قال مجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج إنّ خلطا قد لوحظ لدَى بعض الفعاليات في أوساط مغاربة العالم للزج بالCCME في النقاش الدائر بشأن مداخلة قدّمها أحد أعضاء المجلس أمام لجنة القضايا السياسية والديمقراطية بالجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا بستراسبورغ، أواخر الشهر الماضي. وأضاف المجلس ضمن بيان نشره على موقعه الرسمي أن الCCME لم يتلقّ أي دعوة رسمية من أي جهة كانت بالمجلس الأوروبي للمشاركة في الندوة، ومشاركة إدريس أجبالي ضمنها لم تكتسِ طابعا مؤسساتيا لأنه لم يمثل مجلس الجالية وإنما تم بصفته الشخصية، لذلك فإن التصريحات التي أدلى بها لا تلزم المؤسسة ولا تعبر بالضرورة عن مواقفها. "آراء ومواقف مجلس الجالية المغربية بالخارج حول الإشكاليات الثقافية، ومسألة الدين وتعليم اللغات والثقافة المغربية، للشباب المنحدر من الجاليات المغربية، والتي يعتبرها المجلس رهانات حقيقية منحها الأولوية في أعماله لتعميق النقاش والتفكير حولها، واضحة من خلال العديد من اللقاءات والندوات والورشات التي عقدها في المغرب وفي بعض الدول الأوروبية، بما فيها الندوة التي نظمها بتعاون مع المجلس الأوروبي سنة 2010 بستراسبورغ.. ولا داعي للتذكير بأن نتائج وأعمال تلك اللقاءات قد تم نشرها وهي متوفرة ورهن إشارة الراغبين في الاطلاع عليها" ينص البيان. ذات المصدر أورد كذلك أن "جهود المجلس لدعم الثقافة المغربية، بكل روافدها، في أوساط الجالية المغربية بالخارج متواصلة منذ إنشائه.. إيمانا منه بدورها كرافعة لتوطيد الروابط الثقافية بدول الأصل، عمل المجلس على تعميق النقاش حول قضية تعليم اللغات والثقافات الوطنية للشباب المنحدر من الهجرة وحول موقعها داخل الأنظمة التعليمية في بلدان الإقامة، وحول دورها في تسهيل الاندماج في هذه البلدان.. وكرس في إطار ذلك فضاءات للتفكير في تعليم اللغة والثقافة الأمازيغية خاصة الورشة التي نظمت بتعاون مع فاعلين أكاديميين وجمعويين بهولاندا سنة 2012، والمهرجان الأول للثقافة الأمازيغية الذي نظم بأمستردام سنة 2014، والذي شكل محطة مهمة لدعم وتثمين الثقافة الأمازيغية في أوروبا". ومن جانب آخر، وَافَى إدريس أجبالي هسبريس ببيان توضيحي ضمّنه تعليقا على مشاركته بالنقاش الذي تم أمام اللجنة المذكورة من مجلس أوروبا بستراسبورغ.. معتبرا أنها أدت إلى نقيض المقصود منها خلال الاستشهاد بالأجيال الجديدة لمغاربة هولندا، "مقطع من المداخلة بتر عن سياقه العام ليتم تفسيره وتأويله كانتقاص وتحقير وإساءة من لدن مستغلين للمخزون العاطفي والثقافي من أجل تمرير مواقف بعيدة عن المداخلة. وفيمَا يلِي بيان توضيحي لإدريس أجبالي كما توصلت به هسبريس: بعض مضامين المداخلة التي قدّمتها أمام لجنة القضايا السياسية والديمقراطية بالجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا بستراسبورغ، يوم 26 يناير 2015، أدّت إلى نقيض المقصود منها؛ خاصة أثناء استشهادي بالأجيال الجديدة للجالية المغربية المقيمة بهولندا، وقولي إنها -طبعا أقصد عمومها- تتقن اللغتين الأمازيغية والهولندية وتتواصل بهما، وفي المقابل لا تتقن -طبعا في عمومها- اللغتين العربية والفرنسية. وقد تم تفسير وتأويل هذا المقطع الذي تم بتره عن سياقه العام، على أساس أن فيه تنقيصا وتحقيرا وإساءة لهذه الجالية وللغتها وثقافتها الأصلية؛ وهناك فئة استغلت المخزون العاطفي والثقافي لهذه الجالية من أجل تمرير مجموعة من المواقف البعيدة عن مقاصد تلك المداخلة. وأشير إلى أن التأويلات السلبية التي تلت هذه المداخلة هي تأويلات بعيدة تدحضها جملة من المعطيات المتداخلة فيما بينها، والتي اقتضى الداعي المنهجي الفصلُ بينها، منها: - إن المقصود من ذِكري لهذا المثال هو التنبيه على بعض التحوّلات العميقة والمعطيات الجديدة التي تعرفها الجاليات المغربية في أوروبا. وكان اختياري للجالية المغربية المقيمة بهولندا من أجل بيان ووصف بعض عناصر هذه التحولات، ومنها أننا أمام أجيال جديدة متمسكة بلغتها الأم (الأمازيغية) بمفرداتها وثقافتها، وبلغة بلد الإقامة الذي تقيم فيه (الهولندية). - إن إيرادي لهذا المثال ليس فيه أي لوم أو عتاب أو تحقير لهذه الجالية ولغتها؛ والدليل هو أن هذا الكلام جاء مباشرة بعد حديثي عن ضعف التأطير الديني للجاليات المسلمة؛ وبالتالي فإن منطوق هذا الخطاب موجّه بدرجة أولى إلى القائمين على شؤون هذه الجالية ليس من أجل أن يغيروا هذا الوضع، أقصدُ وضعَ التمسك باللغة الأمازيغية والهولندية، وإنما أن يغيروا هم في أدوات تعاملهم مع هذه الجالية، وأول نقطة في هذا التغيير هو أن يأخذوا بعين الاعتبار هذا المعطى اللغوي والثقافي أثناء التفكير في إعداد البرامج والدراسات التي تخص هذه الجالية. بعبارة أدق، إن كلامي عن الجالية المغربية بهولندا كان في معرض الوصف والرّصد ولم يكن في معرض التقييم والتقويم، أو إضفاء أحكام قيمة على وضعها. - إن المتتبع لعمل المجلس منذ إحداثه سيجد أن من المعادلات الرئيسية التي ما فتئ يركز عليها هو كيفية المحافظة على لغة بلد الأصل ولغة بلد الاستقبال وأهميتها في تحقيق الاندماج الإيجابي. وهو الأمر الذي تحقق في الجالية المغربية في هولندا. فتمسكها باللغة الأمازيغية، وهي لغة رسمية تمت دسترتها، يُمكّنها من الحفاظ على الروابط الثقافية والاجتماعية بالبلد الأصلي، وتَمكّنها من اللغة الهولندية يُمكّنها أيضا من تحقيق الاندماج الإيجابي في وسط المجتمع الهولندي. - إن ما يعزّز ما ذكرته سابقا هو الاستقراء الهادئ والمتأني لسياسة المجلس، منذ إحداثه، في انفتاحه على الجالية المغربية في هولندا بمختلف تعبيراتها الثقافية والفنية والرياضية. إذ إن فهم بعض أطراف ما ورد في مداخلتي لا يمكن أن يكون فهما سليما إذا ما تم بتره عن سياق عمل المجلس ككل خاصة في علاقته بالجالية المغربية في هولندا، والتي يشكل المنحدرون من الريف غالبيتها. وفي هذا الصدد سأشير إلى بعض العناصر -وليس جميعها- التي قد تساعد على القيام بتأويل وتفسير صائب للفقرة التي أثارت نقاشا بعيدا عن مقصود صاحب المداخلة، وسأذكر بعضا من هذه العناصر وبشكل مُركّز ومختصر: 1. ففي إطار انفتاح المجلس على الثقافة الأمازيغية في أوروبا أقام المجلس سنة 2010 ندوة دولية حول اللغات في الهجرة (ومنها الأمازيغية)، وفي سنة 2012 نظم ورشة علمية حول تدريس اللغة الأمازيغية في بلدان المهجر بمشاركة أكاديميين وفاعلين وازنين في حقول اللغة والثقافة والتراث في الأراضي المنخفضة، وتمّ اختيار هولندا مقرا لتنظيم هذه الورشة نظرا للمكانة المحورية التي تشغلها هذه الجالية ولدورها المهم في الحفاظ على هذه اللغة. فالمجلس لم يقتصر على الإشادة بلغة وثقافة هذه الجالية إنما عمل على تطويرهما، وأطلق التفكير في الطرق العلمية والبيداغوجية التي تضمن موقعا متميزا للغة الأمازيغية في بلدان الإقامة وفي مؤسساتها التعليمية والتربوية. 2. كما نظم المجلس بأمستردام، بشراكة مع مؤسسات وجمعيات ثقافية مغربية بهولندا سنة 2014، المهرجان الأول للثقافة الأمازيغية بأوروبا "تويزة"، وهو المهرجان الذي عرف نجاحا كبيرا وإقبالا غير مسبوق للجالية المغربية المقيمة بهولندا، ممّا يدل على أنها قد وجدت في مضامينه وفقراته وبرنامجه ما يعبر عن مخزونها اللغوي والثقافي. 3. دعّم المجلس الفيلم الوثائقي "كسر جدار الصمت"، للمُخرج طارق الإدريسي، وهو الفيلم الذي يعرض للمعاناة الجماعية التي صاحبت الأحداث التي شهدتها منطقة الريف سنتي 1958 و 1959؛ وهذا الدّعم نابعٌ من وعي وإدراك المجلس لأهمية الموضوعات التاريخية المتصلة بالمنطقة التي ينحدر منها غالبية المهاجرين المغاربة في أوروبا خاصة في هولندا. 4. إن مجلس الجالية المغربية بالخارج طيلة عمله قد أولى عناية كبيرة لهذه الجالية المقيمة بهولندا؛ سواء من حيث إشراك كفاءات هذه الجالية (أكاديميون، وفاعلون دينيون، ومثقفون، ورياضيون، وفنانون....) في مختلف أنشطة المجلس، أو من حيث إبراز إنتاجات مغاربة هولندا الأدبية والثقافية، ولقد كان التعريفُ على سبيل المثال برواية يمّا (أمي) للروائي والكاتب الهولندي-المغربي محمد بنزاكور، مركزيا في مشاركة المجلس في دورتي 20 و 21 من المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، بل إن الأمر لم يقتصر على التعريف بالكتاب المكتوب باللغة الهولندية، إنما دعّم المجلس ترجمة هذه الرواية إلى اللغة العربية لتعميم الفائدة وضمان الانتشار الواسع لهذا الأدب الروائي الذي يحكي معاناة وهموم الأم المغربية الريفية في الديار الهولندية. 5. وبالإضافة إلى ما سبق تجلى حرص المجلس أيضا على الاهتمام بواقع الجالية المغربية بهولندا في تجميد المجلس لشراكته مع متحف "تروبن ميوزيم" في هولندا على خلفية مشروع إلغاء اتفاقية الضمان الاجتماعي القائمة بين المغرب وهولندا، وتضامنا مع الجالية المغربية المقيمة في الأراضي المنخفضة. كانت تلكم بعض العناصر التي قد تساعد في فهم سياق عرضي وحديثي عن الجالية المغربية بالخارج، وهي عناصر تساعد على بناء فهم سليم لما ورد في مداخلتي في مجلس أوروبا، وهي بمثابة قرائن تمنع أي تأويل أو تفسير غير سليم لمضامينها. - إننا عندما نكون أمام عبارة تبدو قابلة لتأويلات متعددة؛ إما بسبب بترها عن سياقها العام، أو لأن صاحبها لم يُوفّق في انتقاء العبارات الدقيقة لإيصال والتعبير عن فكرته... ففي هذه الحالة يجب النظر في المواقف السالفة التي عبّر عنها صاحب المداخلة أو المؤسسة التي ينتمي لها بخصوص تلك القضايا، علّ في هذا النظر يحصل التفسير والتأويل السليم لما قد يبدو غامضا ومثيرا للإشكال. - وفي الأخير أتمنى أن تكون هذه المداخلة وما أثارته من ردود حادّة مقدمة ومنطلقا لتدشين نقاش هادئ حول القضايا التي تهم الجاليات المغربية بالخارج، لأن المشترك بيننا نحن مغاربة العالم هو العمل على تطوير وإعادة الاعتبار للثقافة المغربية بمختلف روافدها ومكوناتها. هذا ما قصدته من مداخلتي، وإذا كانت هناك فقراتٌ من مداخلتي قد أدت إلى نقيض مقصودي فإن هذا لن يمنعني من تقديم اعتذاري لكلّ من أحسّ بما اعتبرَهُ إساءة طالته انطلاقا من فهم أو تأويل مُعين لكلامي.