هرم إبداعي رحل في صمت بعد عمر مديد ناهز 106 عاما، فقدت الساحة الشعرية الوطنية، مؤخرا، الشاعر عبد المالك البلغيثي، أحد أعلام الأدب المغربي في القرن العشرين. وكان الراحل، الذي ولد بفاس، قد توارى زمنا طويلا عن أضواء الساحة الأدبية المغربية بسبب تقدمه في السن، غير أن التاريخ يحفظ له إسهامه التأسيسي في المشهد الشعري المغربي، خصوصا منذ أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي. ويقول الإعلامي عبد العلي التلمساني، في شهادة عن الشاعر الراحل عبد المالك البلغيثي، إن هذا الأخير، وهو من خريجي القرويين، برع في الشعر وخاض في أغراض متنوعة من غزل وتغني بالطبيعة وشعر حماسي مقاوم مناهض للحماية الفرنسية. وأورد التلمساني عن الشاعر أبي بكر المريني وصفه لعبد المالك البلغيثي ب"أمير شعراء المغرب في الخمسينيات"، بينما يذكر عنه صديقه الأديب محمد بلعباس القباج أنه "شاعر الجمال والطبيعة، يمتاز شعره بالجزالة والعذوبة، والذين يتصلون به عن كثب يشهدون له بتضلعه في اللغة والأدب". وسخر الشاعر الراحل، الذي خلف عدة دوواين من بينها "المنار" و"راح الأرواح"، قريحته خدمة لنضال بلاده من أجل الحرية والاستقلال، مسجلا شهادته تجاه أحداث جسيمة في تاريخ المملكة، من قبيل الظهير البربري عام 1930 وأحداث 1944 التي صاحبت تقديم عريضة المطالبة بالاستقلال ونفي جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه. ويذكر أن الفقيد سليل بيت أدبي عتيد، حيث خلف والده أبا العباس أحمد بن المأمون البلغيثي مؤلفات عديدة في الفقه والأدب من بينها "النوازل الفقهية" في نحو عشرة مجلدات، ودواوين شعرية رفيعة المستوى ناظر ببعضها وساجل أحمد شوقي وحافظ إبراهيم وغيرهما، وكتاب "الرحلة الحجازية". وللشاعر الراحل عبد المالك البلغيثي ترجمته بقلمه في كتاب "الأدب العربي في المغرب الأقصى " لمحمد بن العباس القباج رحمه الله يقول فيها: " ولدت بفاس سنة 1322ه وبها نشأت و قرأت الكتاب العزيز على أساتذة أجلة, ثم لما ولي والدي ,,, عضوية مجلس الاستئناف بعاصمة الرباط أصحبني معه فأتممته هناك , ثم لما ولي خطة القضاء بأنفا سنة 1333ه أدخلني مدرسة أبناء الأعيان ,,, ثم لما رجع والدي لفاس تحولت معه وتلقيت منه دروسا في مواضيع مختلفة ثم عاد لعضويته بعاصمة الرباط فمكثت مدة الإقامة بتلك العاصمة أحضر مجالس السادات الأعلام و أقتطف من رياض معلوماتهم ما تشتهيه الأعين وتلذه الأرواح ,,, ثم أن الوالد انتقل لمكناسة الزيتون سنة1341ه متقلدا خطة القضاء بها فتحولت معه لها واشتغلت بالقراءة عليه منقولا و معقولا ,,,ثم انتقلنا لفاس سنة 1343ه و بها قرأت على مولانا الوالد الصحيحين. هذه ترجمة حياتي منذ خرجت للوجود إلى يوم 5 محرم عام 1345 ه.