اندلاقُ عينَيْ الحبيب الشوبانِي، وزير العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدنِي، لمَّا مرت الزميلة خديجَة الرحالِي بجانبهِ، فِي قبَّة الربَاط، حادثةٌ قدْ تبدُو عابرة، بيدَ أنها تتخطَّى حدود الطرد، إنْ جارينا بواعثها قليلا، إلى الإبانَة عن نسقِ التفكير لدَى إسلاميينَا. فرغمَ تجديد مشذبي اللحى توبتهم إلى السلطة، على لسان زعيمهم بنكيران، الذِي قال يومًا في مقابلة مع التلفزيون الأردني، إنَّ زمن "التكفير" قد انتهَى، وإنَّ الحديث عن دولة دينيَّة من الخزعبلات، إلَّا أنَّ نظرتهم إلى مجتمعنَا لا زالتْ محكومةً بالريب. الشوبانِي الذي ابتهجَ قلبه يوم الجمعة الماضي، لنصر الحليف التجمعِي، الذِي كان قبل أشهر قليلة فقطْ واحدًا من رموز المتلازمة البيجيدية "الاستبداد والتحكم"، لم يعد مكترثًا بالفساد، كما يتعارفُ الناس في العالم على تحديده، ولمْ يجدْ من غزوةٍ يحققُ بها شعار حزبه، سوى تحويل البوصلة نحو ما يسمَّى "بالفساد والسفور"، فتناولَ ابنةَ الشعب الممارسة لعملها، بالإهاَنة والوصاية، كمَا لوْ أنهُ محتسبِي الشرطَة الدينيَّة فِي السعوديَّة؛ المعروفة بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتِي تشملُ اختصاصاتها تقدير الرموش المتوجب تغطيتها، واقتناص الأظافر المصبوغة، واشتمام روائح العطر من النساء، لتمييزها عنْ روائح العرق العطنة. الكتائبُ الإلكترونيَّة للبيجيدِي، التِي ألفت مجاراة مسئولِي الحزب وإنْ دخلوا بها إلى جحرِ ضبٍّ، قدمَت قراءتين للاعتداء؛ منهم من سار في البداية إلى التشكيك فِيما روته الصحافيَّة والقول بوجوب التثبت كيْ لا يرمىُ قوم المصباح بجهالة، فيمَا لمْ يستحِ آخرون، من الإساءة مرَّة ثانية للزميلة، والقول إنهَا كانتْ "عارية"؛ بكل وقاحة، وأنَّ الوزير انتصرَ للإسلام؛ هكذا النصرُ لدَى إسلاميينا، تنوراتٌ وأحذية بكعبٍ، "تكبير". لقدْ ألفتُ فِي مدَّة عملِي صحفيًّا، وإبانَ التغطيات التي أنجزتها، رؤيةَ موظفاتٍ في الوزارات والدواوين، يلبسنَ أطقمًا غير طويلة، وعلى غير شروط الفقيه الريسونِي، ولمْ أدرِ يومًا ما إذا كان ثمَّة إطارٌ يحددُ الألبسة التِي ينبغي على الصحافيات التدثر بها قبل الدخول إلى مؤسسات البلاد. بل إنَّ وزراء العدالة والتنمية أنفسهم، تعاملُوا غير ما مرة معهن دون إشكال. ما الذِي وقعَ للشوبانِي إذن؟ وكيفَ باغتته تلك الفكرة الفريدة بتنزيل "شرع الله" في صحفيَّة ورسمِ المشروع الإسلامِي في الحكم، على ذاك الفستان الأزرق، للزميلة، خديجة؛ بعدمَا اتضحَ انحسارهُ فِي دواليب الدولة وتدبيرها؛ ربمَا أفاقَ الرجلُ من ضلال الأمس، وأراد أنْ يعيد ترتيب الأولويَّات، ويطبقَ مشروعهُ المجتمعي، المطوق في بلاد كالمغرب، على رقعةٍ ضيقة، من درج البرلمان. وإنْ كانَ إسلاميُّو العدالة والتنميَة يدرجُون أنفسهم فِي خانة المعتدلِين، المؤمنين بالدولة المدنيَّة، على طرفِ نقيضٍ من غلاةِ السلفيَّة؛ الذِين لا يجزعون لشيءٍ كما يجزعون لظفيرة امرأة أوْ قلادةٍ في عنقها، وليذهب الاقتصاد والمال والتعليم إلى الجحِيم، فإنهم كشفُوا عن وجه التطرف، الذِي طليَ بالمساحيق حتَّى كاد أنْ يختفِي. وأذكوا الأسئلة مجددا حول نظرتهم إلى التنوع الذِي يطبعُ مجتمعنَا، وحدود أجرأة المرجعيَّة الإسلاميَّة التِي يستندون إليها؛ أينَ يمكنُ تحكيمها وتنزيلها، إنْ كانتْ حقًّا، لا تسيرُ فِي منحَى القاعدة وداعش و"تورابورَ". السلفيُّون لا يخادعُون على الأقل، ولا هم يمارسُون التقيَّة، يقدمُون خطابًا متزمتًا، ثمَّ يدافعُون عنه ويجدُون له المسوغات، أمَّا الموجودون فِي الحكومة، فطينتهم، أغرب، لا همْ يقرونَ بمشروعٍ إسلامِي واضح المعالم، يذودون عنه، ولا همْ يتوقفون عن اللعب بورقة الدين، يأكلون من غلَّة السلطة، ويسبونها حين يختلون إلى أهلهم، يشكُون الدولة العميقة، ويضعُون أيديهم في من كانُوا بالأمس رموزًا للفساد، وأكثر من كل ذلك، قصيرُ نظرٍ أوْ مشوش منْ لمْ يصفقْ لزعيم "الليمون" ولمْ يستوعبْ أنَّ محاربة الفساد تستدعِي التحالفْ مع من نعتبرهمْ مفسدين ! وأنَّ لا ضيرَ فِي فقر وبؤس وجور إنْ تحققت عدالةُ الفساتين على يدِ الفاتح المنصور بالله، الحبيب الشوباني!