تهز الأخبار اليومية والغير المسبوقة مشاعر وكيان جميع شعوب العالم وتوحد ردها على الجرائم النكراء في صرخة واحدة عارمة: "لا للإرهاب"، وتابعنا جميعا مشاهد مرعبة مررنا خلالها من مرحلة الذهول والاستغراب إلى مرحلة الألم والأسى لرؤية دماء بريئة هُدرت على أيادي مسلمين... إلى مرحلة الغضب والاستنكار ومساءلة الذات... والآن، جاء وقت التفكير الجدي في المواجهة والمعالجة والتحسب واستخلاص العبر والتفكير في الحاضر والمستقبل... إننا جميعا مطالبون والحالة هذه أن نضع اختلافاتنا جانبا لمواجهة خطر يتربصنا جميعا ولا يمت لقيمنا ولا لحضارتنا و لا لثقافتنا ولا لديننا بأية صلة إذ كيف يعقل أن تقترف جرائم شنعاء ولاإنسانية باسم الإسلام في بلدان مسالمة أشهرت إسلامها منذ ما يزيد على أربعة عشر قرنا؟ أكيد أن ما حدث كان موجها إلى ضرب مكتسبات المسلمين الديموقراطية ونهجها الحداثي وزرع الخوف والرعب بين أبنائه والنيل من استقراره. لذا فإن معالجة ما حدث تستدعي مقاربة شمولية للآفة الإرهاب لا تقتصر على الجانب الأمني وحده بل تتعداه إلى الجوانب التعليمية والدينية والاقتصادية والاجتماعية. يجب إعادة النظر في مواد الكتب المدرسية وتشجيع القراءة، وتشجيع التنوع الثقافي واللغوي لأنهما يعكسان واقعا معيشا، وكذا تكريس المساواة بين الجنسين وللمثقفين في هذه المقاربة دور تاريخي لأنهم ضمير أمتهم الحي وعقلها الواعي والحكيم . على المثقفين الانخراط الفعلي في المقاربة الشمولية ضد الإرهاب والتطرف وآلياتهما الإديولوجية، كل من زاويته وقبل فوات الأوان لأننا جميعا رجالا ونساء معنيون، إذ أن حجم ما يقع في بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط كبير وذو أبعاد قد يدركها المثقفون أكثر من غيرهم. إن للمثقفين مسؤولية الحفاظ على حاضر ومستقبل بلدانهم ومقاومة الفكر الظلامي عن طريق الكلمة والقلم والأسوة الحسنة، مع الاعتزاز بحضارة هذه البلدان الثقافية العريقة والمتعددة الأوجه والألسن والاعتزاز بقدرة المسلمين على الاقتباس الواعي من حضارات العالم دون نسيان هويتهم. الكل يحس أننا في مفترق طرق يستوجب إعادة ترتيب الأوراق، وعلى المفكرين عبء صياغة الحضارة الشخصية والعقل الجديد للمواطنين لتجاوز هذا المنعطف الخطير وتأمين المستقبل. فعلى كتف المثقفين تقع مسؤولية تعليم الأجيال وصنع العقول والتأثير القريب والبعيد على تحليل الأشياء والنظر إليها كأطياف وليس كأبيض وأسود. ولعل مقاومة المثقفين كيفما كانت اهتماماتهم عن طريق الوعي النقدي البناء وقطع الطريق على كل من ينصب نفسه رقيبا على الناس وعلى ضمائرهم، هو وحده السيف القاطع في وجه الجهل والظلامية وهو وحده الكفيل بالدفاع عن الحياة والسلام والحرية بزرع هذه القيم في عقول أبنائنا وبناتنا. إن المشروع الديموقراطي الحداثي الذي يعتمد على استشراف المستقبل لا التقوقع في الماضي في زمن تحكمه أدوات التواصل الاجتماعي أمانة في عنقنا وعار أن توقفه قوى الظلامية والتفكير الاُحادي الضيق، وبالحداثة والتفتح واحترام حقوق الفرد ومحاربة الأمية والجهل وتعميم وترسيخ ثقافة التعليم وإنصاف المرأة قانونيا وتغيير نظرة المجتمع لها سنضمن حاضر ومستقبل بلداننا، وهو مشروع لا يتعارض في شيء مع ديننا، فالتجديد والاجتهاد في الإسلام فريضة دينية وواجب حضاري وقد كان عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين أول المجددين في الإسلام... لقد أصبح لزاما علينا، ربما أكثر من أي وقت مضى، أن نتأمل جليا في الأمور ونجمع الشتات ونفكر جديا في مستقبل أبنائنا وبناتنا ونواكب العصر حتى لا تعيش الأجيال القادمة في "جيتو حضاري" سنحاسب عليه.