في لقاء جمع أطياف اليسار من قرابة 12 دولة عربية، أكد نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، في كلمته الافتتاحية، أن اليسار هو الوحيد القادر على فصل الممارسة الدينية عن تدبير الشأن العام، وأن أحزاب هذا المكوّن السياسي عملت على الدوام من أجل تقديم مشروع ديمقراطي ينخرط فيه الجميع، ويكرّس وحدة الدولة ووحدة الشعب. حديث بنعبد الله يأتي في إطار اللقاء اليساري العربي الخامس الذي تحتضنه العاصمة الرباط يومي الجمعة والسبت 20 و 21 فبراير 2015، وهو اللقاء الذي يبتغي حسب المنظمين تقييم الوضع السياسي في المنطقة العربية، وبلورة خطط التحرّك السياسي لقوى اليسار العربي، وذلك في ظرفية جد حساسة من التاريخ الحديث للمنطقة، تشهد بروزًا خطيرًا للحركات المتطرّفة، واستمرار تأزم الوضع السياسي في أكثر من بلد. هذا اللقاء الذي لم يُفتح للصحافة سوى لدقائق معدودة تحدث خلالها الأمين العام لحزب الكتاب، وبعده ماري ناصيف الدبس، نائبة الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني، قبل أن يُمهَل الصحافيون ربع ساعة لإفساح المجال للحاضرين لأجل اجتماعات مغلقة، شهد (اللقاء) تقديم ورقةٍ لحزب التقدم والاشتراكية، أشارت إلى بعض ملامح الوضع السياسي المغربي الحالي وعلاقته بسياق الثورات العربية، دون أن يأتي في هذه الورقة المطوّلة، ما يتحدث عن حركة 20 فبراير التي تخلّد اليوم ذكراها الرابعة. وتحدثت الورقة أن منطق العدوى بانتقال الثورة من بلد لآخر لم يكن هو السائد فيما سُمي بالربيع العربي، بل مهدت عدة ظروف لما وقع من انتفاضات. ففي المغرب كمثال، بدأ النقاش حول الإصلاح السياسي قبل الاستعمار، وإبّان معركة الاستقلال والمراحل التي تلته، كما شهد المغرب سبع مراجعات دستورية منذ أوّل دستور عام 1962، وعرف محاولتين انقلابيتين ومجموعة من الانتفاضات الشعبية التي أوقعت الكثير من الضحايا. وزاد حزب الكتاب في القول إنّ الاعتقالات السياسية التي رافقت المغرب خلال سنوات الرصاص، وتطوّر الأشكال النضالية من أجل الحرية وضد الحكم المطلق، ساهما في تطوّر المسلسل الديمقراطي وفي البحث عن قاعدة لتوافقات سياسية، ليكون الحل الوسط التاريخي مع حكومة التناوب عام 1998 وغيرها من التجارب الحكومية التي "شكّلت سعيًا للقطيعة مع الانتهاكات السابقة لحقوق الإنسان". ووصف الحزب دستور 2011 بالمتقدم وبالمشتمل على كلّ مقومات الدساتير الديمقراطية في العالم، باعتبار "صياغته في إطار تشاركي، وتقدّمه المؤسساتي، وإقراره للحريات بشكل لا مثيل له فيما سبق"، مشيرًا إلى أنه لا يؤمن بأن نخبة من "العساكر أو المدنيين" يمكنها أن تغيّر مجتمعات لوحدها خارج الجماهير وخارج تعبئة كفاحاتها"، كما أن أعضاءه يرفضون كل الأفكار التي تَعتبر أنّ العنف وحده يمكنه حلّ إشكاليات معقدة مثل مسألة التحوّل الاجتماعي. ولم يفت على الحزب الشيوعي السابق لفت الانتباه إلى أن "انتعاش الحريات الديمقراطية في المغرب هش ومهدد بالهجومات الشعبوية والرجعية والظلامية والإرهابية التي تحمل مشروعًا لا يستسيغ وجود حريات ومكاسب ديمقراطية"، مستدركًا بأن الحركة الديمقراطية تقوم هي الأخرى ببعض الأخطاء، منها تبخيس المكتسبات واستصغار دور الجماهير وتشتيت جهودها. ورغم غيابه عن هذا اللقاء لطبيعته الخاصة بأحزاب اليسار، فقد حضر اسم عبد الإله بنكيران، عندما قال بنعبد الله إن رئيس الحكومة عاتبه مازحًا على عدم استدعاء حزبه لهذا الموعد، لا سيما وأن الحاضرين سيناقشون مسألة الإسلام السياسي. جدير بالذكر أنّ "اللقاء اليساري العربي" تأسّس في أكتوبر 2010 في العاصمة اللبنانية بيروت، ويضم 31 حزبًا وتنظيمًا من عدد من الدول العربية، ومن المفروض أن يناقش اجتماعه المنظم حاليًا في المغرب، مجموعة من مشاريع القرارات، كإقرار مركز التدريب النقابي وتأمين كل مستلزماته، والاتفاق على إنشاء موقع يحمل اسم اليسار العربي، وإقرار برنامج حركة الشباب، والإعداد لحلقة دراسية خاصة بالمعلّمين اليساريين خلال فترة الصيف القادم.