في مثل هذا اليوم، من سنة 2012، عين الملك محمد السادس أعضاء حكومة عبد الإله بنكيران، في نسختها الأولى.. لتكون بذلك قد مرت ثلاث سنوات على أول حكومة بعد الحراك المغربي الذي تبدى في شوارع البلاد تحت قيادة شباب 20 فبراير المشكّلين، وقتها، لتنسيقيات عمت ربوع المملكة. ومنح دستور شهر يوليوز من العام 2011 للحكومة، المشكّلة بعد إقراره، صلاحيات واسعة.. ووضع من بين مهامها العمل على تنزيل أهم القوانين التنظيمية المكملة للوثيقة الدستورية، فيما تتباين الآراء اليوم حول مدى التزام الحكومة بمنطوق الدستور بين من اعتبر أن الوثيقة الدستورية التي صوت عليها المغاربة أكبر من الحكومة، وأخرين يرون أن ما قامت به حكومة بنكيران "مشرف للغاية" في هذا السياق. ثقة ملكيّة ترى العديد من الأصوات المعارضة أن هَمّ رئيس الحكومة، خلال الثلاث سنوات التي مضت، كان تدبير العلاقة مع المؤسسة الملكية والبحث عن الثقة، وذلك على حساب تنزيل الدستور.. وفي هذا السياق قال حسن طارق البرلماني، القيادي بحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إن الحكومة حرصت على التعامل مع الدستور بمنطق أولوية تدبير علاقة الثقة مع المؤسسة الملكية، مشيرا أن ذلك "انعكس في صورة مسار ممتدٍ من التنازلات الإرادية". وأوضح ذات المتحدث، ضمن تصريحه لهسبريس، أن عدم استثمار إمكانية تأسيس الحكومة "السياسية" و"المنتخبة"، وعدم القدرة على إحداث القطيعة مع هيكلة حكومية تعتمد تواجد وزراء غير منتمين، يطرح أسئلة حول احترام مبدإ ربط المسؤولية بالمحاسبة؛ كما جاء في دستور 2011، مشيرا إلى أن "عدم احترام لحظة التنصيب البرلماني، التي لم يترك دستور يوليوز 2011 أدنى شك في كون النظام الدستوري المغربي، من خلال الفصل 88. مقابل ذلك يسجل المقربون من رئيس الحكومة أن الرجل استطاع أن يدبر علاقته مع المؤسسة الملكية بشكل جيد، وفي هذا الاتجاه يورد عبد العالي حامي الدين، عضو الامانة العامة لحزب العدالة والتنمية، أن "تنزيل الدستور لا يمر بالضرورة عبر تعارض الثقة بين المؤسسة الملكية ورئاسة الحكومة"، مبرزا أن "التنزيل الأسلم يمر عبر مناخ التعاون بين المؤسسات". وأبرز حامي الدين، في تصريح لهسبريس، أن تدبير العلاقة بين رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة تمر بطريقة مرنة وانسيابية، مؤكدا أن عدم تسجيل أي نوع من "البلوكاج" خلال الثلاث سنوات التي مضت يؤكد نجاح نظرية التوافق. وفي تحليله للخطاب السياسي للفاعل الحكومي يرى حسن طارق، أستاذ العلوم السياسية بجامعة سطات، أن "الخطاب الذي طوره رئيس الحكومة يعد نموذجا واضحا لاستبطان المنطق الرئاسي لما قبل دستور 2011"، مشيرا أنه "يشغل موضوعه التوافق والبحث عن الثقة في علاقة مع المؤسسة الملكية، حيث الإصلاح سيتقدم بقدر ما يتقدم التوافق مع الملكية". وأكد طارق أن نزع التحديد الدستوري للصلاحيات الملكية لا يصبح فقط تزكية للمنطق الرئاسي بل يعتبر "عودة إلى منطق الإمامة العظمى"، مبرزا أن "هذا المنطق لا يتصور معه التعامل مع صلاحيات المؤسسة الملكية داخل إطار المعطيات الدستورية المقيدة". وفي هذا السياق، يقول طارق: "الرائج هو خطاب سياسي يستبطن منطق دستور 1996، للدفاع عن فكرتي الثقة والتوافق، هو ما يجعل رئيس الحكومة يلوّح باستمرار بأن رحيله بيد الملك، متجاهلاً نصوص الدستور الجديد الذي لم يتصور، صراحة، وضعاً يكون إنهاء الحكومة بيد الملك، بشكل مباشر، أو أن يتضايق من تكييف العلاقة بين الحكومة والمؤسسة الملكية كعلاقة تعايش، مفضلا التوصيف الرئاسي بين رئيس ومرؤوس لتعريف العلاقة بين الملك ورئيس الحكومة". التنازل والتوافق عبد العالي حامي الدين وحسن طارق، بصفتهما أستاذين للعلوم السياسية والقانون الدستوري، ووجها من لدن هسبريس بتساؤل يهم ما إذا كان رئيس الحكومة الحكومة قد تنازل عن بعض صلاحياته، ليلوح بينهما تباين ضمن مواقفهما ويضاف إلى اختلاف وضعهما السياسي. فبينما يرى القيادي في "حزب المصباح" أنه عكس التوقعات القائلة بعدم قدرة الحكومة على تنزيل الدستور فإن الواقع أثبت أنها نجحت في مهامها.. بينما أوضح البرلماني الاتحادي أن "هذه المرحلة تميزت بالتنازل عن جزء من صلاحيات الحكومة ورئيسها في القانون التنظيمي المتعلق بالتعيين في المناصب السامية، الذي عمل على نقل بعض هذه الصلاحيات، من المجال الحصري والمستقل للحكومة، إلى المجال المشترك بينها وبين المؤسسة الملكية. وأشار حامي الدين إلى أن نجاح الحكومة جسدته طريقتها التشاركية من خلال الحوار حول القوانين التنظيمية للسلطة القضائية والمجتمع المدني وإصلاح قانون الصحافة والجهوية والانتخابات، مبرزا أنها أجرت حوارات وطنية شارك خلالها المختصون والمتدخلون في القطاعات. قراءات غير دستورية على مستوى تدبير الصلاحيات المشتركة مع الملك أفاد طارق بأن ما وصفه ستجلى في الاستبطان المطلق لفكرة تبعية الحكومة للمؤسسة الملكية في مجال السياسة الخارجية، وخاصة على مستوى تدبير ملف الصحراء.. وأشار في هذا الاتجاه إلى إقحام الديوان الملكي في صناعة التشريع، ضدا على أحكام الدستور، مبرزا أن ذلك "يتضح من خلال القراءة غير الدستورية التي تقدمها الحكومة في مخططها التشريعي، لمسطرة التشريع، والتي تعود من خلالها الحكومة عمليا إلى الفترة السابقة عن عام 1962". واستدل طارق على تبعية الحكومة لما قال إنه "تفسير معيب أعطته الحكومة، من خلال المخطط التشريعي، لمفهوم التداول داخل المجلس الوزاري، حيث يعتبر الدستور أن من صلاحيات المجلس الوزاري التداول بشأن مشاريع القوانين التنظيمية"، مستغربا من تنصيص الحكومة على أن "عرض مشاريع القوانين التنظيمية على المداولة في المجلس الوزاري، يجعل من إعدادها وصياغتها عملا مشتركا بين الديوان الملكي والحكومة". مقابل كل ذلك يرى عضو الامانة العامة للحزب الذي يقود الحكومة، أن المغرب نحج أغلبية ومعارضة في تدبير ملف تنزيل الدستور بطريقة فعالة، مشددا على أن السلوك السياسي للفاعل الحزب هو من يعطي قيمة لتنزيل الدستور، ..وأشار حامي الدين في هذا السياق "أن الفاعل الحزبي يجب أن يلامس روح الدستور، ويفعل الجانب الديمقراطي لتنزيله".