بعد هجوم يوم الأربعاء الماضي الذي استهدف مقر "شارلي إيبدو"، أعادت جريدة لوموند الفرنسية نشر مقال ضمها أحد أعدادها لشهر شتنبر من سنة 2012، ويعني عددا من صحافيي المنبر الفرنسي الساخر من بينهم شارب، مدير النشر، الذي كان أحد ضحايا هذا الهجوم. في الطابق الرابع من مبنى حديث، بالقرب من "باب بانولي" في باريس.. لجنة ترحيب غريبة في مقر الصحيفة التي تسخر بانتظام من الشرطة، فعند المدخل يوجد ثلاثة ضباط يرتدون ملابس مدنية ويقومون بالتحقق من هويات الزوار.. أمّا الشاب الذي يعمل عادة في الاستقبال فقد تحوّل إلى رجل تواصل مكلف بالصحافة، إذ أصبح جهاز توجيه بالفعل، فقد كان يوجه الصحفيين الذين يتصلون من جميع أنحاء العالم، أو أولئك الذين يصلون إلى مقر الصحيفة. شَارْبْ، مدير نشر مجلة "شارلي إيبدو" يبدو متعبا.. فهو لم ينم سوى ثلاث ساعات خلال الليلة الماضية، وتم تعيينه للإجابة على أسئلة الصحفيين، منذ الصباح، وسط قاعة كبيرة مخصصة، أساسا، لاحتضان اجتماعات هيئة التحرير التي تنعقد كل أربعاء.. "لا أحد يريد أن يجتمع بالصحفيين ويجيب على أسئلتهم، وأنا الوحيد الذي كلف للقيام بذلك، وهذا يسبب لي تأخرا في أداء عملي" يقول مدير النشر. "هناك مجموعة من الإعلاميين الذين اتهمونا بالمبالغة في رسوماتنا. هذا الهيجان الإعلامي راجع بالأساس إلى رد فعل الحكومة، فكل هؤلاء يعبرون عن السخط دون أن يقرؤوا لنا. لذلك أريد أن أسكتهم بشدة'' يقول شَارْبْ غاضبا قبل أن يتذكر أن "هولاند"' شهد لصالح "شارلي إيبدو" أثناء محاكمة همّت رسوماتها عام 2007. شَارْبْ: سوف نُتم ما نقوم به "شارلي إيبدو" تدّعي أنها لم ترد أن تقوم برجة تحريرية وهي تنشر الرسوم المُسيئة للنبي محمد، فالأسبوعية أرادت، فقط، الرد على ما هو متداول ويخص فيلم البراءة الذي أثار احتجاجات دامية وسط العالم الإسلامي.. هكذا تدافع الجريدة عن نفسها. ويحكي شَارْبْ: "ليلة الاثنين اتصلت بنا شرطة باريس، بعد إنهاء إصدار الجريدة، لتعرف ما إذا كنا قد جسّدنا النبي محمد، فقمنا بإرسال الصفحة الأولى والأخيرة لها، ثم بعثها نسخة عبر البريد الإلكتروني لعدد قليل من الصحفيين، كما يتم في كل مرة، لتبدأ الهجمة على صفحات الشبكات الاجتماعية". "هذه الحماسة تكون دوما من معتنقي نفس الديانة" يقول شَارْبْ متأسفا ثم يضيف: "نحن نعدّ العدد 1058 من أسبوعية شارلي، ولم تتسبب في الضجة الكبرى سوى الأعداد الثلاثة التي نتطرق ضمنها لدين الإسلام. يمكننا أن نرسم البابا وهو يمارس الجنس مع خُلد ولن يكون هناك أي رد فعل شعبي، أو حتى في أسوأ الأحوال قد نُعرض على المحكمة". "هل سنستمر في السخرية من الدين الإسلامي؟.. كأسبوعية ساخرة، الجواب هو نعم من دون تردد، يجب علينا أن نواصل السخرية من الإسلام ليصبح مبتذلا مثل الديانة الكاثوليكية" يقول شارب. "إذا كان هناك موضوع يستحق الكتابة بشأنه فهو بكل تأكيد موضوع التصدّي لرجال الدين، فالهجوم على كل الأديان هو ما يشكل هويتنا" يقول جيرار بيار قبل أن يسترسل: "تشمل هيئة التحرير الفوضويين والشيوعيين والتروتسكيين، لكننا جميعا نتفق على حقيقة دينية واحدة هي أننا ملحدون كلّنا". خلال مرحلة الانتخابات الرئاسية تم تنظيم استفتاء داخل هيئة التحرير، وجاء جان لوك ميلينشون على رأس الترتيب متبوعا بفرانسوا هولاند، "من الصعب القول إن هناك خطا تحريريا لشارلي إيبدو، نحن جريدة اليسار الجمعي، متسع مداها إلى أقصى اليسار" يلخص شَارْبْ أفكاره حول الأسبوعية التي يديرها. يظن شَارْبْ أن النقاشات الساخنة داخل هيئة التحرير، حاليا، هي تلك المتعلقة بالدعارة أو تقنين المخدرات، مؤكدا أن الإسلام ليس هو هاجس شارلي إيبدو. وذكّر في هذا السياق بالملصقات المتواجدة جوار مكتبه وتمثل الصفحات الأولى للأعداد الأخيرة الساخرة من الرئيس السابق للجمهورية، وقال: "إذا كان لدينا هاجس ما خلال العام 2012 فهو ساركوزي". منذ إحراق مكاتب الأسبوعية، عام 2011، اعتاد الرسام وعدد من زملائه على تواجد عناصر من الشرطة إلى جانبهم. "في عام واحد، عشنا إلى جانب عشرين من الحراس الشخصيين". بنظاراته الغربية وبقميصه المخطط، يتحدث مدير "شارلي إيبدو" الذي لاح بمزاج مراهق. ومع ذلك، فما يقوله يعلن عن الجرأة المتحدية لكل أنواع الخوف: "ليس لدي أطفال، لا زوجة، لا سيارة، لا قروض، قد يكون ما سأقوله غريبا، لكنني فعلا أفضل الموت واقفا على أن أعيش راكعاً". 70 ألف نسخة إضافية الأعمال الانتقامية بدأت بالفعل، فقد تم اختراق الموقع الإلكتروني لشارلي، ورُفعت شكوى إلى محكمة في باريس بتهمة "التحريض على الكراهية" من قبل منظمة تسمى الرابطة السورية للحرية. بغرفة كبيرة ظهرت موظفة الاستقبال فجأة وهي تقول: "قناتا سكاي نيوز وفوكس تريدان استجوابك" لكن شَارْبْ كان يفكر في إضراب محتمل لشركة التوزيع، فمن شأن ذلك أن يعرض مالية الصحيفة للخطر.. ويقول شَارْبْ إن عليهم بيع 30 ألف نسخة كل أسبوع، على الأقل وسط الأكشاك، من أجل تأمين الأرباح.. ويزيد: "لا نكسب الكثير، فأنا مثلا أكسب 3500 دولار صافية شهريا، وهو أكبر راتب داخل طاقم صحفيي الجريدة". "أما بالنسبة للعدد الذي تطرقنا فيه للإسلام، فالأسبوعية لم تسحب سوى 75 ألف نسخة، لكن نظرا لحجم الطلب، فقد قمنا بسحب 70 ألف نسخة إضافية يوم الجمعة، ولا يمكننا سحب المزيد بسبب عدم وجود ورق كاف" يقول شَارْبْ. ريس، رسام ومحرر في الصحيفة، يناقش "فلسفة الحياة" ويمكن اعتباره أجمل المتواجدين هنا، فهو أسمر وعيونه زرقاء ويرتدي قميصا أبيض مفتوح. يلخص فلسفته بقوله: "نحن لا نريد الإحساس بالخوف ولكننا نريد السخرية لكي لا نأخذ الحياة على محمل الجد، نحن فقط نحاول جعل كل شيء نكتة مضحكة، والضحك لغة لا يفهمها الأصوليين".