أبعادٌ عنيفةٌ يقرؤها الأكاديميُّ الفرنسيُّ، إيمانويل طيب، الباحثُ في نظريَّة المؤامرة، لدى منْ يجنحُون إلى إيجاد منشأ ومسوغاتٍ لها في مؤامرات حاكتها أطرافٌ غير معلومة، قائلًا إنَّ نظريَّة المؤامرة باتت ظاهرة اجتماعيَّة وقدْ صارتْ تترددُ في تصريحات فاعلين سياسيِّين بالمشهد الإعلامي. ويشرحُ الباحث في حوارٍ لهُ مع صحيفة "لوفيغارُو" الفرنسيَّة أنَّ منْ يتبنَّى نظريَّة المؤامرة غالبًا ما يعتقدُ أنَّه يشغلُ حسَّه النقدِي، في حين أنَّه قدْ يخلطُ في بعض الأحيان، بين التحليل الأكاديمي، والآراء الملقاة على عواهنهَا. لمَ كثر الحديث عن نظريَّة المؤامرة بعد أحداث "شارلِي إيبدُو" الإرهابيَّة؟ تلكَ "النظريَّات" تتغذَّى وتطفُو إلى الواجهة متى ما كان ثمَّة حادثٌ معقدٌ يصعبُ على المجتمع أنْ يستوعبه. لقدْ برزتْ بصورة لافتة على سبيل المثال؛ مع اغتيال كينيدي، وهجمَات الحادِي عشر من سبتمبر. كلُّ فردٍ يحاولُ إزاء تلك النظريات إيجاد تأويله الخاص لما حصل. كي يظهر أنَّ رؤيته للأمُور أكثر عمقًا وممارسةً للنقد من تلك التي تقدمها منابر الإعلام أوْ يقول بها الساسة. الملاحظُ أنَّ لنظريَّة المؤامرة سلطة جذب كبيرة، لأنها تقدم نفسها كما لوْ كانت كفيلة بالاهتداء إلى الحقيقة. البعض انتشاءً في تصوير نفسه متفردا وسط دهماء لمْ تفهم شيئًا ممَّا حصل. إذْ ذاك، يكون الفطنُ للمؤامرة هو الذي يعرف بخبايا الأمور، سيما أنَّ لنظريَّة المؤامرة قدرة كبيرة على التنبيه، وبث القلق والذعر قياسًا بالروايات المعروفة والمتداولة للأحداث، على الانترنت، وفي التلفزيون قبل ذلك. والحقُّ أنَّ بعض الشباب لا يميِّزُ بين العمل الأكاديمي والصحافي المبني على مصادر موثوقة، وبين نصٍّ مبني على مجرد آراء شخصيَّة. هل الشباب أكثر تحمسًا وتقبلا لنظريَّة المؤامرة؟ ليسُوا الوحيدين، فمعدل تمكن تلك النظريات بين الناس يصعب تقديره، لكن ما هو مؤكد، هو أنَّها لا تعنى بشباب الضواحي أوْ الشرائح ذات المستوى التعليمي المتواضع، لقد باتت اليوم ظاهرة اجتماعيَّة، فنظريات المؤامرة لم تعد شائعات أوْ أخبار غريبة يطلقها أشخاص مجهولُون، بل باتت خطابا سياسيا قائما، في خدمة إيديلوجيَّة من الإيدلوجيَّات. يكفي متابعة ما يثارُ في فرنسا لتبين ذلك، فقدْ باتت نظريَّة المؤامرة سلاحًا سياسيًّا تسمحُ للفاعلين السياسيين المتطرفين، ضعفاء أوْ على الهامش يسعون إلى ضمان موطئ قدم لهم في المشهدين الإعلامي والسياسي بأقل تكلفة. ذاكَ ما فعلهُ جون ماري لوبان، وقد اتهم المخابرات بتدبير هجوم" شارلِي إيبدُو" دون أنْ يتوفر على أيِّ معلومة تؤيدُ الطرح الذِي قال به. فساقته كل المنابر، الأمر لا يتعلقُ بهذيان، وإنما باتخاذ موقف عن وعي كي يروم التأثير. هل يمكن للاعتقاد بنظريَّة المؤامرة أنْ يشكل خطرًا؟ أرى أنَّ من الحريِّ أنْ نقلق إزاءها، لأنَّ الخطاب الذِي يتبنَّى نظريَّة المؤامرة يحثُّ على الكراهية والإقصاء. فحينما قال آلان سُورال إنَّ من نفذُوا هجمات "شارل إيبدُو" قدْ سلكُوا طريقهم إلى تل أبيب، روج لكون الموساد وراء الهجوم لا المتطرفين الإسلاميِّين. الخطابات التي تقول بنظرية المؤامرة قد تمرُّ إلى أفعال عنيفة، فنحن نعرف أنَّ في بدايات القرن العشرين، كان هناك من رأى أنَّ اليهود حاكُوا مؤامرة عالميَّة كبرى كي يمسكُوا بزمام السلطة. وهو ما تمَّ ذكره في "بروتوكول حكماء صهيُون". نظرية المؤامرة تغذي خطابات سياسية تحضُّ على العنف والكراهية، فيما تحاولُ تسويق نفسها، ظاهريًّا، بأنَّها تعملُ الحسَّ النقدِي لدى القائل بها.