتخب فيها، وذلك طبقا للمادة 90 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب". والجدير بالإشارة إليه من غير خروج على السياق الذي نحن بصدده، هو أن أعضاء المجلس الدستوري سبق لهم أن اقترفوا إثما دستوريا بخصوص القرار رقم 819-11 وكذلك الحال بشأن القرار رقم 842-12، وكلاهما متعلقان بموضوع الاستقالة التي أغفل المشرع بيان أحكمها كما سبق القول؛ الأمر الذي جعل أعضاء المجلس الدستوري يتنكبون جادة الصواب، كلما واجهتهم معضلة الاستقالة. • فبخصوص القرار 819-11 المتعلق بتقديم سبعة عشر عضوا من أعضاء مجلس المستشارين لاستقالتهم، فإننا نجد أن أعضاء المجلس الدستوري مارسوا صلاحية الوعظ والإرشاد، وذلك خارج ما يقرره الدستور والقوانين التنظيمية. ذلك أن المستشارين أصحاب الاستقالة تنازلوا عن انتدابهم التمثيلي لأسباب قدروها، ولا يمكن لأي كان في نطاق دولة ديمقراطية أن يلزم الغير بالاستمرار في أداء عمل معين حتى ولو كان متعلقا بالتمثيل البرلماني. كما أن الفصل 176 من الدستور له علاقة بالمرحلة الانتقالية، ولا صلة له من قريب أو بعيد بحالة الاستقالة. وما قيل عن المادة 53 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس المستشارين، فإنه فعلا ورد ذكر حالة الاستقالة في ذات المادة، ولكن المشرع لم يجعل قبول الاستقالة من عدمه متروكا لتقدير أعضاء المجلس الدستوري، ليقرروا على هواهم، فإن شاؤوا قبلوا الاستقالة، وإن رأوا خلاف ذلك رفضوها. إن أعضاء المجلس الدستوري دورهم ينحصر في التأكد من استيفاء الاستقالة لشروطها، فإن توفرت الشروط توجب على أعضاء المجلس الدستوري قبولها، دون اعتداد بكونها قدمت من طرف برلماني واحد أو من مجموعة من نواب الأمة. إن ما قد يحدث من انعكاس وخاصة في الجانب السياسي، فأمر لا يندرج في صلاحية المجلس الدستوري الذي قرر صراحة في مناسبات عديدة، أن ما يحدث في البرلمان أمر لا يخصه، ما لم يكن الأمر متعلقا بمقتضيات قانونية أحيلت عليه للبت فيها. أما إلزام البرلمانيين بوجوب مواصلة ممارسة مهامهم الانتدابية، بالرغم من استيفاء استقالاتهم لشروطها، فإن هذا الإلزام لا مرتكز له في الدستور والقوانين التنظيمية؛ الأمر الذي يجعل مسلك الموقعين على القرار بمثابة اقتراف لأقصى درجات التغول والافتئات على المقتضيات الدستورية والقانونية، بسبب الغبش في استخلاص الأحكام، مما انجر عن ذلك النيل من هيبة المجلس الدستوري والاستخفاف من الغاية التي وجد من أجله. • أما القرار 842-12 فيتعلق بالاستقالات المقدمة من طرف خمسة عشر عضوا من أعضاء مجلس المستشارين، يعلنون فيها استقالتهم من فرقهم النيابية التي كانوا ينتمون إليها، مما يتولد عن ذلك تفعيل المقتضيات القانونية طبقا لأحكام الفصل 61 من الدستور. ولما كانت الاستقالات في نطاق هذا القرار، تتعلق بتخلي المستشارين عن الانتماء إلى الفرق التي كان ينتمون إليها كما هو منصوص عليه في الفصل 61 من الدستور، علاوة إلى غياب النظام الداخلي لمجلس المستشارين المفروض وضعه وإقراره وفق ضوابط دستور 2011، فإننا نوجز القول بخصوص ما ورد في هذا القرار وذلك على النحو التالي: إن أعضاء المجلس الدستوري ميزوا في نطاق القرار الذي نحن بصدده بين فئتين من الاستقالات. فئة تخص مستشارين اثنين، وفئة ثانية تهم ثلاثة عشر مستشارا. - فبالنسبة للفئة الأولى التي تخص استقالة كل من السيد أحمد الكور والسيدة سعاد لغماري، فإن الموقعين على القرار يرون عدم قبول طلب السيد رئيس مجلس المستشارين المتعلق باستقالة العضوين السالف ذكرهما، بدعوى أن الاستقالتين قدمتا قبل نفاذ دستور 2011، ومن ثم لا ينطبق عليهما أحكام الفصل 61 من الدستور. وإذا كان الأمر كذلك، فما هو مآل الاستقالتين؟ لا توجد إجابة في هذا الخصوص ! - أما فيما يرجع لبقية الأعضاء المستقيلين من مجلس المستشارين، وعددهم ثلاثة عشر عضوا، فقد ورد في القرار أنه لا يمكن تجريدهم من عضويتهم بسبب عدم وضع مجلس المستشارين لنظامه الداخلي وفق أحكام دستور 29 يوليو 2011. وجراء غياب أحكام النظام الداخلي الذي يحدد آجال ومسطرة الإحالة على المحكمة الدستورية، فإنه يتعذر حسب اعتقاد أعضاء المجلس الدستوري التصريح بشغور مقاعد هؤلاء المستشارين المقدمين لاستقالتهم، لانتفاء الأحكام القانونية المطلوبة لتفعيل مقتضيات الفصل 61 من الدستور؛ وهو ما يعنى وجوب استمرار الأعضاء المستقيلين في مواصلة ممارسة مهامهم الانتدابية، من غير أن يتولد عن ذلك أي تأثير على تأليف هيئات مجلس المستشارين وسير أشغاله. إن مجلس المستشارين المنبثق عن دستور 1996 والذي لا يزال يمارس مهامه بجوار مجلس النواب المنتخب وفق أحكام دستور 2011؛ هو في حقيقة الأمر وواقع الحال مجرد مجلس لا وجود له من الناحية الدستورية، وذلك منذ انتهاء المرحلة الانتقالية. وباستحضار هذه الحقيقة يتبدى بكل وضوح أن أعضاء مجلس المستشارين أضحوا غير خاضعين لضوابط دستور 1996، كما أصبحوا غير مشمولين بأحكام دستور 2011. وهو ما يعني أن أعضاء مجلس المستشارين يشتغلون ويتقاضون تعويضاتهم دون تغطية دستورية، بل إن الأمر ازداد مساءة وتدهورا من جميع النواحي وخاصة بعد انتهاء مدة الانتداب لثلث أعضائه الذين استكملوا واستوفوا أمد التسع سنوات التي تعتبر الحد الأقصى لمن تولى عضوية مجلس المستشارين. وبعودتنا إلى استقالة السيد ميلود الشعبي من مجلس النواب، والتمعن في تخريجة أعضاء المجلس الدستوري، نجد أن سؤالا يفرض نفسه بخصوص موضوع الاستقالة؛ أيكون العطن التحليلي الكامن في منطوق القرار رقم 949-14 وكذلك الحال بالنسبة للقرار 853-12 مرجعه الجهل بالتغاير الموجود بين مصطلحين : الاستقالة والإقالة ؟ وفي ختام هذه المقالة نقول للمعينين في المجلس الدستوري بأن إعمال التأويل الملازم لتفعيل النصوص الدستورية والقانونية يعتبر حقا مكفولا للمجلس؛ ولكن شريطة عدم اتباع أساليب الخديعة والتضليل. وهنا أُذكِر بالقرار الكارثي رقم 856-12 المتعلق بالاقتراع الذي أجري في 25 نوفمبر 2011 بالدائرة الانتخابية المحلية "طنجة – أصيلة"، حيث وصل الغبش في مجال القضاء الدستوري درجة اعتبار ظهور صومعة مسجد في منشور انتخابي، بمثابة استعمال جزئي لأماكن العبادة ؟ إن المحظور فعلا هو القيام بالحملة الانتخابية في أماكن العبادة، أما إثبات صورة مسجد في منشور انتخابي، فالقانون التنظيمي لمجلس النواب لا يجرمه، لأن المادة 36 من القانون التنظيمي رقم 27-11 تنص بشكل واضح على التالي : "يمنع القيام بالحملة الانتخابية في أماكن العبادة أو في أماكن أو مؤسسات مخصصة للتعليم أو التكوين المهني أو داخل الإدارات العمومية". وعلى هذا فإن المنشور الانتخابي المتضمن لصورة صومعة مسجد، لا يمكن اعتباره بحال من الأحوال مكانا يمكن أن تمارس فيه العبادة ! ذلك أن الأفعال المجرمة هي تلك المنصوص عليها في المادة 36، والعقاب عليها مقرر في المقطع الأخير من الفقرة الثانية من المادة 42 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب. وينبني عن هذه الحقيقة أن الوقائع التي لم يجرمها القانون صراحة، لا يمكن اعتبارها من الحالات الموجبة لإلغاء الانتخابات. كلمة ختامية عبارة عن مجرد لفت نظر لكبار خبراء القضاء الدستوري، مؤداها أن أربعة منهم، من أصل اثني عشر عضوا وهو العدد الذي يتكون منه المجلس الدستوري؛ أصبح أمد تعيينهم منتهيا بانتهاء التسع سنوات، من غير أن يكون أمد التعيين قابلا للتجديد أو التمديد بصريح الفصل 79 من دستور 1996 والمادة الثانية من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الدستوري. وتولد عما آلت إليه الأمور، أنه ابتداء من القرار رقم 938-14 أصبحت القرارات من الناحية الدستورية والقانونية، تتخذ من طرف ثمانية أعضاء، وهو ما يتعارض مع الفقرة الثانية من المادة 16 من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الدستوري التي تنص بشكل صريح على أن مداولات المجلس لا تكون صحيحة إلا إذا حضرها تسعة من أعضائه على الأقل. وهذا يفيد بكل جلاء أن أعضاء المجلس الدستوري وضعيتهم أصبحت لا تختلف عن الوضعية التي يوجد عليها أعضاء مجلس المستشارين !!