اعتبر عبد الإله السطي، الكاتب في شؤون الجماعات الإسلامية، أنه من غير المستبعد أن يكون تنظيم "داعش"، أو خلية متعاطفة معه، وراء العملية الإرهابية التي وقعت أمس بباريس ضد طاقم جريدة "شارلي إيبدو"، خاصة بالتدقيق في الطريقة التي نفذت بها وكيفية توفير الحماية للفرار ونوعية السلاح المستخدم، وذلك في ظل "التحريض المتكرّر لأتباع داعش والمتعاطفين معه بفرنسا على القيام بأعمال تخريبية ردا على المشاركة الفرنسية في التحالف الدولي الموجه ضده". وأشار السطي في تصريحات لهسبريس، وهو الذي شارك في مجموعة من الأبحاث حول الجماعات الإسلامية، أن هذه العملية ستوّلد آثاراً لن تكون في صالح الجالية الإسلامية الوافدة على فرنسا، وبالضبط فيما يتعلّق بالتضييق على الممارسات الدينية، خصوصاً وأن فرنسا قامت خلال السنوات العشر التي تلت أحداث 11 شتنبر2001 بمجموعة من الإجراءات المتعلّقة بمقاربة مسألة الهجرة انطلاقاً من البلدان الإسلامية، والتي "انصبت في معظمها على تضييق الخناق على نوعية المهاجرين وشروط منح الإقامة، وعلى تشديد القوانين في مسألة التديّن العلني". ومن هذه الآثار كذلك ما ستخلّفه هذه العملية من تقليب نظرة الرأي العام والمجتمع المدني خصوصاً داخل اليمين المتطرف الذي يدعو لرفض أي ممارسة دينية إسلامية داخل الدولة الفرنسية، يستطرد السطي، "ممّا قد يكون له أثر كبير حول نظرة الفرنسيين غير المسلمين للتديّن الإسلامي بصفة عامة على اعتبار أن منفذي العملية قاموا بذلك في نظرهم نصرة للنبي الكريم". وما يغذي هذه الآثار وفق قول السطي، هو تزايد عدد الفرنسيين المنضمين ل'داعش' خلال السنة الفارطة، بما يزيد عن 700 فرد فرنسي، حسب إحصائيات مركز "كويليام" البريطاني. وحول التعامل الفرنسي الرسمي مع الإسلام، قال السطي إنه لا يبقى تعاملاً خاصاً مقارنة ببقية الديانات، وقد عاد المتحدث في هذا الصدد إلى المبادئ العلمانية التي تقوم عليها الجمهورية الفرنسية، والتي تعتبر موروثاً تاريخياً في إقامة هيكل وبنية الدولة الحديثة بفرنسا:" هذه المبادئ هي ما يجعل النموذج العلماني الفرنسي ذي خصوصية داخل النماذج الأخرى السائدة داخل الدول الديمقراطية، حيث لا يسمح لأي خلط بين الممارسة الدينية والممارسة السياسية، كما لا يسمح بإبراز أي رموز دينية سواء كانت إسلامية أو مسيحية أو يهودية أو غريها داخل الفضاء العام، الذي يظل فضاء للمشترك بين كافة المواطنين". بيدَ أن الانتقادات الكثيرة الموجهة لفرنسا في تعاملها مع الإسلام تعود إلى معطيين أساسيين حسب السطي. الأول هو الحجم الكبير للجالية المسلمة بفرنسا التي تبتغي تمكينها من حريتها في طقوسها الدينية الظاهرة كالحجاب أو لحية الرجل، وهو ما يتنافى مع القانون الفرنسي فيما يخصّ الحرية الشخصية، والثاني هو تغيّر نظرة الفرنسيين للتدين الإسلامي بعد 11 شتنبر. هل سيتخوّف الصحافيون والمواطنون الفرنسيون من إعلان آرائهم تجنباً لاستهدافهم من المتطرّفين؟ يجيب السطي بأن المواطن الفرنسي "متشبع بثقافة الحرية إلى حد كبير، ولم تستطع عمليات سابقة شهدتها جريدة "شارلي إيبدو" نفسها في ممارسة حرية تعبيرها، أن تثنيها عن ذلك. كما أن اعتقال صحافيين فرنسيين سابقا سواء من لدن طالبان أو من لدن تنظيم الزرقاوي ببغداد او حتى من "داعش" والتنكيل بهم، لم يدفعه الصحافيين داخل فرنسا من تأدية واجبهم المهني، بل كرّسوا خطهم التحريري المبني على حرية التعبير إلى أقصى الحدود".