إعلان سقوط حكومة أخنوش على لسان المنصوري وبركة    "بنك المغرب" يكشف لرتفاع سغر صرف الدرهم    استبعاد حكيمي من مباراة لانس يثير القلق قبل مواجهة مانشستر سيتي    برنامج "رعاية".. قافلة طبية بجماعة الزاوية سيدي عبد القادر باقليم الحسيمة    مبادرة تشريعية لتشديد العقوبات لمواجهة استغلال الأطفال في التسول    مقاييس التساقطات المطرية المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    اتحاد طنجة ينتصر على الفتح الرياضي ويرتقي في سبورة الترتيب    الوزير نزار بركة يطلق مشاريع تنموية استراتيجية بإقليم العرائش    استئناف بطولة الهواة مطلع فبراير المقبل    شرطة الفنيدق تُطيح بعصابة متخصصة في سرقة ممتلكات المواطنين    حزب "العدالة والتنمية" يجدد مطالبه بالإفراج عن النقيب زيان ونشطاء حراك الريف    انقلاب شاحنة يكشف عن مخطط تهريب 15 طناً من الحشيش    اغتيال قاضيين بالمحكمة العليا الإيرانية    "الجهاد الإسلامي": إن الغارات الإسرائيلية قبل وقف إطلاق النار قد تؤدي لمقتل الرهائن    السياقة المتهورة تورط شخصين أحدهما مبحوث عنه وطنيا بالبيضاء    بنكيران يعيد ملف الصحراء الشرقية المغربية إلى الواجهة.. ومؤرخ: معطيات تاريخية موثقة    المغرب يشيد باتفاق وقف إطلاق النار في غزة ويدعو الطرفين لإحلال السلام    نقابة "البيجيدي" تطالب بمراجعة المقتضيات الزجرية الواردة بمشروع قانون الإضراب    نقابة الصحافيين بتطوان تنظم بشفشاون "الملتقى الأول للإعلام والقضايا الوطنية"    باعتراف المنتدى الاقتصادي العالمي.. مصنع صيني بطنجة يصنف الأول بإفريقيا يحقق إنجازًا صناعيًا رائدًا في إنتاج قطع غيار السيارات    المنصوري: طموحنا في " الأصالة والمعاصرة" تصدر الانتخابات المقبلة وقيادة الحكومة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    إسبانيا تُخصص 2.6 مليون أورو لترميم المستشفى الإسباني في طنجة    إقليم صفرو يشجع إقبال الاستثمار    كيف تصل التمور الجزائرية الممنوعة إلى الأسواق المغربية؟ ولماذا لا يتم حظرها رغم الخطر الصحي؟    خبراء "نخرجو ليها ديريكت" يناقشون موضوع غلاء المعيشة وأزمة الجفاف    المغرب يُعزز ريادته الأمنية في إفريقيا .. ومبادرة الدرون تفضح تخبط الجزائر    ابن كيران: شعورنا بأن الحكومة لا تبالي بالشعب وكأنها جاءت بالمشروعية من جهة أخرى    الرئيس اللبناني يطالب بانسحاب الجيش الإسرائيلي من الجنوب بحلول 26 يناير    المغرب-فلسطين.. بحث سبل تعزيز التعاون الثنائي في المجال الفلاحي    صحيفة "غلوبال تايمز": 80% من المشاركين في استطلاع عالمي يشعرون بتفاؤل كبير حيال مستقبل الصين الاقتصادي    شياومي المغرب تطلق سلسلة هواتف Redmi Note 14 الجديدة    وفاة لاعب مانشستر يونايتد السابق دينيس لو عن 84 عاما    غياب المدرب و3 لاعبين عن الجيش الملكي قبل مواجهة صن داونز    "إف بي أي" يثمن ويشيد بتعاون المخابرات المغربية في قضية اعتقال "سليمان الأمريكي"    مجلس الوزراء الإسرائيلي يوافق على اتفاق وقف إطلاق النار في غزة    بطولة ألمانيا: البرتغالي بالينيا يعود لتدريبات بايرن ميونيخ    المصارع المغربي علاوي بطل النسخة العربية الإفريقية من "محاربي الإمارات"    نهضة بركان يطرح تذاكر مواجهة ستيلينبوش الجنوب إفريقي    الدار البيضاء.. سفير الصين بالمغرب يدشن الاحتفالات بعيد الربيع الصيني    حملة تفتيشية بالمدينة العتيقة لطنجة تغلق محلات لبيع المواد الغذائية والتجميل لعدم الالتزام بالضوابط الصحية    هل يفتح اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حماس" أفقا للسلام الدائم؟    الدار البيضاء.. سفير الصين بالمغرب يدشن الاحتفالات بعيد الربيع الصيني    "بوحمرون" يجلب قلق ساكنة طنجة.. مسؤولون: الوضع تحت السيطرة    أوريد يوقع بمرتيل كتابه "الإغراء الأخير للغرب: تداعيات الحرب على غزة"    وفاة جوان بلورايت نجمة المسرح والسينما البريطانية عن 95 عامًا    قصة حب ومليون دولار.. تعليق من براد بيت على قصة الفرنسية التي خدعت بغرامه    حمودان يقدم لوحات فنية في طنجة    مزاد يثمن الفن التشكيلي بالبيضاء    «نحو مغرب خال من السيدا بحلول 2030»: اليوم الدراسي للفريق الاشتراكي يسائل السياسات العمومية والمبادرات المدنية    تناول المضادات الحيوية بدون استشارة الطبيب..مختص يفرد التداعيات ل" رسالة 24 "    خبيرة توضح كيف يرتبط داء السيدا بأمراض الجهاز الهضمي..    HomePure Zayn من QNET يحدد معيارًا جديدًا للعيش الصحي    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    الجمعية النسائية تنتقد كيفية تقديم اقتراحات المشروع الإصلاحي لمدونة الأسرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخطابُ السياسيُّ فضاءٌ للتواصل لا يجوز تلويثه
نشر في هسبريس يوم 04 - 03 - 2015


الفكرة والمبدأ
الخطاب السياسي، كما بينا في مقال سابق، فضاء للتواصل، بل للعيش والتعايش، مثله مثل الفضاء الجغرافي. يلتقي فيه الناس كما يلتقون في مقرات الأحزاب والمؤسسات، ومنه ينطلقون للعمل: كما انطلق الربيع الديمقراطي "من الشاشة إلى الساحة". ولذلك فهو يقتضي منا نفس الاهتمام الذي يوليه المتحضرون من بني جلدتنا للبيئة الجغرافية: عَدَوُ الفضاءين (البيئي والخطابي) هو رمي النفايات، ونفثُ الدخان والغازات...الخ، في الحقيقة والمجاز.
وقد شَبَّه البيئيون الخُضْرُ الُمدخِّنَ في مكان عُمومي بفاسد الذوق والحِسِّ الحضاري (الحقوقي أيضا) الذي يتبول في المسبح وهو يخوض فيه. ولا نريد أن نتحدث عن الأسوأ من ذلك مما نراه أحيانا في شواطئنا الخالية من المراحيض.
إن مَنْ يُلوثُ فضاءَ الخطابِ السياسي لا يقلُّ سوءاً عن ملوثي البيئة الطبيعية والمرافق الاجتماعية، بل إن ضررَ ملوث الخطابِ أكبرُ. وتبدأ ملوثات الفضاء السياسي بالمغالطات والفحش الصريح والضمني، وتنتهي بالسباب والتهديد المفضي إلى الضرب والجرح. أي أنه يبدأ ب"التجَحُّش" وينتهي ب"التدعُّش".
المناسبة
أنهى السيد رئيس الحكومة المغربية تدخله أمام البرلمان يوم 03/02/2015 نهاية متوترة وملتبسة. وقع ذلك بعد مشادة حول استعماله لفظ "العيالات" بدل النساء والمرأة خروجا عما يقتضيه المقام، وزاد الجو توترا عندما طلبت منه إحدى النائبات الكف عن الهجوم على حزبها (البام)، وأنه جزب كبير.
جمع الرئيس أدواته، وهَمَّ بالانصراف. ومع خطوته الأولى خارج المنصة قال بأعلى صوته: "هَّاهَّاهَّهْ!! هَّاهَّاهَّهْ!!" تلجلجت هذه الهأهأة العالية في جنبات البرلمان مُحدثة اضرابا ظاهرا بين النواب، ثم جاءت المفاجأة التي لم تخطر على بال، ولا يمكن أن تخطر على بال:
"إِيوَا سَمْحِي لِيَّا! حتى أنا غادي نجاوبك. "دْيَالِي لِّي كْبيرْ عْليكْ". اللَّا يْهَنك".
أثارت الجملة "المغلظة" (بكل المعاني) ضحك أنصاره وتصفيقهم، كما أثارت احتجاج المخاطبين بها. وقد وصفوها بعد ذلك، ووصفوا صاحبها بأقبح النعوت، من قبيل السوقية والصعلكة. لفهم أسباب ردود الفعل العنيفة لا بد من الجواب عن سؤالين:
1) السؤال الأول
لماذا غادر رئيس الحكومة مسرح الواقعة بسرعة؟ ولماذا قال: "اللا يهنيك"؟ (ومعناها في هذا السياق: "انظري ما أنت قادرة على فعله"! أو "أريني ماذا أنت فاعلة!"، لا تقصري، "جري طوالك"). يمكن للقارئ أن يشاهد هذا المقطع على اليوتيوب بمجرد كتابة اسمي الطرفين: بنكيران وحازب. وسيلاحظ كيف تفاعل معه المتلقون.
2) السؤال الثاني
لماذا صفق أنصاره وهم يضحكون؟ قد نفهم التصفيق باعتباره تعبيرا عن الانتصار، فما دلالة الضحك؟ الضحك يدل على وجود شيء آخر غير التعبير عن كون البيجيدي أكبر من البام، أو حتى أكبر من أن يكون موضوع حديث النائبة!
الجواب الأرجح عن السؤالين هو، أولا، أن الرئيس لا يريد سماع أي تعليق، لأنه يعلم أن الجواب سيكون محرجا، على نحو قول الأستاذة حازب لصحيفة الأخبار (03/02/2015): "فضَّل الكلامَ الساقطَ الذي يؤذي الأسماع، ويمس المرأة بصفة عامة... هو كلام لا يقوله إلا السفهاء في الشوارع، ولا يقوله إلا مخمور ومعتوه...كلام يقال من طرف سكران في الشوارع".
هذا هو الجواب الذي هرب منه الرئيس. ومعنى ذلك أن الأمر لا يتعلق بزلة في التعبير مما عُرف به رئيس الحكومة.
والذين يقولون: "لم يقصد ما فهم من كلامه"، يهجونه أقذع الهجاء! لأن "رجلَ الرئاسة في مجال السياسية" حين يقع في مثل هذه الالتباسات يصبحُ خطراً على المنصب الذي يحتله. فهذه أسوأ من "عفا الله عما سلف"، لأن الأخيرة لن تجد من يقول له: "آمين" غيرَ لصوص المال العام، في حين أن "الزلة" الثانية وجدت (وهذا جواب السؤال الثاني) مَن يضحك ويصفق من تحت قبة البرلمان! حَذَارِ، يا "مُمثلي الأمة"! حذارِ من دلالة عدم احترام المقام على صحة العقل. إن قبة البرلمان ليست حلقة في جامع الفناء. قبة البرلمان ليست مكانا للضحك من أجل الإيحاءات الجنسية، وإلا قولوا لنا: ما الذي أضحككم؟ فَ"الضحك من دون سبب من قلة الأدب"، كما يقال. والمغاربة يقولون عبارة من أبلغ ما يكون لمن يضحك حيث لا يجوز الضحك، يقولون له: "تْهَجْرُو"، وفيه نكتةٌ بلاغية. إذ المعنى هو: ستهجرك أسباب الضحك إن سرت في هذا الطريق. إن ضحككم بسبب "قهقهة الاستخفاف" في البرلمان، وبسبب الإيحاءات الجنسية، علامةُ شؤم!
مغذرة للقراء: عبارة "ديالي" مأنوسة عند الأصوليين المغاربة أكثر من غيرهم، وهم يحسون بمعناها الإعناتي باعتبارها مرحلة من تطور خطاب فئة من حثالة المجتمع. فحين لا يَتقدمُ هذه الكلمة مضاف معين (مثل: الكلمة ديالي، والكتاب ديالي...) ينصرفُ الذهنُ إلى الدلالة الجنسية. وتكون هذه الخطوة تمهيدا للعراك والتناحر، كما يقع في الأحياء الشعبية بين العاطلين والمعطلين ومتعاطي المخدرات...الخ. وهذا ما استحضرته الأستاذة النائبة في تعليقها على ما وقع.
وللأصوليين الدينيين المغاربة احتكاكٌ سابقٌ بعباره "ديالي" تجعلُ استعمالَهم لها في مواجهة امرأة دون قصد الإساءة أمرا مستبعدا. فلم يمض بعدُ وقتٌ طويل على الضجة التي أثاروها حول عنوان مسرحية "ديالي" للمخرجة ح. زيطان. وهو عنوان جريئٌ فعلا في بيئتنا، ولكنه غير غريب عن المجال التخييلي، المبني على الانزياح، بل و"التجريبي" الخاص بفئة محدودة لا تفرضُ ذوقها على أحد، ولا تفرض المشاهدة على أحد. وقد ضُيِّق فعلا على المسرحية، فلم تُعرض إلا في نطاق تجريبي وحميمي ضيق جدا.
الجرأة في المجال التخييلي/ الانزياحي/ التجريبي مباحةٌ متاحة، بل مطلوبة، ولو على سبيل الخيال العلمي. ومع ذلك ثارت ثائرة إخوان الرئيس وغضبت عشيرته، ولذلك فإن نقل هذا الخطاب من المجال التخييلي إلى المجال التداولي، وإلى الجمهور العام الذي يشاهد التلفزة العمومية تَمَّ عن وعي وسبق إصرار، وهو مرفوض ومدان.
هل استحضرَ الرئيسُ، وهو يرمي "بضاعته" ويفر، المثلَ العربي: "رمتني بدائها وانسلت"؟ مُخطئ إن ظن أن الهروبَ ممكن في مجال السياسة فأحرى في مجال الرئاسة! لا بد أن تلتقي الوجوه وتعلوها الأسئلة: من العائلة إلى أعلى مستوى!
أما أمر "المقصود" و"المفهوم" فمحسوم في مجال القضاء استنادا إلى أصول الفقه القديم ومبادئ التشريع الحديث: العبرة بالمفهوم والمعتاد من العبارة، وما ترجحه الخبرة حسب القرائن والسياقات، وليس بالادعاء: قصَدتُ ولم أقصد! فمن يقول ما لا يقصد يحجر عليه حتى لا يبيع قميصه وحذاءه!
سؤال/مسابقة:
ما العلاقة بين زلة البرلمان وبين خرجة الأمين العام لحزب البيجيدي (العدالة والتنمية) المفاجئة للدفاع عن طقوس البيعة؟ ما هو المقابلُ الذي جعل الرئيس يُضحي بموقفه السابق المناقض، على طول الخط، للموقف الحالي ويُعرِّض نفسَه للسخرية؟
حاولْ استثمار رصيدك من "علم نفس الخطاب" للحصول على الجواب. واسْتعنْ بقوله تعالى: "إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً" (المجادلة 12). والصدقة قد تلعب دور الكفارة عن ذنب. ما رأيك؟ أضعف المحاورين من يضطر في كل مرة لتقديم كفارة، وتبرير زلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.