لعبةٌ قذرة باتتْ تعتملُ في النقاش الدائر حول الهجوم الإرهابِي الذِي استهدف صحيفة "شارلِي إيبدُو" الفرنسيَّة، وما واكبها منْ خوضٍ في إشكاليَّات حريَّة التعبير وصلتها بالمقدسات، ومدى الازدواجيَّة التي تطبعُ مواقف الدول الغربيَّة لدى الانتصار للإنسان وحقوقه، وشجب الإرهاب. القذَارة تتبدَّى معَ عمدِ أنَاسٍ، لا يجدُون غضاضةً في الدفاع عنْ الاستبداد بأكثر منْ بلدٍ عربي، إلى تسفيهِ منجزات نظام الدولة في الغرب، وتصويره ساقطًا، بمَا لا يتبقى أيُّ داعٍ للأخذ بديمقراطيَّته، وكأنَّ أخطاء النظام السياسي الغربي، على المستوى الخارجِي على الأقل، يعنِي أنَّ الديمقراطيَّة صارتْ ترفًا، وقدْ جرى خرقها على يدِ منظريها. ليسَ لأحدٍ أن ينكر ما في سياسات الدُّول الغربيَّة من نقاط سودَاء، وقدْ جزعتْ لمقتل اثنيْ عشر شخصًا في فرنسا، فِي الوقتْ الذِي لمْ تخرجْ عنْ صمتها، لدى سقوطِ الآلاف في أكثر منْ بلد عربي، وعدم التحرك بحزمٍ إزاء مجازر نتيانياهُو بغزة قبل أشهر. ومشاركته دون أدنى حرج في مسيرة الجمهوريَّة ببارِيس ضدَّ الإرهاب. ثمَّة ازداوجيَّة للمعايير حاصلةٌ بمنطق الأشيَاء، على اعتبار أنَّ العالم مصالح، وأنَّ الدول وأنساقها في الإعلام وكافَّة المناحِي الأخرى، تخرُّ للأقوى، وتقيمُ لهُ حسابًا، وحالُ العرب، يغنِي عنْ بيان النحو الذِي يراه الغرب أنسبَ للتعامل معهم. كنَّا سنسعدْ لوْ أنَّ دول المنطقة، عاملتْ شعوبها بإكرام، ومن ثمَّ سارَتْ إلى تذكير العالم الغربي بنفاقه وصححتْ هفواته، لكنْ أنْ تكون على وضعها الراهن، وتعطِي الدُّروس، فهي في الواقع ليستْ أهْلًا وتبعثُ على السخريَّة أكثر منها على الأخذ على محمل الجد. ونذكرُ معًا أيَّام دعتْ مصر السلطات الأمريكيَّة إلى ضبط النَّفسْ في التعامل مع المتظاهرين في فيرجسُون بولاية ميزُورِي. الإنسانُ يحمَى في تقدير الأشياء، وذاكَ مفهومٌ في اللحظات العصيبة، لكنَّ انفعاله لا يعُود مقبُولا بعد حين، فالدُّول التي تنَال اليوم حظًّا من العتاب والشيطنة، هي الدُّول نفسها التي أمَّنتْ للمهاجرِين حقوقًا، ما كانُوا يحلمُون بها في بلدانهم، من تعليم وكرامة وتغطيَة صحيَّة. زيادةً على أنَّ أفواجًا من النَّاس قضوْا غرقًا في البحر ليبلغُوا تلك الشروط في معاشهم. نعمْ المهاجرُون عملُوا بسواعدهم، وبنوْا أوروبا، لكنَّهمْ نالُوا نظير ذلك عيشًا لمْ يتأتَّ لإخوانهم، ممنْ ظلُّوا ينتظرون ما يبعثون منْ مال في سبيل أنْ يأكلُوا، ويشربُوا، قدْ تبدُو رؤية اختزاليَّة عند البعض، لكنْ منصفِين كثرًا يقرُّون بها "الغربُ أمنَ لهمْ ما لمْ ينالُوه في دارهم". إنَّ النسبيَّة تظلُّ أصْلًا في كلِّ شيء، وأحسبُ أنَّ يقظة الشعوب ستكون مفيدةً إزاء ما يريدون أنْ يصوروه لها من نهاية القيم حتى لا تجسر فتح فمها ثانية. عليها أنْ تعِي وتتقين أنَّ ذاك الغرب المصور منافقًا هو الغرب نفسه الذِي يركبُ ساسته الدراجات فيمشُون بين الأسواق، ويسلمُون على مواطنيهم بتواضع، ويحاكمُون عند انتهاء مهاهم وطفو أخطائهم إلى المحاسبة. كونُوا فقطْ في مستوى ما أمنُوه لمواطنيهم على المستوى الداخلِي، ومنْ ثمَّ افعلُوا في السياسة الخارجيَّة ما شئتم، عندئذٍ تكون كرامة الداخل قدْ أغنتنا عنْ كرامة منْ في الخارج، وإنْ كانتْ الكرامة لا تتجزؤ، أمَّا أنْ تصادرُوا كرامتنا، وتنسفُوا إعجابنا بكرامة الأقوام الأخرى، فغير مقبُول أيها الجزعُون المتابكون على الازدواجية !