يطل علينا كل يوم فنان جديد يهذي بما جادت به قريحة الشارع من ألفاظ نابية، وكلمات سوقية وليدة فكر منحط ونفسية مريضة. لم لا، وهذا المجال وحده من يفتح الباب أمام الملايين من الموهوبين وغيرهم دون شهادة وتكوين، فالمهم هو الربح السريع. وحده الفضول جرّني إلى سماع "اعطيني صاكي" الذي أحدث ضجة كبيرة في الأوساط المغربية، وربما تجاوزتها إلى خارج الوطن فهذه "مولات الصاط" في أقبح خرجاتها حطَبت ليلاً سطوراً مما لَفَظَه الشارع لتُخرجه إلى سوق الأغنية المغربية لتلقى 7,511,205 مشاهدة على اليوتوب من بينها 30542 تسجيل إعجاب. وبهذا الإصدار أصبح من السهل جدا أن تحمل قلما وتخرج إلى الشارع فتكتب قصيدة غنائية في زمن الانحطاط والدعوة المباشرة إلى الفجور. ليس هذا فحسب، بل، تخرج مولات الصاك إعلاميا مسوِّغة لنفسها هذا المذهب بدعوى أنها تتحدث بلسان المرأة وأن هذا الكلام مشروع جدا، لأنه ينطلق من حياتها اليومية. لكن، من تكون مولات الصاك حتى تتحدث بلسان نساء شريفات عفيفات همهن الوحيد هو الحفاظ على جمالهن بالعفة والاحترام بعيدا عما يحتويه "صاك" النكرة وما جال في فكرها من خطط تدعو صراحة إلى الفتنة التي قالت عنها في موقف آخر "حرية"، ولم تراع في هذه الحرية الحشمة والمبادئ التي تربت عليها الأسرة المغربية. إذا كانت مولات الصاك ترى في نفسها فنانة فلم تجفَّ بعدُ قريحة الشعراء المغاربة، والساحة مليئة بشعراء غنائيين وأصحاب الكلمة الراقية ولها أن تأخذ منهم ما يسجلها بفخر في تاريخ الأغنية المغربية. لقد ظهر موقف الشارع المغربي الأصيل من أغنياتها وسطحيتها، أما تلك الشرذمة التي انتصرت لها فهي مثل من يُطَبِّل للمنكر في أوسخ بُقَعه ولا يُنتظر من هؤلاء خير لأن "شْطَّاحْ النْسَا عُمْرُو مَيْرَجَعْ رَاجِلْ". لقد سقطت الأغنية المغربية بفضل "النكرات" من سماء الإبداع إلى رصيف الشارع، لكن مازال من حق الأُذن النقية أن تنتفض ضد ما يُرَوَّج له على أسماع الناشئة والمراهقين، ومحاربته. إن حضور مولات الصاك وأمثالها في الساحة الفنية المغربية لا يمكن أن تخفي بريق الأغنيات الخالدة مثل (راحلة، وبارد وسخون يا هوا، ومحال واش ينساك البال، وساعة سعيدة، وغاب عليا الهلال..). وأخيرا؛ إن الانتصار لرواد الأغنية المغربية ضد ما وصلت إليه اليوم ليس انتصارا للباطل كما يمكن أن يفهمه البعض، باعتبار موقف الشرع من الموسيقى عموما، بل هو انتصار لجمال الكلمة وصدقها وصدق أبي حين قال: إذا كان لابد من الأغنيات فلتكن نقية الكلمات، خفيفة على الأسماع، وما أبعدنا اليوم عن هذا. *باحثة في اللسانيات والثقافة الشعبية