متدخلون ضمن ندوة حول حقوق السجناء، نظمتها تنسيقة أكراو للتنمية المشتركة بشراكة مع السفارة الهولندية بالمغرب وجمعية الريف لحقوق الإنسان وهيئة المحامين بالناظور والكلية المتعددة التخصصات بسلوان، أجمعوا على أن سجون المملكة تعاني بالدرجة الأولى من الاكتظاظ وعدم ترشيد اللجوء لمسطرة الاعتقال الإحتياطي من طرف القضاء، ما يغيب أنسنة ظروف سلب الحرية. الندوة التي اختير لها عنوان "حقوق السجناء: أية وضعية وأية ضمانات" عرفت حضور القنصل الشرفي للمملكة الهولندية، العربي سلامة، ومسؤولين عن السفارة الهولندية بالرباط إلى جوار فعاليات حقوقية وجمعوية وسياسية وأكاديمية وإعلامية، وذلك بفضاء المركب الثقافي "لاكورنيش" بالناظور. وفي مداخلته أكد مصطفى الخرافي، المسؤول بالمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، أن تدبير قطاع السجون لا يمكن تناوله بمعزل عن السياسة الجنائية، وذلك لوجود ترابط قوي بينهما.. مشددا على أن العقوبة الحبسية المحكوم بها تساهم في إعادة إدماج السجناء، كما أورد أن "مرتكب الجرم، في حالة اقتناعه بما حكم عليه به، تولد لديه رغبة في إعادة الاندماج داخل المجتمع والانخراط في البرامج الإصلاحية بالمؤسسة السجنية". وتساءل ذات المتحدث عن الأسس العلمية التي اعتمدها المشروع لتحديد العقوبات السالبة للحرية، وقال: "أتساءل دائما لماذا اختار المشرع أن يحدد مدة العقوبة لجريمة ما في 3 سنوات وليس 5 أو 10 سنوات، وهل اعتمد على معايير علمية لتحديد ذلك؟".. كما دعا الخرافي للتفكير في إقرار ألية قانونية موجبة للإفراج قبل انقضاء مدة العقوبة في حالة أفلح السجين في الحصول على دبلومات خلال قضاء مدة محكوميته ليتمكن من الإندماج في المجتمع. المسؤول بالمندوبية العامة كشف أن العمل متواصل من أجل بناء 13 مؤسسة سجنية جديدة وتوسيع أخرى لتحسين ظروف الإعتقال وأنسنتها، موردا ان نسبة تفوق ال41% من السجناء معتقلون احتياطون، مشددا على أن الأكتظاظ يساهم في التقليل من جودة الخدمات المقدمة للمعتقلين ويقلص من إستفادتهم منها، معتبرا أن ميزانية المندوبية قارة وأعداد السجناء في تزايد "ما يؤثر على التأطير المقدم لهم". وشدد المتدخل على كون "الاكتظاط يولد الاحتقان داخل المؤسسة السجنية، ويسفر عن رغبة لدى السجناء للحصول على حق طبيعي أصبح امتيازا، حيث يلجأ البعض لإرشاء الموظفين أو نهج أساليب محظورة كالاتجار في المخدرات وغيرها من السلوكيات الإنحرافية بغية تجاوز الوضع الذي يعيشه، مايؤدي إلى سقوط بعض الموظفين في هذه الإغراءات المادية". واعتبر الخرافي أن الإكتظاظ دفع المندوبية لاستغلال الفظاءات الموجودة بالسجون لإيواء السجناء عوض استغلالها في التأطير والتكوين، كما تطرق المتحدث إلى زيارة القضاة والنيابة العامة إلى السجون مؤكدا أنها غير كافية ولا تصل للحد الذي حدده المشرع، موردا أن عدد الزيارات خلال 2014 بلغت 916 في حين أن المشرع أوجب في المجموع أزيد من 4 ألاف زيارة من طرف جميع القضاة لل73 مؤسسة سجنية في المغرب. وفي تدخل آخر أكد نائب وكيل الملك بالمحكمة الإبتدائية بالناظور، سعيد أزدوفال، أن تدهور وضعية السجون سببه الإكتظاظ وضعف الخدمات ، موردا أن وضعية الإعتقال بها أضحت لا إنسانية وغير مشرفة، معتبرا أن شهر شتنبر المنصرم عرف الإعلان عن كون السجون المغربية تأوي 70099 معتقل، في حين أن طاقتها الإستيعابية لا تتجاوز 48 ألف. وبمعرض مداخلته المعنونة ب"الترسانة القانونية في المغرب على ضوء القواعد النموذجية لمعاملة السجناء "استعرض بوطيب البوطيبي، عن هيئة المحامين الناظور، الإطار التاريخي للعقاب و أنظمة السجن خلال العصور القديمة إلى غاية القرن الواحد والعشرين، متطرقا من خلال ذلك لتطور الترسانة القانونية المغربية خلال فترة الحماية وما بعدها. وأورد الأستاذ المحامي مجموعة من المعيقات التي تحول دون تمتع السجناء بالمغرب بكافة حقوقهم و من ضمنها مشكل الاكتظاظ والمرتبط بسياسة الاعتقال التي تنهجها النيابة العامة بدون ترشيد، متطرقا لمفهوم العقوبات البديلة على ضوء مستجدات الوضع الحالي الذي تشهده السجون بالمملكة. و بعرض عن "أنسنة المؤسسات السجنية في المغرب : أية بدائل؟ "، تطرق ميمون الطاهري، بصفته أستاذا للقانون العام والعلوم السياسية بالكلية متعددة التخصصات بالناظور، للمشاكل التي تواجه تدبير قطاع السجون بالمغرب من جراء مواجهة السجناء بسياسية أمنية بدل سياسة تتأسس على المفاهيم الحقوقية كما هو الحال بالنسبة لتجارب دولية أخرى، حيث تمثل تلك السياسات انعكاسا للسياسة الأمنية العامة في البلدان التي تعتمدها مثل ما هو الشأن في المغرب و الدول العربية. وأكد الطاهري على أن العدالة المغربية تعتمد أساسا على مقاربة عقابية للسجين بدل المقاربة التقويمية، في الوقت الذي أثبتت فيه التجارب المقارنة أن العدالة العقابية قد أثبتت فشلها من خلال ارتفاع حالات العود، و هو ما يؤدي بالتالي إلى الاكتظاظ داخل السجون و من ثم يتم اهدار كرامة السجناء و هضم حقوقهم، ما حذا بالدكتور الطاهري إلى اقتراح حزمة من الإجراءات التي يمكن أن تسهم في أنسنة السجون المغرب. جدير بالذكر أن تنظيم الندوة الافتتاحية لبرنامج " ترقية حقوق السجناء بالمغرب"، حسب المنظمين، يأتي على بعد سنتين على صدور التقرير الموضوعاتي للمجلس الوطني لحقوق الإنسان المعنون ب" أزمة السجون مسؤولية مشتركة: 100 توصية من أجل حماية حقوق السجناء و السجينات"، و ذلك بهدف تقييم مدى تنفيذ المؤسسات و الهيئات للتوصيات الموجهة لها، و كذا من أجل تحسيس الرأي العام و هيئات المجتمع المدني بضرورة الانخراط في النقاش الوطني حول السجون. وفي خضم الندوة تطرق شكيب الخياري، مدير برنامج "ترقية حقوق السجناء بالمغرب" إلى الأهداف الأساسية من البرنامج و مختلف الأنشطة التي يتضمنها من ندوات و موائد مستديرة وتقارير و دورات تكوينية، حيث عرض كذلك مختلف الفئات المستهدفة منه، و أكد على اشتغال البرنامج على بعض الحقوق الجديدة، من قبيل حق السجناء في التصويت أثناء مختلف الاستحقاقات الانتخابية، وكذا التصويت على الدستور، إلى جانب بعض الحقوق الجديدة المرتبطة ببقاء السجين على اتصال بالفضاء الخارجي للسجن. وقد نوهت كلارا شيبرس، المسؤولة بسفارة هولندا المعتمدة لدى الرباط، بالمبادرة الرامية للترافع على حقوق السجناء، منوهة بالعمل الكبير الذي قام به المجلس الوطني لحقوق الإنسان في الموضوع، ومؤكدة استمرار الديبلوماسية الهولندية في دعم المبادرات الجادة. وفي تصريح لهسبريس قالت مينة أحكيم، رئيسة شبكة أكراو للتنمية المشتركة، إن "البرنامج يأتي على خلفية الحاجة الملحة لتطوير وضعية السجون والسجناء بالمغرب بالنظر لما يعرفه الوضع من مشاكل ما فتئت تنبه إليها مختلف الهيئات الحقوقية، و كذا بعض المؤسسات العمومية بمن فيها الإدارة العامة للسجون و إعادة الإدماج و البرلمان و كذا المجلس الوطني لحقوق الإنسان".