اختلفت التجارب السياسية في بلدان المنطقة المغاربية بعد مرحلة ما سمي بالربيع العربي، الذي انطلق من تونس ليمتد إلى جيرانها، حيث أثارت التحولات المتباينة التي عاشتها تونس وليبيا والمغرب والجزائروموريتانيا، شهية باحثين وسياسيين من تلك البلدان، الذين حاولوا مقاربة مسار الإصلاح وعلاقته بأنظمة الحكم القائمة، خلال الجلسة الأولى من فعاليات المنتدى المغاربي السادس، الذي انطلق اليوم بالدار البيضاء. حفيظ: بنكيران عرقل مسلسل الإصلاح بالمغرب في التجربة المغربية، قال الأستاذ الجامعي المغربي، محمد حفيظ، إن الإصلاح "متجذر في القدم مند فترة الحماية في المغرب"، حيث ظلت المطالب التي رفعتها نخبة الحركة الوطنية هي نفسها التي رفعها شباب الحراك الاجتماعي بصيغ جديدة، وفق تعبيره، متأسفا كون الإصلاح السياسي في المغرب "لم يستثمر الزمن السياسي على خلاف باقي الدول الناجحة سياسيا في العالم". وسجل المتحدث تخلي جزء كبير من النخبة عن الإصلاح، خاصة حين تفاعلها مع مراجعات النص الدستوري إبان الحراك العشريني مضيفا أن أحزاباً سياسية "جاهدت ضد مطالب الشارع المغربي المتمثلة في إسقاط الفساد والاستبداد"، مشيرا في ذلك إلى حزب العدالة والتنمية الذي وصفه ب"معرقل" مسلسل الإصلاح السياسي. وقال حفيظ إن المؤسسة الملكية ردت بشكل متقدم على مطالب حركة 20 فبراير عما قدمته الأحزاب الديمقراطية من تصورات إصلاحية، متسائلا عن زمن انتهاء ما يسمى بالانتقال الديمقراطي، على أن الربيع العربي "لم ينتهي بعد، بل مازال مفتوحا على العديد من المآلات"، مشيرا إلى الفرق بين ممارسة الحكم والصعود للسلطة، في التجربة المغربية. بطاطاش: التوافق صمام أمان الجزائر في علاقة بالتجربة الجزائرية، يرى أحمد بطاطاش، السكرتير الأول لحزب جبهة القوى الاشتراكية بالجزائر ورئيس فريقه البرلماني، أن الخريطة العالمية الجديدة تفرض نفسها على شعوب المنطقة المغاربية، إلى جانب عوامل إقليمية التي اعتبرها "ثورة عربية" على شاكلة الثورة ضد "الاستعباد العثماني". وأضاف السياسي الجزائري، وهو يقارب "إعادة بناء توافق وطني في الجزائر: وضع أسس بناء دولة مدنية ديمقراطية "، أن "الربيع العربي" كانت له عواقب كارثية وأن الجزائر لم تكن في منأى عن ما يقع خارجها، على أن "تحقيق الوحدة الجزائرية هي الكفيلة بتجنيبها السقوط في متاهات العنف والانفجار الاجتماعي"، على حد تعبيره. بطاطاش كشف أن سلطة الجزائر ترى فيما يقع في الجارة الشرقية "أمراً طبيعيّاً"، حيث لم تتعامل مع تنامي الاحتجاجات والفساد بجدية، وفق مداخلته، مشيرا إلى أن المبادرات من جانب واحد دون مشاورات "تشجع التحاقنات السلبية بين الأطراف السياسية"، فيما يرى أن جلوس جل الأطراف على طاولة واحدة يبقى "صمام أمان الجزائر نحو تحقيق العيش المشترك بين الجميع". خطري: في موريتانيا انقلابات ناجحة وفاشلة أما الوزيرة السابقة في الحكومة، فاطمة خطري، فوصفت ولادة موريتانيا التاريخية ب"القيصرية"، التي جعلتها تبرز بعيوب تميزها عن باقي الشعوب المغاربية الأخرى، موضحة أن نظام الحكم "قام بصهر كافة التيارات في حزب واحد من أجل تنفيذ سياسية الحاكم"، مضيفة "لم تشهد موريتانيا زمنا سياسيا كافيا من أجل بناء الدولة، حيث ظل نظام الحكم منشغلا بالحاجات المستعجلة بدل التفكير في بناء الدولة". وتورد السياسية الموريتانية أن الواقع السالف الذكر جعل الجارة الجنوبية تدخل إيقاع "الانقلابات العسكرية الناجحة والفاشلة"، حيث أدى هذا الوضع المتقلب سياسيّا إلى استحالة "بلوغ نظام ديمقراطي"، حيث "أُلبس النظام العسكري لباسا مدنيا يطبعه الاستبداد". خطري استدركت حين أشارت إلى أن الانقلاب الأخير، الذي قاده محمد ولد عبد العزيز عام 2008، "سجّل التزام العسكر بالمبادئ الديمقراطية من خلال فتحه لجسور الحوار مع الفاعلين السياسيين"، مضيفة أن هذا الالتزام لم يتأتى له النجاح "لعدم التزام النظام العسكري بما اتفق عليه"، ما أدى إلى غياب كُليّ للثقة بين المؤسسة العسكرية والقوى السياسية، توضح الوزيرة الموريتانية السابقة. الدريسي: تونس نجحت في المسار الديمقراطي الناشط السياسي التونسي، محرز الدريسي، أشار إلى أن عديدا من البلدان العربية عمدت إلى استنساخ التجربة التونسية التي طبعها حراك 2011، فيما يعرف بثورة الياسمين التي أطاحت بحكم زين العابدين بنعلي، مشيرا إلى أن المرحلة التي أعقبت الحراك في تونس اتسمت ب"بناء نظام ديمقراطي متماسك". وركز الدريسي على فكرة الانتقال الديمقراطي في بلده، حيث شدد على أنها مرت بتجارب عديدة "انتهت بإيجاد آلية توافقية التي أنتجت دستور توافقي"، مثيرا عدم طرح أسئلة مشروعة في الفضاء العمومي التونسي "كسؤال العدالة الاجتماعية والوحدة المغاربية"، مقابل الطرح السائد "هو الانغماس في الخطابات السياسية". وقال المتحدث إن التجربة التونسية نجحت في المسار الديمقراطي – الحضاري، من خلال المشاركة السياسية للمواطنين، إلا أن الصراع السياسي لم يبنى، وفق محرز، على البرامج السياسية، "بل على الزعامتية وعودة سلطة المال من أجل التحكم في المسار الديمقراطي"، مشددا على ضرورة فضاء عمومي علني وعقلاني "من أجل إنجاح الفعل الثوري".